شكرا داعش: البرادعي نطق
إن كان من إيجابية لتنظيم "داعش" فإنها نجحت في إنهاء حالة صيام الدكتور محمد البرادعي عن الكلام، بعد مرحلة صمت إجبارية، امتدت على نحو عام كامل، لم ينبس خلالها ببنت شفة عن المشهد السياسي العربي والدولي على صخبه وضجيجه.
محمد البرادعي المبتعد، أو المُبعٓد، عن صخب بحيرة السياسة المصرية، بعد حضوره اللافت ودوره القيادي في إعادة عسكرة نظام الحكم في مصر، قرر الخروج من دائرة الدماء، بعد أن سالت بغزارة في حضوره وبحضوره للأسف، ليدخل في حالة سكوت مطبق، لم يقطعه إلا تغريدة تهنئة لأعضاء حزبه.
وواقع الأمر أن محمد البرادعي ليس وحده الذي استثمر "نافذة داعش" ليطل على السياسة مرة أخرى، ذلك أنه منذ امتلأت قنوات الكلام بحدوتة تنظيم الدولة الإسلامية، وجميع الأطراف تنشط في استثمار هذه الحالة الداعشية لترتب أمورها، وإعادة طرح نفسها.
الجنرالات القتلة في مصر وسورية وليبيا، ممن أسالوا الدماء أضعاف ما فعله "داعش"، ارتَدوا ملابس عازفي البيانو، واستعاروا وجوه الشعراء الرومانسيين، وقفزوا مثل حملان وديعة في قوارب الحرب على الإرهاب، ملتحقين بالفرصة التي جاءت على طبق من ذهب لكي يغسلوا حاضرهم في الاستبداد القتل والإجرام في حق شعوبهم.
الصهاينة أيضاً استثمروا في "بورصة داعش"، بعد أن لقنتهم المقاومة الفلسطينية درساً في الصمود، فلجأوا إلى لعبة الربط بين مقاومة حماس التحررية، وإرهاب داعش العبثي، وهي النكتة التي أضحكت المعلقين الإسرائيليين أنفسهم.
الإعلام العربي المساند للانقلابات والثورات المضادة وجدها، أيضاً، فرصة لكي "يثغو" بخطاب أكثر غرائبية من خطاب "الأخونة" الذي بات نغمة ممجوجة، ومزحة لا تضحك أحداً.
الأجهزة الأمنية من جانبها لم تقصر ، وسارعت في التربّح من موجة "الدعشنة"، ورأينا أول "حالة دعش كاذب" ينفذها إعلام الداخلية المصرية، حين جاءوا بشاب مصري محتجز قسرياً في مطار القاهرة، بعد إبعاده من الإمارات، و صنعوا منه قصة ركيكة عن "عائد من القتال في سورية" لتتلقف وسائل الإعلام الأمني الحكاية وتنسج منها دراما داعشية مهلهلة.
وقصة هذا الشاب نشرها الموقع الإلكتروني لـ"العربي الجديد"في وقتها، حيث أكدت أسرته أنه تم احتجازه في مطار القاهرة لأسابيع، دون اتهام، الأمر الذي دفع الأسرة للتقدم ببلاغات للنائب العام المصري، والمجلس القومي لحقوق الإنسان ضد واقعة احتجازه وإخفائه قسراً داخل أروقة المطار.
إن شيئا لم يسئ للقيم والمبادئ الإسلامية، مثل ما فعلت الممارسات الداعشية الدموية في مناطق عدة، وتبقى واقعتا ذبح الصحافيين الأميركيين، "ستيفن سوتلوف" وقبله "جيمس فولي"، عاراً يلاحق مرتكبيها، غير أن ذلك لا يعني غض الطرف عن مذابح "الدواعش" من الحكام العرب الذين اقترفوا جرائم ضد الإنسانية، تفوق في بشاعتها فظائع التنظيم، كما تتناقلها وسائل الإعلام الغربي، والتي انتفض لها وبها الضمير العالمي.
لم نسمع عن موقف دولي بهذه القوة والصلابة في مذابح أكبر "غوطة سورية، ورابعة مصر، ومستشفيات وملاجئ غزة" كنماذج، بل رأينا تدليلاً للقتلة، ومكافآت للجناة، وعمليات إدماج لسافكي الدماء في تحالفات دولية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق