الجمعة، 26 سبتمبر 2014

حسني مبارك.. سيسي مبروك

حسني مبارك.. سيسي مبروك


وائل قنديل

يخلط نظام عبد الفتاح السيسي خلطا عجيبا بين "مصر" و"منتخب مصر" وعلى ذلك تأتي مشاهد البعثة الضخمة المرافقة له في زيارته إلى نيويورك أشبه بروابط مشجعي "منتخب علاء وجمال مبارك" لكرة القدم.
جمهور قائد الانقلاب ممن استولوا على مقاعد قاعة الأمم المتحدة، سلكوا كما كان يفعل مشجعو المنتخب الكروي في المباريات التي يحضرها مبارك وولداه، ولم يكن ينقصهم سوى الطبول والدفوف والأعلام - وفنانات تجاوزن سن التقاعد- لكي نكون أمام مشهد ينتمي بالكلية إلى مدرجات ملاعب الكرة.
ومن جانبه لم يترك "اللاعب" شيئا مما يصلح لمداعبة عواطف الجماهير، إلا وقام به، حتى الهتاف لم يتركه للجماهير المشحونة إلى نيويورك جوا، وقرر أن يهتف لنفسه "تحيا مصر" قالها بالسين بدلا من الصاد على عادته في افتراس قواعد التخاطب ونهش اللغة العربية من رقبتها حتى ركبتها.


إعلام الجنرال، هو ذاته إعلام علاء وجمال، وروابط المشجعين هي ذاتها لم تتغير، ومن ثم نقل الإعلام الحدث (حدث هتاف السيسي لنفسه و تصفيق الجماهير المتعصبة له) باعتباره صيحات تشجيع هادرة من الأسرة الدولية إعجابا وافتتانا بمهارات اللاعب الجديد وأدائه في أول ظهور له في الملاعب الأممية.. هل يختلف ذلك عما كانت تصرخ به روابط مشجعي منتخب جمال وعلاء "زي ما قال الريس منتخبنا كويس"؟

طوال الوقت كان الجنرال ومشجعوه يتصرفون بعقلية الكرة، وطالما هم يشاركون في "قمة المناخ" فلا بد من اعتلاء قمة مجموعتهم، وكما هو معروف في "لحظة الكرة" لا مجال للعقل أو للمنطق، ليتسيّد الحماس الأهوج والتشجيع الجنوني الموقف..
ومن ثم كان الشغل الشاغل له ولمرافقيه استغلال المناسبة في أمرين لا ثالث لهما، الأول: تسويق انقلابه على الديمقراطية كـ"ثورة شعبية" وهنا لا يستشعرون خجلا وهم يرددون العبارات القديمة - الفارغة - عن الثلاثة والثلاثين مليونا الذين خرجوا، و"الإرادة الشعبية"..
والأمر الثاني هو الحصول على مباركة أممية لجرائمهم ضد الإنسانية وعمليات القتل العنصري والتنكيل بحق مخالفيهم، من خلال محاولة الإيهام بأن كل رافضي السيسي إخوان، وكل معارضي انقلابه إرهابيون.
ولم لا يفعلون ذلك وهم يرون الدولة المضيفة تتخلى عن كل شعاراتها عن احترام قواعد الديمقراطية وقيم الحرية، في هوجة "الحرب على الإرهاب" حتى النائبان جون ماكين ولنزي جراهام اللذان عرفا ما جرى في مصر بأنه انقلاب وهما في قلب القاهرة عقب الانقلاب مباشرة، يبدوان مشغولين هذه الأيام بالحشد لمحاربة "داعش" واستمطار سحب النار على رأس المنطقة بأكملها.
وفي أجواء مشبعة بأدخنة الرغبة في القتال، لمجرد القتال، مثل هذه، كان من الطبيعي أن تستقبل كلمات الزعيم التركي رجب طيب أردوغان التي يسمي فيها الأشياء بمسمياتها الحقيقية ويقول إن ما جرى في مصر انقلاب كامل الأركان، تستقبل باعتبارها مساسا بذات السيسي المقدسة من قبل شعبه المختار.. 
وعلى أثر ذلك تندلع مجددا حرائق الهلوسة في وسائل إعلام السيسي وأدواته الدبلوماسية، على الرغم من أن أردوغان لم يضف كثيرا لما أقر به ماكين وجراهام.
والحاصل أن شعب السيسي يتعامل معه مثل شخصية "المبروك" في التراث الشعبي، لا يهم ما إذا كان يقول كلاما معقولا أم لا، لا يتوقف أحد عند مؤهلاته في الحكم والإدارة، بل يتحول إلى "تابو" أو "تميمة مقدسة" الاقتراب منها أو المساس بها يستنزل اللعنات على من يجرؤ على النقد أو المناقشة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق