السبت، 27 سبتمبر 2014

حسني مبارك زعيماً للمعارضة

حسني مبارك زعيماً للمعارضة

وائل قنديل

لن يكون مفاجئا لجمهور ثورة يناير المصرية أن يحكم قضاء مبارك بتبرئة حسني مبارك اليوم وإطلاق سراحه، مع تعويضه ماديا وأدبيا عن الفترة التي قضاها في سجنه الوثير الأقرب للمنتجعات. 

القوى المسماة "ثورية" استبقت لحظة النطق بالحكم في قضية القرن، صباح اليوم، بأن كل شيء متوقع في ظل نظام حكم جديد ينتمي شكلا وموضوعا إلى مدرسة مبارك، وكأنها توجد لنفسها مبررا للاستكانة والتسليم بالأمر الواقع، من دون أن تقول ماذا هي فاعلة.
لقد بلغت المهانة ببعض القوى المحسوبة على ثورة يناير حدا صارت معه لا تجرؤ حتى على أن تتقدم للقيام بدور المعارضة للسلطة الانقلابية الحالية، وفي وضع بهذا الاختلال العبثي لن يكون غريبا في حالة الإفراج عن حسني مبارك اليوم، أو إصدار حكم مخفف ضده، أن نسمع أن الرجل قرر تدشين تيار المعارضة المصرية في الفترة المقبلة، وبذلك تكون ثمار الثورة المضادة قد اكتملت، لتخسر قوى ثورة الخامس والعشرين من يناير المعارضة بعد أن فقدت السلطة في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.

لقد استخدمت عنوان هذا المقال مرة من باب المبالغة في إظهار عبثية المشهد قبل الانقلاب بشهور، غير أنني أجده هذه المرة واقعيا للغاية، في ظل تلك الاستقالات الثورية المتعاقبة تحت مبررات مضحكة من نوعية أنه لم يعد انقلابا كونه استقر واكتسب دعما من كارهي الربيع العربي في مناطق مختلفة، أو أولئك الذين يصرون على أن مظاهرات يونيو/حزيران الصناعية كانت موجة ثورية، على الرغم من الوقائع الدامغة التي تجيب عن سؤال كيف صُنعت الثورة المضادة في مطابخ العسكر والقضاء. 

ولنتخيل المشهد إذا فاجأنا القضاء بواحدة من شمخاته ومنح مبارك البراءة والتعويض عنها، في تلك اللحظة لا بد من متهم آخر تلصق به كل الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين، وهنا ستصبح ثورة يناير متهما رئيسيا، ويكون كل من ارتبط اسمه بها في قوائم الإدانة، خصوصا في ظل هذه الروح الانتقامية المتوثبة من قبل معسكر الثورة المضادة، الذي يتلطف معه محسوبون على يناير فيذهب إلى أن ما جرى لم يعد انقلابا بفعل الزمن. 

ويظل الامتداد الطبيعي - وربما الجذر والمنبت - للقول بأنه لم يعد انقلابا لأنه فرض واقعا جديدا على الأرض، هو ذاته ما يستخدمه أولئك الذين يبدون حماسا لفكرة الإذعان والتسليم بالكيان الصهيوني كدولة في المنطقة، على جثة فلسطين، ويصبح منتهى الحلم هنا أن تتنازل "إسرائيل" وتقبل بتواجد الفلسطينيين داخل حدودها، ثم تتنازل أكثر وتتعامل معهم كبشر. 

إن حقوق الشعوب في ترابها الوطني، وحرياتها السياسية، لا تسقط بتقادم الاحتلالات والانقلابات، وعلى ذلك ليس من العدل في شيء أن تطلب البعير التي بركت واستناخت من المتمسكين بالمقاومة أن يستسلموا لواقع شديد الدمامة والقبح. 

فليتخير هؤلاء "الواقعيون" أماكنهم: إما في الفناء الخلفي للسلطة الجديدة، أو محاولة الالتحاق بتيار المعارضة الجديدة بقيادة الزعيم المحرر محمد حسني مبارك، وليتركوا هؤلاء المجانين الحالمين بالحرية والعدل والكرامة والديمقراطية يواجهون مصيرهم وحدهم، ويواصلون نضالهم من أجل قيم كنا نتوهم أنه لا يختلف حولها أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق