الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

مصر المحروسة وأم الدنيا هل تصبح دولة فاشلة؟


مصر المحروسة وأم الدنيا هل تصبح دولة فاشلة؟
إبراهيم يسري 

كلنا نضع أيدينا على قلوبنا فمصرنا الغالية تمر بمنعطف فى منتهى الخطورة وغير مسبوق وتتصاعد احتمالاته إلى بعض توقعات ما يقرب من الحرب الأهلية التى لم تشهدها مصر على مدى آلاف السنين من تاريخها ويتناقض مع طبائعها وعاداتها.

يأتى هذا بأيدينا وبسببنا جميعا فقد ساد طوفان غريب من الكراهية والحقد والعنف بين المصريين. ولا يجب أن نقتصر على إلقاء اللوم على فصيل دون فصيل ولا على المؤسسة العسكرية وحدها، ولا نستطيع أن نعفى بعض دوائر الاعلام من المسئولية بما يبثه من كراهية ومن قلب الحقائق والأكاذيب والمصطلحات المزيفة.

●●●

والخطأ الأساسى هنا أننا بدأنا انتحارا قوميا وفعلنا كمن قال على وعلى أعدائى ويوشك المعبد أن ينهار علينا جميعا بنار الكراهية والعنف من الجميع ضد الجميع لأننا لم نصل بعد لاستيعاب ثقافة الاختلاف وغرقنا فى بحر غير مفهوم وغير مبرر لا تستخدم فيه آليات الصراع السياسى التى توصلت إليها التجربة الإنسانية خلال قرون مضت والتى استقرت وثبت نجاحها فى تسوية الخلافات، وبدلا من ذلك رفعنا شعارات قبلية مثل المصالحة وحتى هذه المصالحة فغير ممكنة فى ظل اعتقال أو ضبط وإحضار قادة فصيل مدعو للمصالحة، ثم اخترعنا مصطلحات عبقرية جديدة لم ترد فى قواميس علم السياسة أو تطبيقاتها الديمقراطية مثل الشرعية الشعبية.
 وحرب الحشد الجماهيرى فى الميادين بما يقترب من الغوغائية أو القبلية ومثل ما أسميناه العدالة الانتقالية ولا ادرى وقد مارست السياسة والقانون على مدى ما يزيد على نصف قرن كيف اعرف وأفسر مصطلح العدالة انتقالية وما معنى انتقاليتها وهل تمس الانتقالية بمعايير العدالة العامة المجردة كما درسناها فى كليات الحقوق.

وكان كل ذلك مناقضا وهادما لمبادئ ثورتنا العظيمة فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وبعد أن نجحنا لأول مرة فى التاريخ فى إقامة أول ديمقراطية بعد ٦٠ عاما من الحكم العسكرى الذى يختفى بغطاء مدنى منذ ثورة ١٩٥٢ وذهبنا لصناديق الاقتراع ٥ مرات واخترنا دستورا بأغلبية فاقت٦٠٪ واخترنا لأول مرة رئيساً منتخبا وكان أمامنا أسابيع لانتخاب مجلس النواب ووزارة مدعمة بسلطات تفوق سلطات رئيس الجمهورية ونظام يتيح للبرلمان إقالة ومحاكمة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وفق آليات محددة.

ثم تطور الأمر بطريقة دراماتيكية عندما طلب القائد العام للقوات المسلحة يوم ٢٣ يوليو ٢٠١٣ تفويضا واضحا من الشعب للتعامل مع المتظاهرين والمعتصمين بما يحفظ فى نظره الأمن القومى المصرى، قامت لمظاهرة تفويض القائد العام فى ميدان التحرير المحجوز للمعارضة لأسابيع طويلة وهو الميدان الوحيد بالقاهرة الذى تحرسه وتؤمنه قوات الشرطة ودبابات الجيش ليل نهار، وبعد أن اطمئن القائد العام لهذا التفويض وغير المسبوق فى تاريخ البشرية ارتكبت عناصر الجيش مع قوات الشرطة والبلطجية تحت قيادة وزير الداخلية ارتكاب أفظع مذبحة فى تاريخ مصر سقط فيها ما يراوح ٢٠٠ شهيد وشهيدة وإصابة ٥٠٠٠ بالخرطوش وأعتقد جازما أنه لا حل لهذا الموقف الخطير الذى نشأ فى ٣ يوليو ٢٠١٣ بعد سنة كاملة من التطبيق الديموقراطى إلا بالتفاوض للتوصل إلى حل وسط لا منتصر فيه ولا مهزوم.

وقدم لنا العقلاء من مفكرى وحكماء هذا الوطن مبادرات مختلفة للخروج من المأزق كان آخرها واهمها المبادرة التى أعلنها الدكتور سليم العوا والمستشار طارق البشرى والكاتب فهمى هويدى والكاتب وائل قنديل وغيرهم وهى اقرب المبادرات للتوصل إلى حلول وتنازلات مقبولة من كل الأطراف.

وفى مواجهة هذه المنهجية العسكرية الأمنية قد لا يستبعد أن يمضى تنفيذ تهديد ووعيد قائد الجيش متصورا وواثقا أنه سيفرض رأيه وسلطته ويحل الأزمة السياسية بالقوة فلابد أن يرجع إلى كل سوابق الانقلابات ليعرف أنه لا حل لمشكلة سياسية ولا اجتماعية باستخدام القوة والبطش وإسالة انهار من الدماء خاصة مع صعوبة وبلاهة التعتيم فى وجود الفضائيات وإمكانيات التصوير والبث فى كافة أنحاء العالم، الأمر الذى غاب عن السلطة الجديدة بإغلاق الفضائيات غير الموالية وفرض رقابة على الصحف ويكفى أن الاتحاد الأفريقى قام بتجميد عضوية مصر تحت الانقلاب.

●●●

والمشهد الحالى يشير إلى احتمالين لا ثالث لهما فأما أن يدرك الأطراف أنه لا يمكن لفصيل ان يقضى على الفصيل الاخر ومن ثم فلا مناص من حلول وسطية وتنازلات متبادلة وأما أن تنحدر مصر الغالية الوسطية الآمنة إلى السيناريو الجزائرى وحفظها الله من السيناريو السورى فلن يسمح جيشها بذلك أبدا.

فى تطور حديث كشفت الواشنطن بوست عن تغيير مظهرى فى موقفها من الاحداث وايدت ذلك وتقارير صحفية نشير منها إلى ما كتبه توم بئرى وميشيل جريجورى.
نشر فى ٢ أغسطس ٢٠١٣ أن الدوائر الأمريكية قررت ان تسهم مع آخرين لحل الازمة وصب طاقة جديدة لإنهاء الوضع الدموى الذى أعقب إزاحة الاخوان المسلمين بعد يوم من تصريح كيرى المحبط فى باكستان بان الجيش قد استعاد الديموقراطية مما اثارا نقدا شديدا من انصار الشرعية وعاد من لندن ليناشد السلطات المصرية بإفساح المجال للاحتجاج السلمى بعد تهديدها بفضه بالقوة وان امريكا سنعمل على إقناع الأطراف بالتواصل إلى حل سلمى ينمى الديموقراطية مع وساطة الاتحاد الأوروبى.
وتردد أوساط أمريكية أن السيسى يدرك ضرورة الحل السياسى وأن الحل سيأتى بالحوار ولكن يقلل من مصداقيته أنه ما زال يعتقل القياديين من الإخوان المسلمين مع اتهامات بالإرهاب والتآمر مع حماس ولكن الحوار يتعذر دون أن يفرج عنهم حتى يشعرون بالجدية ولا املك هنا إلا أن اقول حفظ الله مصر وأعاد لأهلها الطيبين الوداعة والسكينة والشهامة والوئام. وحتى تعود لنا مصر المحروسة أم الدنيا.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق