9/11 كان يجب أن يحدث!
لم يستقطب حدثٌ في العالم، ربما، ما استقطبه 11 أيلول (سبتمبر) الأميركي من اهتمام وردود فعل، لا لضخامة الفعلة (وهي ضخمة بحق)، ولكن لأنَّه حدث في أميركا، وليس في أي مكان آخر في العالم.
حدث 11 سبتمبر/ أيلول الأميركي هائل في حجمه، فهو يشبه قيامةً صغيرةً، رآها الناس لحظة بلحظة على شاشة التلفزيون. القيامة الحقيقية لن يشهدها الناس. فسيكونون، كلهم، في "حالة حشر"، ولن يبقى هناك من "يغطيها".
لن تكون هناك كاميرا تنقل، مثلما رأينا في "منهاتن"، الانهيار البطيء، ثم المتسارع لأكبر نصبين في العالم، ولن تبقى صورةٌ لدخان عظيم، يتصاعد من جوف الأحياء ويسد الآفاق، ولن تُرى صور الذين ظنوا أن أيديهم أجنحة، فحلقوا في السديم الكبير، ولن يبقى هناك تاريخ.
بهذا المعنى، كان انهيار البرجين التوأمين "بروفة" لشيءٍ، يشبه القيامة في شدة عصفها، وفي مشهد الدمار الملحمي العريض، وفي ذهول الأعين وحيرة الألباب.
لكنَّ هذه "القيامة" الصغيرة لم يكن ممكناً لها أن تُحْدثَ هذا الوقع الكوني الكبير، لو لم تقع في أميركا: القوة الكاملة، النظام الكوني الجبار، روما العصر الحديث.
فـ "الكمال" يغري بمحاولة "إنقاصه"، والقوة التي تبلغ هذا الحد من إحكام طوقها على العالم تغري بمحاولات النيل منها، وستجد مهلّلين لمن يقومون بفعل "التحدي".
هذا ما استنتجه المفكر الفرنسي الراحل، جان بودريار، في تصديه الألمعي، الجريء، لـ"غزوة منهاتن"، حيث يقول: إنَّ "السيستم" (النظام) نفسه هو الذي ولَّد الشروط الموضوعية لهذا الرد المباغت العنيف، فباستئثاره بكل الأوراق، يرغم الآخر على تغيير قواعد اللعبة. وقواعد اللعبة الجديدة ضارية، لأن الرهان ضار!
الشروط الموضوعية التي "ولدت" حدث "منهاتن" الإرهابي موجودة، وهي تتمثل في احتكار مطلق للقوة، واستئثار شبه مطلق بالقرار العالمي، ولو لم تقم به "القاعدة"، لقام به غيرها من "المتضررين".
ومن نافل القول إن هذا ليس تبريرا للارهاب، ولا للعمل الإرهابي الذي قامت به "القاعدة" (أو أياً يكن الفاعل الحقيقي)، لكنه محاولة للتفكير في أسئلةٍ انتابت، ولا تزال، ربما، تنتاب كثيرين حيال 11 أيلول من نوع: لماذا وكيف حدث ما حدث؟
كانت هناك شروط موضوعية، إذن، هي التي "استجلبت" الحدث، وهذه الشروط الموضوعية لا تزال قائمة، وفي رأسها تبرز "العولمة" التي تصاحب، عادة، كل انتشار كوني للقوة. وكما قالت الماركسية يوماً إن الرأسمالية تحمل بذور فنائها في رحمها، لا تبدو "العولمة"، بطبعتها الأميركية، بعيدة عن هذا "القانون". هذا صدى أيضاً لم يقله بودريار.
وتبرز في تحليلات المفكر الفرنسي الراحل فكرة مهمة، قلما جرى تحليلها على هذا النحو، وتتعلق بمقولة "صراع الحضارات"، إنه لا يرى في الأمر صراع حضارات، أو صدام أديان، بقدر ما هو صراع يجري في داخل العولمة نفسها وضدها.
فهو يقول لو أن الإسلام كان القوة المسيطرة على العالم، اليوم، لنشط الإرهاب ضده.
كلُّ "سيستم"، كلُّ قوة مسيطرة، كلُّ استئثارٍ كامل برسم صورة للعالم يستجلب، بالضرورة، رداً. كأنَّ قوانين الفيزياء تسري في عالم الاجتماع البشري!
ولكن، هل وعت النخبة الأميركية التي تتحكم في إدارة "السيستم" هذه الحتيمة؟ ربما مثَّل أوباما وعياً من هذا الطراز. لذلك، طغى على عهده "الأول" المنحى الانسحابي من العالم والإقرار، من دون مانفستو أو بيان، بحدود القوة الأميركية، وتراجع شهية التمدد الإمبراطوري بعد الهزَّة المالية.
لكن، ها هي "الشروط الموضوعية" تعيد أوباما، الآن، إلى حيث بدأ 9/11، و"التصدي" إلى نسل الزرقاوي الذي يجعل "القاعدة"، بالمقارنة، حمامة سلام. الدائرة لم تغلق. و"الدور" الأميركي في العالم لم ينته بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق