صمود أنصار الشـرعية إذ يربك حسابات الانقلابيين
ياسر الزعاترة
بدأوا بحل مجلس الشعب، وكانوا يخططون لحل مجلس الشورى، وعملوا على توريط مرسي بالإعلان الدستوري الذي جاء سباقا مع الزمن من أجل الحيلولة دون حل المجلس، ومعه اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، وكان البرنامج التالي المتوقع أن يجري الطعن في انتخاب الرئيس إذا عجزوا عن تدبير إسقاطه من خلال فوضى تبرر الانقلاب العسكري، والحجة جاهزة، فهو حصل على ترشيح الرئاسة من خلال أعضاء في مجلس الشعب، ومجلس الشعب ليس دستوريا، وتبعا له ترشيح الرئيس أيضا.
والذي يبدو أنهم وجدوا أن الانقلاب الذي يأتي عبر “إرادة شعبية” مبرمجة هو الأفضل لجهة التخريج السياسي، فرتبوا قصة “تمرد” بعدما بات واضحا أن قوى المعارضة باتت عاجزة عن إخراج أكثر من آلاف إلى الشوارع، فكان 30 يونيو الذي جاء نتاج حشد فلولي طائفي مدعوم من بعض القوى المحسوبة على ثورة 25 يناير.
كان البرنامج التالي يقضي أن يصار إلى ترتيب ديمقراطية ديكور كتلك التي كانت موجودة في عهد حسني مبارك، وحيث يُمنح الإسلاميون حصة من البرلمان لا تتعدى لهم جميعا حدود العشرين في المئة، بينما يغدو كل شيء تحت سطوة الرئيس الجديد (السيسي)، ويمضي الأمر؛ تماما كما رسموا ورسم معهم العرب الداعمون للانقلاب بموافقة ودعم من أمريكا والغرب.
لم يكونوا يتوقعون أن يصمد أنصار الشرعية هذا الصمود المثير، فقد مضى عليهم حتى الآن 40 يوما لم يغادروا فيها الساحات، وظلت مظاهراتهم تجوب الشوارع في طول البلد وعرضه، وخلال هذه المدة كانت الأعمدة التي استند إليها الانقلاب تتكسر واحدا تلو الآخر، وفي مقدمتها بالطبع مقولة أنه جاء بإرادة شعبية، وذلك من خلال كذبة الثلاثين مليونا التي انتهت بلغة الأرقام إلى أقل من 2 مليون في طول البلاد وعرضها، مع العلم أنها مقولة باتت مثيرة لسخرية القاصي والداني.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تجاوزه إلى ترويج الفكر الإقصائي الذي ظهر معاديا للطرح الإسلامي، وينادي باستئصال التيار الإسلامي برمته، وصار الأمر أكثر سخرية حين طالب السيسي يخروج الناس إلى الشوارع من أجل منحه تفويضا بمواجهة “العنف والإرهاب المحتمل”، فيما كانت مجزرة الحرس الجمهوري قد وضعت القوم في وضع بالغ الحرج، فقد قتلوا أناسا عزلا يحتجون بطريقة سلمية، وزالت هالة الجيش التي سعوا إلى رسمها من حوله.
من المؤكد أن الجانب الأبرز في الصمود الذي أبداه أنصار الشرعية هو إسقاطه لنظرية الإرادة الشعبية التي وقفت وراء الانقلاب، فالذين احتشدوا في الشوارع والميادين لصالح الشرعية كانوا أكبر الحشود في تاريخ البلاد، وأكثرها قوة وإصرارا واستمرارا، وهم لم يكونوا من الإخوان فحسب، بل من قوى كثيرة جرى استهدافها مثل حزب الوسط والشيخ حازم أبو إسماعيل والجماعة الإسلامية وسواها من الأحزاب والمجموعات السلفية.
قتلوا من قتلوا في مذبحة الحرس الجمهوري، واعتقلوا الآلاف بتهم سخيفة، وجمدوا أرصدة، لكن ذلك لم يوقف مد الجماهير، وحذر العالم أجمع من فضِّ الاعتصامات بالقوة، ليس خوفا على المعتصمين، ولكن خوفا من سقوط البلد في هاوية العنف والفوضى، فضلا عن حقيقة أن فضَّ اعتصام بالقوة لا يعني أن الناس سيركنون وينامون في بيوتهم بعد ذلك، إذ يمكن أن يعاودوا التجربة مرة إثر أخرى، ويستمر سقوط الضحايا، من دون ضمان لردود فعل بعض الشبان بعد ذلك، وإن أصرَّ الإخوان على رفضهم استخدام العنف.
هنا بدأت التدخلات الأجنبية والعربية، وتكسرت لاءات القوم، فسمحوا بمقابلة الرئيس مرسي نفسه من قبل آشتون، ومن ثم ذهبوا يفاوضون خيرت الشاطر وسعد الكتاتني، وثلاثتهم (كما الآخرين) معتقلون بتهم جنائية، بمن فيهم مرسي المتهم بالتخابر مع حماس، فضلا عن أبو العلا ماضي وعصام سلطان المتهمان بالتخابر مع قطر التي التقى وزير خارجيتها مع نظيره الإماراتي ومبعوث أمريكي وآخر أوروبي مع خيرت الشاطر!!
من العسير الجزم بالنهاية التي ستفضي إليها الاتصالات الجارية، فالانقلابيون فيهم شركاء متشاكسون؛ بين من يدعوهم للحسم العسكري واستئصال المحتجين، وبين من يدعوهم إلى التريث، أو القبول بالحلول الوسط، لكن سؤال تلك الحلول لا زال غامضا إلى حد كبير، لاسيما أن العروض المقدمة لأنصار الشرعية لا تبدو كريمة ولا مقنعة.
خلال الأيام المقبلة ستتضح الصورة أكثر، لكن المؤكد أن مسيرة الدفاع عن الشرعية، والأهم؛ ثورة 25 يناير لن تتوقف، ولن يهنأ الانقلابيون بترتيب السيناريو الذي خططوا له حتى لو مرروا المرحلة الأولى بطريقة ما في ظل سطوة الجيش والأجهزة الأمنية والدعم الخارجي، الأمر الذي يبدو صعبا إلى حد كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق