الخميس، 19 سبتمبر 2013

لماذا "دلجا" و"كرداسة"؟ ولماذا لا يكون القمع شاملا لكل المدن المصرية؟


لماذا "دلجا" و"كرداسة"؟
ولماذا لا يكون القمع شاملا لكل المدن المصرية؟


بقلم: أنس حسن / المدير السابق لشبكة رصد الإخبارية


التساؤل الذي يدهم أدمغة الكثيرين:
لماذا "دلجا"؟ ولماذا "كرداسة"؟
ولماذا لا يكون القمع شاملا لكل المدن؟
 ولماذا يتم التركيز الإعلامي عليهما تحديدا ونسج القصص الأسطورية حولهما؟

والجواب على هذا التساؤل يبدأ من حيث رصد التشابه بين كلا المنطقتين:

فهما قريتان محدودتا المساحة، كما إنهما بؤرة احتجاج مستمرة، ويسكنهما غالبية مضادة للانقلاب، إلى جانب أنهما في "بؤرة" منطقة احتجاج أوسع، فـ"كرداسة" تقع في قلب (محافظة) "الجيزة"، وهي منطقة احتجاج واسعة ومن أكبر المحافظات كثافة سكانية، وكذلك "دلجا"، حيث نشاطها دائم وتقع في منطقة الصعيد ذات المزاج المعادي للانقلاب.

القمع الشامل لا يجدي ويوسع دائرة الاحتجاج، وعليه فسياسات "الصدم والخوف"، تعتبر أنجح في التعامل مع مثل هذه الحالة، حيث توصي بأنه بمجرد "شيطنة" نقطتي تمرد داخل بقعة جغرافية كبيرة متأثرة بمناخ التمرد والمعارضة، وصب الأساطير حولها وإلباسها لباس الشر ثم ضربها بقوة، يمثل ذلك عملية قمع لجميع البقة الجغرافية المحيطة.

لم تكن دلجا ولا كرداسة تشكل أي خطر حقيقي على الانقلاب بمفردهما، لكنهما في القلب من منطقة جغرافية وسكانية تشكل مزاجا معاديا للانقلاب، وهاتان المنطقتان (الصعيد - الجيزة) يشكل الحراك فيهما كتلة كبيرة من كتل معاداة الانقلاب، ويشكل المزاج العائلي والقبلي نوعا من الدوافع أيضا باتجاه استمرار الاحتجاج، وعليه يجب افتعال معركة "كسر الأنوف".

وهذه المعركة تتخذ أنموذجا مصغرا يكون بمثابة العبرة لكل مناطق التمرد هناك، ويكون حديثا يوميا للمناطق المحيطة والمماثلة بخلاف الشائعات المضخمة لما حدث، والتي هي من طبيعة ونسيج الشعب المصري.

إن منطق "سياسات الخوف" في الانقلابات العسكرية هو السبيل الوحيد لتثبيت سلطة وهيبة الانقلاب في صدور الشارع، إذ إن الانقلاب لا يمكنه الاعتماد لفترة طويلة على شرعية ادعاء "الرخاء" والمستقبل المشرق بمنطق السيسي حين قال(وبكرة تشوفوا مصر)، إذ إن هذه الشرعية سرعان ما ستتآكل تحت وطأة الأحداث والأزمات الاقتصادية التي تترتب على الانقلابات العسكرية.

وعليه فالطريق الوحيد هو تفعيل "الخوف" لإخضاع الناس بشرعيته، ولا يمكن مطلقا فرض الخوف عن طريق القمع الشامل، لأنه يهلك السلطة القامعة قبل أن يهلك خصومها.

وعليه، يتم تطبيق نظرية "القمع البؤري" عن طريق اختيار مناطق بؤرية من منطقة جغرافية أوسع كدلجا وكرداسة، أو اختيار شخص "بؤري" من جماعة يراد تهديدها كالصحفيين مثلا عن طريق اختيار "ابو دراع" أو قتل صحفي الجمهورية، وهكذا من كل فئة أو منطقة جغرافية يتم تطبيق هذا القمع "المقولب" لتخويف سائر القطاعات.

وهذا بالتحديد ما يحدث مع دلجا وكرداسة اليوم، وهو مقدمة لكسر أنوف المحتجين في الصعيد والجيزة، ويضاف إلى ذلك كسر أنف "الكبرياء الصعيدي" ونسف الهالة التي رسمها الاحتجاج الصعيدي حول نفسه، وكسر كل العادات والتقاليد المتعلقة بالكرامة والهيبة وخلافه هناك، وهي كلها أمور في سياق الحرب النفسية وتحطيم الإرادة، وإيصال رسالة مفادها أن الانقلاب مستعد أن يكسر كل الأعراف مقابل الحفاظ على النظام الجديد.

وبالتبعية، فإن ما يحدث اليوم في سيناء كذلك هو عين تلك السياسات، حيث يتم كسر كل أصول التعامل مع قبائل سيناء القائمة على الاعتراف بالقواعد والأعراف السيناوية، وانتهاكها، لإيصال رسالة أننا سندوس على كل عنق يرفض توجهاتنا الجديدة، سواء في القاهرة حيث شرعية الانقلاب أو في رفح والمنطقة الحدودية، حيث منطقة نشاط اقتصادي هام للقبائل السيناوية.

إن تطبيق هذا الأنموذج إذا فشل في تحقيق مراده عن طريق استمرار الصمود يوسع يد النظام في تطبيق البطش بمناطق أوسع، وهذا معناه توسيع الجبهات واستمرار تآكل شرعية الانقلاب لدى المواطن العادي، فقد كان الهدف من العنف المفرط جدا في رابعة والنهضة هو رسالة خوف للجميع أن ما بيدنا لنفعله أكثر مما يتصوره البعض، ولكن هذه لرسالة تآكلت مع توسع دائرة الاحتجاج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق