الأحد، 15 مارس 2015

الحملة على الدين والتدين بدعوى الحرب على الإرهاب


الحملة على الدين والتدين بدعوى الحرب على الإرهاب


ياسر الزعاترة



منذ شهور، ربما قبل جريمة حرق الطيار الكساسبة، وبعدها ذبح العمال المصريين الأقباط في ليبيا، ونحن نتابع موجة من الهجوم على التراث الإسلامي، تجاوزت عند البعض العلماء لتصل إلى القرآن وعموم السنّة أيضا، فيما كان نصيب ابن تيمية وافرا من هذه الحملة، بينما سمعنا دعوات محمومة لتغيير المناهج الدراسية في عدد من الدول، والتي تفرِّخ العنف والإرهاب، من دون أن يقول لنا أولئك لماذا لم تفعل ذلك وهي تدرَّس منذ عقود؟!
في ضوء هذه الحملة، نجد أنفسنا مضطرين لاستعادة ذات السؤال الذي تعبنا من كثرة تكراره، ممثلا فيما إذا كان العنف المسلح هو نتاج الأفكار والأديان من حيث المبدأ، أم نتاج ظروف موضوعية تتيح له النشوء والنمو، وإذا كان الإسلام هو الدين الذي يفرِّخ العنف كما يزعم أولئك، فلماذا لم يعرف تاريخه الحديث منذ انطلاق الصحوة الإسلامية مطلع الثمانينات هذا المستوى من العنف الذي نتابعه هذه الأيام، والذي جاء ردا على الغزو الأميركي للعراق، ثم ردا على طائفية المالكي وبعدها دموية بشار الأسد؟ هل كانت تلك النصوص التي يستخدمها تنظيم داعش ضائعة؟!
الحق أن الأفكار ليست هي المنتج الأساسي للعنف، وإن استخدمت (إن كانت أرضية أم سماوية) لتبريره ضد الآخر «الكافر»، وما ينتجه بالفعل هي الظروف الموضوعية، ولذلك لم يكن ثمة دين ولا مذهب إلا وخرج من بين أبنائه من يتبنون نهج العنف المسلح في لحظة من اللحظات، وليس ثمة أيديولوجيا إلا واستخدمت العنف، بدليل أن عنف النصف الأول من القرن العشرين كان في معظم تجلياته يساريا، وخرج من اليسار يسار متطرف أكثر عنفا، وهكذا.
حين تتهيأ الظروف؛ يأخذ بعضهم نصوصا من هنا وهناك لتبرير ألوان من العنف أنتجتها الظروف الموضوعية، ثم ما إن يتراجعوا عنها أو يراجعوها حين تتغير الظروف، كما حصل في مراجعات عدد من الجماعات المسلحة في مصر وليبيا وغيرها نهاية القرن الماضي.
في المقابل، فإن من يقرأ العهد القديم، سيجد أنه الأكثر وضوحا في تبرير العنف ضد الآخر، لأن الأصل أن هناك «أبناء» للرب لهم خصوصيتهم، و»الرب» هنا يتحوّل عمليا إلى جندي في خدمة أبنائه، وفي منحهم الأوامر لكي يشنوا حروب إبادة ضد أعدائهم!! ومن يتابع بعض فتاوى الحاخامات في الكيان الصهيوني يلاحظ من أي منهل ينهل أولئك، لكن أحدا لا يجرؤ على انتقادهم، بخاصة في الغرب. ولا بد من التذكير هنا بأن من أحرق اليهود فيما عُرف بالـ»هولوكست» لم يكونوا مسلمين. وقد سبق أن هاجر اليهود إلى ديار المسلمين طلبا للأمان.
الأسوأ في السياق الذي نتحدث عنه هو تلك الهجمة التي يشنها الإعلام الإيراني، والتي تحشر العنف الأعمى في إطار سلفي أو وهابي كما يحلو لهم أن يسموه، فيما يعلم الجميع أن تجليات العنف الإسلامي المسلح لم تبدأ سلفية، كما في سوريا مطلع الثمانينات، وكما في مصر سابقا ولاحقا، وينسى أولئك أن حزب الدعوة؛ أشهر الأحزاب الشيعية كان من بين من تبنوا العنف المسلح ضد النظام العراقي، حتى إن أول العمليات الانتحارية التي عرفها تاريخنا الحديث كانت بتوقيع الحزب، واستهدفت السفارة العراقية في بيروت عام 81. كما يتناسون أبشع عمليات القتل التي مارستها المليشيات الشيعية في العراق منذ الغزو ولغاية الآن.
قبل شهرين، كتب المعلق الأميركي نيكولاس كريستوف مقالا حول هذه القضية، ومدافعا عن الإسلام، وأشرنا له من قبل، لكننا نستعيد فقرتين منه هنا للحاجة.
يقول: «تاريخيا لا يعرف عن الإسلام أنه غير متسامح، وقام في البداية برفع قيمة المرأة، وأي شخص يقرأ التاريخ حتى في القرن العشرين لن ينتقد الإسلام ويعتبره دينا متعطشا للدم، فقد كان المسيحيون النازيون والشيوعيون في أوروبا والبوذيون والتاويون والهندوس والملحدون في آسيا ممن حطموا الأرقام القياسية في الذبح».
ويضيف «علينا أن نكون حذرين من التعميم حول أي دين؛ لأن ذلك يصل أحيانا إلى حد توصيف الدين ومساواته بالعنصرية. فالهندوسية جاء منها غاندي وكذلك المتطرفون الذين اغتالوه. زعيم التيبت دالاي لاما يعتبر اليوم مثالا للإنسانية، لكن خامس دالاي لاما في عام 1660 أمر بقتل الأطفال مثل (فقس البيض على حجر)».


• @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق