الخميس، 25 سبتمبر 2014

مفارقات بين حج الأمس واليوم


مفارقات
 بين حج الأمس واليوم
أ.د. صلاح الدين سلطان

حجُّ الأمس كان نقلة نوعية نحو التمكين، وحج اليوم خطوة على طريق التوهين، في حج الأمس وقف النبي صلى الله عليه وسلم يهتف على جبل الرحمة: "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد.."
 وحج اليوم ربنا واحد لكن الواقع كأننا لسنا لأب واحد، فالحج الفاخر التطوعي قد يطعم آلاف الفقراء، وحمامات بعض الفنادق الفاخرة تكفي لإقامة عمارات لهؤلاء الغلابة الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ونجد الفوارق الطبقية بين أبناء الأمة كأن كل فئة تنتمي إلى عصر دون آخر، كالفرق بين العصر الحجري والذري
 في حج الأمس على جبل الرحمة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا
 وبعد حج اليوم تنقسم الأمة إلى تيار متحلل يدفع المرأة إلى عصر "الجندر" و"البوي فرند" والخلاعة والمجون، وتيار العودة إلى الجاهلية الأولى في التحجر بمنع المرأة من أبسط حقوقها
في حج الأمس وعلى جبل الرحمة قال صلى الله عليه وسلم : "ألا إن ربا الجاهلية كله موضوع، وأول ربا أضعه تحت قدمي هاتين ربا العباس بن عبد المطلب"
 أما حج اليوم فلا شئ يذكر في إنهاء هذا الربا حتى في أرض الرسالة.
حج الأمس كانت أمة الإسلام دائما تحت قيادة واحدة مهما قويت أو ضعفت أمة الإسلام، لكن حج اليوم لا تجمع الدول الإسلامية رؤية واحدة، ولا مصالح متقاربة، ولا سوق إسلامية مشتركة، ولا ميثاق شرف للدفاع عن العرض والأرض والمقدسات.
حج الأمس كان الأقصى حرا طليقا، وكان كثير من الحجاج يشدُّون الرحال في ذهابهم أو إيابهم إلى المسجد الأقصى، أما اليوم فثالث الحرمين وأولى القبلتين أسير يشكو إلى الله أمة تركته للصهاينة يحفرون الأنفاق تحته إلى ثمانين مترا تمهيدا لهدمه.
حج الأمس كان يرتبط بالجهاد كما تنطق آيات سورة الحج والبقرة وآل عمران والأنفال والتوبة ومحمد،
أما حج اليوم فشكل بلا مضمون وحج مع ذل وهوان، وفقر واستسلام، الحج كان فيه الإعلان على لسان بطل الإسلام علي بن أبي طالب: "لا يطوف بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" 
أما حج اليوم فأنجاس المشركين يحكمون النقير والقطمير، الكبير والصغير "بالريموت كنترول" فلا يدخلون بأجسادهم المسجد الحرام لكن يحركون بمنهجهم وسلطتهم وإعلامهم واقتصادهم أمة الإسلام، ولطخوا بيوتنا وفنادقنا حتى في مكة والمدينة بأفلام وفنون تنشر العري والفجور في كل مكان
حج الأمس كان يُعلن: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة:9) وأثناء حج اليوم يُقتَّل ويُشرَّد إخواننا في غزة هاشم، وفلسطين الأقصى، وعراق الحضارة، ويمن العراقة، وأفغانستان الأصالة، وسوريا البسالة، ويؤسر ويسجن خيرة أبنائنا في سجون الكيان الصهيوني، والقهر المصري، و....
 وقد قعد الأعداء منا كل مرصد، يتجسسون من خلال الأقمار الصناعية، والهواتف الخلوية، والحسابات البنكية، حتى على المحادثات الزوجية، ولو شاؤوا لعدوا الأنفاس القلبية، وأمة الإسلام ما زلت تُغَنِّي: " يا امه القمر على الباب، يا امه أناديله ولاَّ أسك الباب"!!
أما متى يكون حج اليوم كالأمس؟!
حينما يتحقق شكلا ومضمونا ما جاء في آخر سورة الحج تعبيرا عن مقاصده العليا: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج: 77-78)، فمتى نحجُّ حقيقة لا شكلا؟!.
لا أدري لماذا تخيلت يوما يأبى فيه الحجاج أن يرجعوا إلى ديارهم وأوطانهم ويقولون: "لقد آن لنا أن نجمع إلى الحج الجهاد كما أمر رب العباد؛ فيقطعون كل واد ليحرروا ثالث الحرمين وأولى القبلتين من شذاذ البلاد وقتلة الأنبياء صهاينة هذا الزمان، يومئذ فقط يكون قد التحم اليوم مع الأمس العريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق