الأحد، 22 مارس 2015

دولة السيسي.. عسكرة للداخل وتبعية للخارج

دولة السيسي.. عسكرة للداخل وتبعية للخارج
ياسر الزعاترة


لم نكن نخط في الرمل حين قلنا منذ اليوم الأول للانقلاب إن ما يبشرنا به السيسي هو دولة بوليسية في الداخل، ذات سياسة خارجية منبطحة أمام القوى الكبرى، وفي المقدمة أميركا، والأهم منها الكيان الصهيوني.
حين تسيطر أية فئة على السلطة من خلال انقلاب عسكري ضد رئيس منتخب وثورة شعبية، فهي في حاجة إلى تأييد خارجي يحميها من إرادة شعبها أولا، ويؤمِّن لها الاعتراف الدولي ثانيا، وهو اعتراف لا يمكن أن يكون بلا ثمن.
باستثناء جماهير شعبية استبشرت بربيع العرب من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، وباستثناء دول قليلة جدا، لم يبكِ أحد على نظام مرسي الذي سقط بيد الانقلابيين، ليس لأنه إسلامي وحسب، بل لأن بقاءه، فضلا عن نجاحه يعني أن ربيع العرب سيمضي وفق مساره المأمول، ما سيهدد مصالح كثيرين، إن كان من النظام العربي الرسمي، أم من القوى الكبرى، فضلا عن الكيان الصهيوني، ولذلك لم يكن غريبا أن تلتقي على دعم الانقلاب جميع القوى الكبرى رغم ما بينها من تناقضات، إلى جانب أكثرية العرب بطبيعة الحال، وصولا إلى إيران نفسها التي كان الإخوان يُتهمون بالتقارب معها رغم الحرب التي أعلنها عليها مرسي في خطابه الأخير المتعلق بسوريا.
لا يمكن لأي نظام سياسي أن يقرر سحق أكبر قوة سياسية في المجتمع من دون أن يعسكر البلد برمته. 
تلك حقيقة يعرفها دارسو الاجتماع السياسي والتاريخ، وحين يصطدم النظام السياسي مع شعبه وقواه السياسية، فهو لا بد أن يتصالح مع أعدائه في غالب الأحيان.
اليوم يتأكد كل ذلك، فمعالم الدولة البوليسية في مصر السيسي لم تعد تخفى على أحد أبدا، وهي تبدأ من الجامعات إلى الإعلام إلى كل دوائر السياسة والمجتمع، بل إن الفارق بين زمن مبارك وزمن السيسي يبدو هائلا؛ إذ إن ما يجري اليوم يكاد يتفوق من حيث لغة القمع على أيام عبدالناصر أيضا رغم النظام العسكري في ذلك الوقت، لاسيَّما إذا تذكرنا أن حجم الترويج الإعلامي لنظام السيسي يختلف كثيرا عنه أيام عبدالناصر، فضلا عن أن زمن الأخير يبدو مختلفا لجهة طبيعة الأنظمة السياسية في ذلك الوقت، ومن حيث المشروع الذي كان يتبناه الرجل.
لا صلة أبداً بين السيسي وعبدالناصر كما حاول بعض السخفاء الترويج، فهما لا يلتقيان أبدا؛ لا في السياسة الخارجية ولا في الاقتصاد، وما يجمع بينهما فقط هو قمع القوى السياسية، وفي مقدمتها الإخوان، وتشكيل الدولة البوليسية التي تبدو أكثر تفوقا هنا، مع ديكور ديمقراطي بطبيعة الحال، سيتجلى من خلال برلمان تابع لا يقول للسيد الرئيس «ثلث الثلاثة كام؟» بتعبير المصريين.
من الواضح أن السياسة الخارجية للسيسي لم تعد مخفية، فها إنه يتقارب مع أميركا بشكل واضح، ويحصل على مساعدات عسكرية، ويتم تجاوز فترات التوتر الظاهرية الأولى، لكن الأكثر وضوحا هنا هو العلاقة القوية مع الكيان الصهيوني(قال لواشنطن بوست إنه يتحدث إليه كثيرا)، والتي تتجلى من خلال التعاون في حصار غزة من أجل نزع سلاح المقاومة، وفي إعلان السيسي أن جزءا من حربه في سيناء هو لصالح أمن الكيان الصهيوني، وأنه لن يسمح بتهديد أمنه من هناك، وصولا إلى إعلانه إمكانية المشاركة بقوات عسكرية في الدولة الفلسطينية العتيدة، والتي يدرك الجميع أنها لن تتجاوز حدود الجدار الأمني، أي حوال %10 من مساحة فلسطين التاريخية، ولن تكون القدس الشرقية من بينها.
وينبغي التذكير هنا بأن العلاقة مع الكيان الصهيوني هي الأكثر أهمية؛ فهي الأقدر على فتح الأبواب المغلقة، ليس مع أميركا وحسب، بل مع أوروبا وروسيا أيضا. أما إيران، فالعلاقة معها مؤجلة رغم دفئها بسبب موقف السيسي من بشار الأسد، وإن لم تتطور أكثر خشية إغضاب ممولي الانقلاب، والنتيجة أن مصر في ظل هكذا سياسة لن تكون قائدة الوضع العربي، بل ستكون تابعة مرتبكة كما كانت في السنوات الأخيرة لحكم مبارك حين قرر التوريث لابنه، وكان عليه لكي يمرر ذلك أن يدفع من جيب قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين.
السياسة البوليسية والقمع والفساد في الداخل، مع ضرب حضور مصر الخارجي من خلال سياسة خارجية بائسة هي أسباب الثورة على حسني مبارك، وهي ستكون كذلك في حالة السيسي أيضا، لكن الأمر سيتسغرق بعض الوقت على الأرجح حتى يعيد المجتمع ترتيب صفوفه من جديد من أجل العمل على استعادة ثورته المسروقة.

• @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق