الأحد، 12 يناير 2014

عنف وتطرف وتكفير



عنف وتطرف وتكفير
ياسر الزعاترة

عقدت في دمشق مؤخرا ندوة (برعاية النظام ومفتيه طبعا) عن ظاهرة الإرهاب والتكفير، وذلك كمقدمة لندوة تنتقل إلى مدينة "قُـــم"الإيرانية. وتأتي الندوة وسط اتساع نطاق الحديث عن العنف والإرهاب والتكفير في دوائر شتى في طول العالم وعرضه، وليس في الشرق الأوسط فحسب.
ويتزامن ذلك من دون شك مع ممارسات معينة تُحسب على القوى الإسلامية، بخاصة في العراق وسوريا، وهي ممارسات بات من السهل نسبتها إلى الإسلام في بعض الدوائر، فيما تتسع دوائر الاتهام عند آخرين لتشمل قطاعات أوسع من الإسلاميين عبر اتهامهم زورا بالعنف، كما هو الحال في مصر بالنسبة للإخوان المسلمين على سبيل المثال.
 هل ثمة عنف أو إرهاب وتكفير بالفعل؟ نعم دون شك، والجدل بشأنه لا يأتي فقط من أناس يعادون الظاهرة الإسلامية بما في ذلك شقها المعتدل (كلام بشار الأسد عن الإرهاب والتطرف يشمل حتى أردوغان والإخوان)، بل يأتي من أناس محسوبين عليها، بل يأتي أحيانا؛ وهذا لافت أيضا، من أناس محسوبين على الظاهرة الجهادية، وما هذه الموجة من الانتقادات التي طالت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حتى من أناس محسوبين على القاعدة، وآخرين محسوبين على عموم الظاهرة الجهادية غير نموذج لذلك.
حين يغدو تنظيم "الدولة" موضع انتقاد في عرف هذا الفريق، وحين يخرج قائد جبهة النصرة، وهي محسوبة على القاعدة في مقابلة ليرفض نهج التكفير، وحين يضع أيمن الظواهري قائمة بالتوجيهات الجهادية من ضمنها رفض قتل المخالف غير المحارب، وحين يكرر ذلك أبو محمد المقدسي، منظّر التيارات الجهادية، فهذا يعني أن ثمة من يفعل خلاف ذلك، لكنه لا يعبر سوى عن قلة من الناس، ولا يعبر عن مجموع الظاهرة الإسلامية، فضلا عن أن يعبر عن الأمة.
 ليس هذا موضوعنا، فتقدير التطرف الاعتدال ويبقى نسبيا بحسب نظرة كل فريق، لكنا ما يعنينا هنا في هذه السطور، هو سؤال: هل العنف والتكفير ظاهرة فكرية، بمعنى أنه يبقى موجودا بحضور أفكاره، أم هو ظاهرة تنشأ وتنمو شمن سياقات معينة أخرى؟
الحقيقة أن العنف والتكفير ليس ظاهرة فكرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هو ظاهرة سياسية في المقام الأول، ولكنه كأي ظاهرة سياسية يبحث عن تنظير فكري، وأسس أيديولوجية تمنحه مزيدا من القوة والدافعية، إذ كيف يمكن لمن يريد دفع الناس إلى حمل السلاح وقتال فئات معنية والتعرض للموت أن يفعل ذلك دون أسس فكرية، وربما فقهية إذا كان الأمر مرتبطا بالأديان السماوية، أو حتى الأرضية؟
في الأدبيات الدينية ثمة نصوص يمكن تأويلها كمبرر للعنف، وليس من الصعب العثور عليها، فضلا عن الحوادث التي يمكن أخذها كأمثلة تحتذى، وهذه موجودة في الكتب، لكن استعادتها، ووضعها موضع التطبيق لا يمكن أن يتم من دون توفر ظروف موضوعية، وتلك الظروف هي التي تمكّن شخصا أو مجموعة أشخاص من حشد أناس من حولهم، وتأسيس تنظيم أو جماعة.
 أما الأهم، فإن مثل تلك الظروف هي التي تمنح الفكرة أو الجماعة أو التنظيم فرصة النشوء والنمو، أعني الحاضنة الشعبية.
ما من تنظيم يمكن النشوء من دون توفر مبرر لوجوده، وتنظير يؤسس لذلك، وما من تنظيم يمكنه النمو من دون توفر حاضنة شعبية، وما من تنظيم يمكنه النمو أيضا من دون توفر أدوات دعم خارجية، ولا شك أن البعد الفكري هو الأقل أهمية بين هذه العوامل جميعا، رغم أهميته بالطبع.
في الميدان الشيعي مثلا، والذي يصرخ الآن شاكيا من العنف والتكفير، هناك تكفير أكثر اتساعا للسنّة، إذ أن الأكثرية كانت ولا تزال ترى الإيمان بالولاية من أركان الإسلام (شذّ عن ذلك السيد محمد حسين فضل الله)، ما يعني إخراج السنّة من دائرة الإسلام، لكن القتال مسألة أخرى (لماذا بعضهم في سوريا إلى جانب النظام مثلا؟!)، مع العلم أن غالبية السنّة لم يكفروا الشيعة.
العنف قصة أخرى، فهو لا يرتبط بالمذهبية، بل يمكن أن ينتمي إلى تكفير على أساس سياسي، فالقتال الذي تخوضه بعض القوى الجهادية في اليمن والصومال والمغرب ليس ضد شيعة، بل ضد سنّة أيضا، وإن جرى تكفيرهم لأنهم يقفون مع "الطاغوت".
خلاصة القول هي أن التفكير، والأهم العنف، هو ظاهرة سياسية أكثر منه ظاهرة فكرية، وحين لا تكون الظروف مواتية، فإن تلك الأفكار ما تلبث أن تختفي، لتعاود الظهور من جديد حين تحضر الظروف المناسبة من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق