صنع في إسرائيل
تنهال الهدايا، يوما بعد يوم، من عبد الفتاح السيسي على الكيان الصهيوني، حتى بات الإسرائيليون أنفسهم يشعرون بالحرج، من هذا الكرم الغزير، بدءاً من إعلان الحرب على سيناء، وإحكام الحراسة على غزة، كسجن كبير، مروراً بإعادة سفير نظام القاهرة إلى تل أبيب، والتصويت لصالح إسرائيل في المحافل الدولية، وابتعاث بابا الكنيسة المصرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، خرقاً لقرارات رفض التطبيع، وليس انتهاء بفتح الأجواء المصرية أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، يمرح فيها كيفما شاء، بلا استئذان.
ما الذي يجعل عبد الفتاح السيسي يجزل العطاء لإسرائيل إلى هذا الحد، أو بالأحرى يلتزم بتقديم المطلوب منه، تصريحاً أو تلميحاً، بهذه الأريحية؟
يلفت النظر، هنا، أنه كلما استشعر نظام السيسي تآكلا في الداخل، وازدراءً في الخارج، يهرع إلى الحضن الإسرائيلي، إدراكاً منه أنه، من دون هذا الاحتواء الصهيوني الدافئ، لن يقوى على البقاء والاستمرار، مستعيداً تجارب من يسير على دربهم، حيث ينبئنا التاريخ بأن أنور السادات بعد انتفاضة الخبز، يناير/ كانون الثاني 1977، قرّر القفز إلى الكنيست الإسرائيلي، وكذلك فعل من جاء بعده، حسني مبارك، طوال ثلاثين عاماً، كان خلالها ملتزماً بما حددته واشنطن وتل أبيب من مواصفات الجالس على مقعد السلطة في مصر.
والحاصل، الآن، أنه مع تصاعد الدعوات إلى التوحد بمواجهة هذا النظام، العاري من أية شرعية، إلا قوة الأمر الواقع، مثل وجود إسرائيل الذي لا يستند إلى أية أسس تاريخية أو أخلاقية، يهرول عبد الفتاح السيسي أكثر صوب تل أبيب، يطلق سراح جاسوسها، عودة الترابين، ويطلق يوسف زيدان في عملية هدم المسجد الأقصى، تاريخياً وثقافياً، ويطلق الإشارة للأزهر كي يعيد النظر في موضوع التطبيع.
يبدو عبد الفتاح السيسي، الآن، كمن يصارع الغرق، إذ بات واضحاً أنه اختار موسكو على حساب الرياض، وظهرت ملامح تورطه في جريمة إبادة الشعب السوري، من أجل الإبقاء على نظام بشار الأسد الذي يمثل مصلحة للكيان الصهيوني، وبالتالي، يرى أنه لا منجى له، إلا الارتماء أكثر بين ذراعي إسرائيل.
كتبت، في مقال أمس، أن الاحتلال الإسرائيلي كان حاضراً بقوة في التجهيز للانقلاب، واليوم يقدم آفي ديختر عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي (الأمن العام) دليلاً إضافياً على الدور الإسرائيلي في تصنيع سلطة عبد الفتاح السيسي، حين يعلن أن إسرائيل أنفقت المليارات لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين.
المدهش أكثر أن "رئيس الشاباك" ردد في محاضرة ألقاها ديختر، في المعبد الكبير في تل أبيب احتفالاً بعيد "الحانوكا اليهودي" المقولة نفسها التي بنى عليها انقلاب السيسي خطابه التحريضي لحشد الجماهير ضد الرئيس محمد مرسي، إذ يقول إن جماعة الإخوان المسلمين "استولت على الحكم" و"ركبت ثورة الشبان الليبراليين".
كم مرة سمعت هذه العبارات وقرأتها على ألسنة النخب السياسية والثقافية المصرية التي سلمت نفسها لسلطة الانقلاب؟
راجع خطاب المقبورة "جبهة الإنقاذ" بكل رموزها، وكذلك خطاب جنرالات العسكر، بدءاً من السيسي، وحتى أصغر خبير استراتيجي، من منازلهم، وأيضاً ما يقوله الرعاة الإقليميون للانقلاب، وضيوفهم من أحمد شفيق إلى سما المصري وخالد يوسف، هل ترى من تفاوت بينه وبين خطاب رئيس الأمن العام الإسرائيلي؟
يقول ديختر إنه مع وصول "الإخوان" إلى الحكم، بدأت كل الدول، بما فيها إسرائيل، تخصيص ميزانيات تصل إلى المليارات، للاستعداد لمصر في ظل واقع مختلف. وأقرَ بأن الأمر ينطوي على دلالة كبيرة بالنسبة لإسرائيل التي تربطها بمصر معاهدة سلام، "في ظل مخاوف من إمكانية تغير ميزان القوة العسكرية في سيناء".
هل علمت الآن لماذا يحارب عبد الفتاح السيسي سيناء، وفي سيناء، ومن المستفيد من هذا الجنون المتواصل على أرض الفيروز؟
لكن، يبقى اللطيف في خطاب رئيس الشاباك أنه يقر بأن ما جرى في مصر انقلاب عسكري، حين يروي "أتذكّر، في إحدى المرات، خلال مشاركتي في منتدى بالولايات المتحدة، وقتها قلت انقلاباً عسكرياً، فرفع أحد الحضور إصبعه، وقال لي: مستر ديختر ليس انقلاباً عسكرياً. قلت له: وما هو إذن؟ قال: ثورة شعبية حاشدة".
أخيراً: هل بقي عندك شك في أن هذه سلطة صنعت على عين إسرائيل، ومن أجلها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق