الخميس، 4 سبتمبر 2014

هل هي حرب على داعش فعلا؟!

هل هي حرب على داعش فعلا؟!

إن من ينطلق من أنوار الوحي الرباني في قراءته للواقع يجد الأمور واضحة أمامه حين تدْلَهم الخطوب وتكثر الفتن، روى البخاري في صحيحه عن أبي إدريس الخولاني "أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟؟ قال: نعم، وفيه دخن.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صِفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا".

وهذا الحديث ينطبق على فئات عديدة ظهرت في واقع المسلمين قديماً وحديثاً، وهو تحذير نبوي صريح وواضح بأن أعداء الإسلام وعلى رأسهم الشيطان سوف يتخذون من الدين والإسلام ستاراً وقناعاً لتمرير باطلهم وضرب الإسلام والمسلمين من داخلهم.

واليوم شغلت دنيا المسلمين (داعش) والتي تتحدث بلساننا العربي وتستخدم شعارات ومصطلحات إسلامية، وهم من جلدتنا وأهلنا، لكن من أجابهم واتبعهم يبدأ بتكفير المسلمين من أهله وجيرانه ومعارفه والدعاة والعلماء والمجاهدين، ثم تنزلق أقدامه وتتسخ يداه بجرائم داعش فإما أن يفخخ نفسه في المسلمين أو يطلق عليهم الصواريخ، وإذا تمكن الدواعش منه فتحجر قلبه واسودت بصيرته صار جزاراً يقطع الرقاب ويسيل الدماء المعصومة من الدعاة والمجاهدين وعامة المسلمين والناس بالباطل، وقد حرم الله قتلها إلا بالحق، وعلى هؤلاء الضحايا من القتلى ومن القتلة تسكب العبرات، فهؤلاء ظلموا في الدنيا بقتلهم بغير حق، وأولئك باؤوا بقتل أبرياء وقد توعد الله سبحانه القاتل بالخلود في النار.

وهنا قضية مهمة أن التسلسل لحرب الإسلام بشعارات إسلامية مكيدة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مكر الشيطان وأعوانه من الجن والإنس، لم يكتف هذه المرة بالتسلل بين المسلمين بشعارات ورايات إسلامية يستغلون فيها بعض الجهلة والعاطفيين وقليلي البصر والبصيرة، فيوظفونهم لخدمة مصالحهم ومنها تشويه صورة الإسلام كما تفعل داعش، وقتل المجاهدين وأهل الحق مما يخدم الطغاة كبشار والمالكي وخامنئي، وإشغال الدعاة والعلماء برد شبهاتهم بدلا من رد شبهات الكفار الأصليين، وتفريق وتمزيق صف المسلمين – المفرق أصلا – من خلال صراعاتهم الدموية والوحشية.

أقول: لم يكتفِ أعداء الإسلام بالتسلل بين صفوف المسلمين والكيد لهم، بل تفتق مكرهم هذه المرة عن توظيف داعش مرة أخرى لضرب الإسلام نفسه والمسلمين بكل أصنافهم، وهاكم بعض الأمثلة:

فها هو نتنياهو يقرن حماس بداعش ويحاول أن يسوق كذبته على العالم.

وها هما إيران وحزب الله يجتهدان بكل وقاحة لجعل المقاومة السورية والعراقية رديفا لداعش.

وها هو بشار الأسد يتباكى للعالم أنه يحارب داعش والتي تمثل كل الثورة السورية.

والمالكي قبل طرده حاول أن يلعب هذه اللعبة بوصم كل الحراك السني بأنه داعشي.

والأخطر هو محاولات العلمانيين اليساريين منهم خاصة بوصم كل التيار الإسلامي بأنه داعشي، ولذلك يجب إقصاؤهم جميعا عن الساحة السياسية، ويجد هذا التنظير الإجرامى هوى وقبولا لدى بعض الأنظمة العربية بسبب صراعها مع جماعة الإخوان المسلمين.


وامتدادا لهذا النهج الخبيث نجد أن طوائف ضالة ومنحرفة تستغل هذه الحالة للزعم بأن داعش هي امتداد للمنهج السلفي أو الوهابي كما يسمونه.

إن ما يسعى له البعض من استغلال سمعة داعش السيئة لشيطنة جميع الإسلاميين وهو موقف يجمع نتنياهو مع كثير من العلمانيين العرب، أو موقف إيران وبعض الحداثيين من ربط داعش بالسلفية، أو اقتراح مزيد من التحرر القيمي والأخلاقي لمحاربة داعش، سيكون له عواقب وبيلة وتبعات سيئة ضخمة.

فداعش هي نتيجة وثمرة لمسار طويل من الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والاجتماعي والإعلامي، أفرز جيلا لا يعرف دينه بالصورة الصحيحة من جهة أو معاديا له أو منقطع الصلة عنه من جهة أخرى.

ورافق هذا حالات ضخمة من الكبت والظلم المباشر في السجون والمعتقلات وغير المباشر في التعليم والتوظيف والمعاملة، مع فقر وجوع، سهل وجود مناخ يقبل الغلو والتطرف.

لكن تضخيم هذه المجموعات ومدها بالسلاح والرجال والمال بطريقة أو أخرى، وجعلها تتمدد وتتوسع على دماء وأشلاء الأبرياء وليس الطغاة والظلمة كان بتوظيف خبيث من أعداء الأمة.

كلنا شاهد انحسار تنظيم القاعدة عن العراق في عام 2007 بواسطة الصحوات السنية، لكن نكوص المالكي عن دمج الصحوات في قوات الجيش والأمن العراقية أعطى تنظيم القاعدة قبلة الحياة من جهة، وحول الجيش والأمن لقوات شيعية طائفية، ونكل بالسنة، ومن ثم جاء تراخي الأمن العراقي مع عمليات التفجير التي تقوم بها القاعدة لتشيع الفوضى في العراق، بما عزز ديكتاتورية المالكي، وسهل نشوء داعش، التي دعمها المالكي بغض الطرف عن عمليات هروب مساجين القاعدة من سجونه، وهكذا تضخمت داعش، وأصبحت فزاعة للشيعة تجعل بقاء المالكي مطلبا شيعيا شعبيا، وجعلت السنة بلا نصير إلا داعش، وهو ما يخصم من رصيد عدالة قضيتهم!!

وفي عرسال بلبنان تتكرر نفس المسرحية، حزب الله ينخرط في حرب طائفية ضد الشعب السوري وينفضح والشارع اللبناني يستاء من تورط لبنان بالحرب في سوريا، فيأتي بعض الدواعش وأصدقاؤهم من جبهة النصرة، فيعبرون الحدود اللبنانية ويشتبكون مع الجيش اللبناني، ويتقدم حزب الله كحليف للجيش ضد الإرهابيين، فتبيض صفحته!!

والتصدي لداعش اليوم إذا لم يكن بشكل شامل ومتكامل، يحارب جذور التطرف والغلو من جهة ويحارب سلوكيات ومواقف الغلو والتطرف، ويحارب من يدعم ويوظف الغلو والتطرف هنا وهناك من أنظمة سياسية وأجهزة أمنية، فهو في الحقيقة لعبة جديدة للتعدي على الإسلام والمسلمين باسم محاربة الإرهاب / داعش.

إن مقاومة الدعشنة تكون بعملية إصلاح شاملة في التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد، ومحاربة جذور فكر التطرف والغلو بكل قوة ووضوح، مع تجنب المحاولات الخبيثة لوصم السلفية أو الوهابية أو التيار الإسلامي بالتطرف والإرهاب ومن ثم إقصائها.

فحين أقصي الإسلام الصحيح قليلا عن وسائل الإعلام والتربية ظهرت لنا داعش، فما بالكم لو زاد الإقصاء والمناكفة للإسلام، ستكون عندها داعش كلعبة أطفال!!

إننا واثقون بنصر الإسلام وقوته وثباته وقدرته على تجاوز داعش وما هو أدهى من داعش، ولقد قام علماء الإسلام وخاصة السلفيين منهم بالتصدى لكل حركات الغلو والتطرف والتكفير بحزم وعلم، حتى تكسرت واندثرت من جماعة شكرى مصطفى وما تولد عنها في مصر، أوجماعة جهيمان التى استباحت الحرم المكي، أو تنظيم القاعدة وأخواته، أو فضائع ما جرى في الجزائر، وغيرها كثير.

لكننا نأمل أن تتجنب أمتنا المسارات الصعبة والمنهكة في صراعات داخلية لمصلحة الأعداء، كما في قوله تعالى (وكفى الله المؤمنين القتال)، وتسير بدلا من ذلك في مسارات البناء والتنمية والعلم والعمل لنرقى وننهض ونسعد أنفسنا والبشرية المعذبة بالفقر المدقع أو بالمادية المفرطة.

الراصد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق