بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) سورة النساء (83)
وقال جل جلاله(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنفال (62)
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنفال (64)
فقد أيده بنصره أول مرة، ثم أيده بالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه،فجعل منهم بالإيمان قوة جديدة أعجزت كل القوى بعد أن كانت قلوبهم شتى ،وعداواتهم جاهرة، وبأسهم بينهم شديدا، الأمر الذي منع كل رجاء لهم في التئام، وجعل من طلب المؤاخاة أمرا عسيرا ،حتى جاءهم الله بنعمة الإيمان على هذا الأصل أصل الإيمان، فكانت نعمة جديدة لم تعرف الأرض لها نظيرا وللم تألف لها شبيها،حيث استحالت القلوب بالإيمان إلى كتل متراصة متآخية بعد أن كانت متنافرة، والطباع الالمتناقضة إلى أخلاق في الحق وللحق متجانسة، وظهرت بذلك جنة الدنيا متجانسة متآخية مع جنة الخلد بتلك الأخلاق العالية الرفيعة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) سورة الحجر(47)
لقد جاءت هذه النازلة بزلزالها ليزيح الله بها عن القلوب الصادقة أدرانها، تلك الأدران التي فرضتها طبيعة الحياة الضيقة الفانية من عراك، وسوء إدارة، وضيق نفوس ،وسوء ظنون، فجاءت تلك النازلة كما جاء غيرها من قبل لتغسل وتصحح وتعيد تأهيل الصادقين لعلو المكانة ورفيع الأقدار في الدنيا والآخرة،(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) سورة محمد (31)
وإن مما يسر الجنان ان نرى في أمتنا هذا الحرص البادي على رد كل مايجد من أمور في عامتهم بعد خاصة أمورهم إلى شرع الله حرصا منهم على استقامة أمرهم في الأولى والآخرة.
- ولقد ورد إلينا في هذا السياق السؤال التالي من الأستاذ محمد الشبراوي الأمين العام لمركز دعم الديمقراطية يسأل عن حقيقة مصطلح " التفويض" وهل يصلح سبيلا للإدراة والحكم؟
ونقول وبالله التوفيق: إن التفويض في اللغة يعني المجاراة والمساواة والمشاركة.
وأما في الشرع فإنه مصطلح لا يستعمل إلا في باب النكاح ،فقد جاء في الموسوعة الفقهية: يقال فوَّضت المرأة نكاحها إلى الزوج أي أهملت حكم المهر، 13/ 107 وقد أجمع العلماء على جواز نكاح التفويض لقوله تعالى(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة(236)، وفي مغني المحتاج ، وحاشية الدسوقي، التفويض جعل أمر طلاق الزوجة بيدها، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29))سورة الأحزاب، على تفصيل في ذلك المغني 3/ 285، حاشية الدسوقي 2/405. وقد جعل المالكية التفويض للمرأة جنساً تحته أنواع ثلاثة: تفويض توكيل، وتفويض تخيير، وتفويض تمليك، ولم يتجاوزوا بذلك أمر المرأة .
وعليه فالتفويض بهذا البيان لا يصلح أن يتجاوز به ماعرف له في أبواب الفقه حيث لاقياس فيه ولا مصلحة شرعية معتبرة معه،بل إن المفاسد به في غير النساء أمور متحققة ،فإن البيعة التي يقوم عليها أمر العقد الاجتماعي بين الأمة والحاكم لا يقبل فيه إهمال ولا إلغاء لأي حق من الحقوق التي ثبتت لأحد المتعاقدين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
صدر عن جبهة علماء الأزهر الجمعة 25 رمضان1434 هـ الموافق 2 اغسطس 2013 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق