الحديث عن الخلافة
الأول: كتب (الأحكام السلطانية) وأحكام الإمامة العامة وشروطها ووظائفها.
والثاني: تاريخ (الخلفاء)، والدول التي تعاقبت على إدارة شئون الخلافة.
ولم يتصد أحد لدراسة الخلافة كنظام سياسي ومجتمعي له مؤسساته التي واكبت تطور المجتمع الإسلامي، وحافظت على وحدته وتنوعه في آن واحد، حتى اشتركت كل القوميات في العالم الإسلامي من جهة، وكل المدارس الفقهية، والقوى السياسية من جهة أخرى، في صناعة حضارة مشتركة، من خلال إدارة مشتركة للخلافة ودولها في ظل تعددية سياسية لم يعرف العالم لها نظيرا، حتى طال على الأمة الأمد، فصار ما كان من تاريخها ونظامها السياسي بدهيا بالأمس، مشكلا معقدا اليوم، وما كان واضحا جليا، بات غامضا خفيا، حتى قيل بأن الإسلام لم يأت أصلا بنظام سياسي للحكم! بل جاء بمبادئ عامة فقط!
وحتى شاع بين العلماء فضلا عن العامة بأن الأمة لم تجتمع في دولة واحدة منذ القرن الأول؟
وكأنه لم تقم للإسلام دولة قارية مدة ثلاثة عشر قرنا تحت ظل نظام سياسي إسلامي هو نظام الخلافة!
وكأنما هذه الأمة طارئة على الأمم لم تسدها يوما ما حتى كادت حضارتها تتفرد بقيادة العالم ألف سنة!
وبلغ الأمر اليوم بسبب الاختلاف في شأن الخلافة ومكانتها في الإسلام أن استخف بها فريقان:
- فريق يرى بأن الحديث عنها ضرب من الأوهام، وأضغاث الأحلام، فالماضي لا يعود، والخلافة جزء من التاريخ، ولكل عصر دوله ونظمه، فكان قولهم اليوم صدى لما قاله علي عبد الرازق بالأمس في كتابه (نظام الحكم في الإسلام)!
- وفريق آخر يرى الخلافة بيعة رجل على أي حال كان، فإذا ادعاها وتم الإعلان عنها عادت الخلافة من جديد، حتى وإن كانت صورية، كخلافة الشريف حسين بن علي، تحت الاحتلال البريطاني!
وبلغ الاستخفاف بالخلافة وشأنها - وهي قطب رحى الإسلام، وحجر الأساس لنظامه السياسي، والذي شن العدو من أجل إسقاطها حربا كونية كبرى مهد لها طيلة نصف قرن - أن اجترأت عليها جماعات تصورت أنها بادعائها للخلافة أو الإعلان عنها تقيم الخلافة في الأرض بمعزل عن الأمة، التي لا وجود أصلا للخلافة قبل وحدتها وقوتها!
ولم تدرك هذه المجموعات بأن للخلافة حقيقة سياسية شرعية أدرك أعداؤها من مضامينها ما لم يدركه أدعياؤها؟
وظنوا - والظنون كواذب - أنه قد تقوم خلافة بلا أمة، أو تقوم خلافة والأمة في حال استضعاف لا حال استخلاف، في الوقت الذي يحتل العدو أرضها، ويسوس أمرها!
وفاتهم أن حقيقة الخلافة لا تكون إلا باستخلاف الله الأمة في الأرض، وبعد تحقق سيادتها، كما قال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}، فالأمة هي التي تختار الخليفة وكيلا عنها، كنتيجة لتحقق الاستخلاف لها هي كأمة، قبل وجوده هو كخليفة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق