الأحد، 8 مارس 2015

مصر قد تخسر حرب المياه وتتجه للعطش

مصر قد تخسر حرب المياه وتتجه للعطش
عادل القاضي – التقرير

سد النهضة يبدأ تخزين المياه من يوليو، ومصر ستتعرض للعطش

– لا، غير صحيح هذا كذب المرحلة الأولي ربما تنتهي في سبتمبر 2015

– لا نملك معلومات واضحة عن وقت بدء ملء الخزان


– كل الدراسات الفنية تؤكد أن السد سيؤثر تأثيرا بالغا على دول المصب


– مصر تبني محطات لتحلية مياه البحر تحسبا لشح مياه النيل بعد بدء عمل سد النهضة

– وزير المياه الإثيوبي: لن نستأذن من مصر لبناء سد النهضة والعمل فيه لن يتوقف دقيقة واحدة


– لجنة استشارية تبحث المشروع نهاية مارس الجاري.


هذه جملة من الأخبار التي جرى بثها على استحياء حول آخر أخبار سد النهضة الإثيوبي المفترض أن تنتهي المرحلة الأولي من بنائه في سبتمبر 2015، بسعة 14 مليار متر مكعب، وهي السعة التي كانت مصر تطالب بالاكتفاء بها؛ ولكن إثيوبيا عجلت البناء مستفيدة من انشغال مصر وانكفائها في مشاكلها الداخلية وتردد أنها ستنتهي مبكرا في يوليو المقبل (بعد 4 أشهر) ويبدأ ملأه بمياه الفيضان؛ ما يعني نقص المياه الواردة من الفيضان لدولتي المصب مصر والسودان.

ولكن في مواجهة كل هذه المعلومات، تقف حقيقة واحدة هي أن العمل بالسد لم يتوقف لحظة واحدة، وأن إثيوبيا تتعمد إطالة أمد التفاوض بما يسمح لها بفرض أمر واقع وبناء كامل السد المقرر له أن يسع 74 مليار متر مكعب، وأن ما يجري يصب في خانة خسارة مصر حربها المائية، وفوز إسرائيل التي لها يد في بناء هذا السد وتوفير الدعم له من وراء الستار، كما يقول وكيل أول وزارة الموارد المائية والكهرباء السوداني السابق، المهندس حيدر يوسف.

ومع أن المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان التي عُقدت في الخرطوم من 3 – 5 مارس الجاري، استهدفت التوصل إلى مجموعة من المبادئ الحاكمة للتعاون المائي بين الدول الثلاث، ومحاولة تقليل الأضرار علي مصر والسودان، وأعلن الجمعة 6 مارس عن توقيع اتفاق مبدئي، إلا أنه لم يلعن هل تم حل النقاط الخلافية المستعصية أم لا؟ ومن الذي قدم تنازلات أكبر؟

وثيقة اتفاق مجهول


فقد تم الإعلان عن أن مصر والسودان وإثيوبيا، توصلت إلى “وثيقة” اتفاق مبدئي على آلية لتشغيل سد النهضة تشمل “مبادئ” تحكم التعاون فيما بين الدول الثلاث للاستفادة من مياه النيل الشرقي، وسد النهضة الأثيوبي، والتغلب على الشواغل والقضايا العالقة التي تؤثر على دولتي المصب في مصر والسودان.

وقيل إنه سيتم رفع تلك الوثيقة، التي تم التوافق عليها إلى رؤساء الدول الثلاث في مصر والسودان وإثيوبيا للتصديق عليها، وقال وزير الري والموارد المائية المصري، حسام مغازي، عن مسارين: (الأول) سياسي، قال إنه تم بموجبه التوصل لاتفاق سيتم من خلاله تنظيم آلية التشغيل والتعاون في مشروع السد والشواغل المصرية والسودانية.

أما على المسار (الثاني) الفني، فقد قيل إن خبراء الدول الثلاثة يقومون حاليا بمراجعة تقييم المكاتب الاستشارية الدولية الأربعة التي تقدمت لعمل الدراستين المختصين بشأن سد النهضة، وقال الوزير المصري إنه سيتم الإعلان في التاسع من مارس الجاري عن اسم الشركة الاستشارية التي ستقوم بالدراستين.

وهو ما يعني أن هذا الاتفاق المجهول لم يكتمل بعد، وهو أشبه باتفاق نوايا، حيث لم يوضح ما هو مصير النقاط الخلافية بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان التي عرقلت اتفاقهم سابقا، فضلا عن أن فكرة “المكتب الاستشاري” متفق عليها منذ أواخر أغسطس الماضي 2014، وتم تكليف مكتب استشاري لإعداد دراسة تفصيلية بشأن تأثيرات السد على مصر والسودان على أن يتم حسم الخلاف في مدة أقصاها 6 أشهر (مارس الجاري) وتكون نتائجها ملزمة للجميع، ولكن الحديث هنا يدور عن إعادة تكليف مكتب استشاري من بين أربعة مكاتب.

النقاط الخلافية


وهناك عدة نقاط خلافية صعبة الحل بين دول منابع النيل عموما ومنها إثيوبيا ودول المصب (مصر والسودان) يمكن تفصيلها فيما يلي:

1- دول المنبع تسعى إلى إلغاء الاتفاقيات التاريخية الخاصة بتحديد حصص المياه وحقوق مصر والسودان المائية بما فيها اتفاقية 1959 الموقعة بين مصر والسودان، والذي يحدد حصصا معينة لمصر والسودان ويجعل لمصر حق الفيتو علي بناء أي سد على نهر النيل يضر بحصة المياه المتدفقة لها من الفيضان، بالمقابل تريد دول المنابع أن يصبح النهر “حوضا مشتركا” بحصص متساوية وبدون فيتو.

2- دول المنابع وقعت فيما بينها اتفاق بديل للاتفاقيات التاريخية هو “اتفاق عنتيبي” وتمسك الدول الموقعة عليه بأن يصبح القرار فيما يخص مياه النيل بالأغلبية، وهو ما يعني عدم الاعتداد بمطالب دول المصب (دولتان) مقابل (8 دول في منابع النيل)، كما قد يسمح لإسرائيل بالمشاركة في مياه النيل، خاصة أن إثيوبيا تردد دائما أن مياه النيل “منحة إلهية” مثل بترول الخليج يمكن بيعها لدول أخرى.

3- تسعي إثيوبيا لحصر النقاش في سد النهضة بينما هي تبني ثلاثة سدود أخرى (من بين 22 سدا في المستقبل) وتعتبر هذه ملفّات مستبعدة من النقاش ما يضر مصر، وقد سعى الوفد المصري لفتح ملفات تختص التّنسيق المستقبلي بهذه السدود (كارادوبي ومنداي وبيكو)، وهي مجموعة سدود يتوقع أن تنشأ عنها أزمات مستقبليّة بين القاهرة وأديس أبابا، وتستعد إثيوبيا للعمل على بنائها بمجرد الانتهاء من تشغيل سد النهضة، ولكن إثيوبيا استبعدتها من المناقشة، ووفقا للمعلومات المتوافرة لدى الجهات الرسمية في القاهرة، فإن هذه السدود الثلاثة تشكل كارثة حقيقية على حياة المصريين؛ إذ تصل سعة التخزين الخاصة بالسدّ الأول كارادوبي إلى 49 مليار متر مكعّب، بينما سعة تخزين السد الثاني منداي 40 مليار متر مكعب من المياه، وتصل سعة تخزين السد الثالث بيكو إلى 42 مليار متر مكعّب من المياه.

4- ظل الجانب الإثيوبي حريصا منذ بداية التفاوض على أن يحدد مسبقا نقاطا لا ينبغي الخروج عنها في اجتماعات الخرطوم تتعلق فقط بإجراءات تشكيل لجنة جديدة لاستكمال توصيات اللجنة الثلاثية المتوقفة منذ انسحاب الجانب المصري منها في يناير الماضي 2014، وكان الحديث عن وقف الأعمال في بناء سد النهضة إلى حين الانتهاء من الدراسات الخاصة بتأثيراته السلبية على مصر ضمن الملفات التي تم استبعادها، كما تم استبعاد مناقشة المبادرة المصرية الخاصّة بالعمل على تقليل سعة تخزين وارتفاع سد النهضة بما لا يقلّل من حجم الكهرباء المولّدة.

خسارة 14 مليار متر مكعب من المياه


وقد كشفت مصادر سودانية مسئولة عن انتهاء شركة “سالينى” الإيطالية، المنفذة لسد النهضة الإثيوبي، من 45% من أعمال البناء؛ الأمر الذي يؤهل للبدء في تخزين المياه أمام جسم السد اعتبارا من موسم فيضان الأمطار للعام الجاري، الذي يبدأ في يوليو المقبل، برغم الإعلان عن اتفاق مبدئي مصري سوداني إثيوبي.

ومعروف أن المرحلة الأولى من التخزين ستخصم 14 مليار متر مكعب من حصة مصر والسودان خلال السنة المائية المقبلة، ستتقاسمها البلدان طبقا لاتفاقية 1959 التي تنص على تحمل البلدين أي نقص في واردات مياه النيل، ما سيشكل أزمة في مصر بسبب الفقر المائي، ويشكل تهديدا للزراعات السودانية القائمة على الفيضان في الجزر النيلية، وكذلك توليد الكهرباء من سدود الروصيرص وجبل الأولياء وسونار.

إذ تبلغ حصة السودان 18.5 مليار متر مكعب سنويا نظير 55.5 مليار متر مكعب سنويا لمصر، والجانب الإثيوبي يسابق الزمن للانتهاء من بناء المرحلة الأولى من السد قبل موسم الفيضان الذي تتعثر فيه أعمال البناء والإنشاء، تشغيل توربينين لإنتاج الكهرباء تم تركيبهما بالفعل لإنتاج 700 ميجاوات من الكهرباء.

ولكن مصادر رسمية بوزارة الري السودانية، تقول إن المرحلة الأولى تشمل تركيب توربينين فقط عند مستوى الحد الأدنى من التخزين، وهو ما لم تحصل عليه أديس أبابا حتى الآن، ما يعنى احتمالية أن يبدأ التخزين خلال عام 2016.

وقد نفت وزارة الموارد المائية المصرية بدء ملء خزان سد النهضة في يوليو القادم، ولكنها قالت إنها: “لا تملك معلومات واضحة عن وقت بدء ملء الخزان على وجه الدقة“، مستبعدة في الوقت ذاته أن تكون شركة “ساليني الإيطالية” المسؤولة عن بناء السد، قد سربت معلومات تخص وقت بدء ملء خزان السد.

وأكد الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري، أن “مصر لم تصلها أي معلومات حول بدء ملء خزان سد النهضة الإثيوبي ولا صحة لتحديد موعد بدء ملء خزان السد الذي يجرى بناؤه حاليا على شاطئ فرع النيل الأزرق الذي يمد مصر بنحو 85% من حصتها في مياه النيل“.

لا اتفاق فعلي ولكن مسكنات

ورغم الدعاية الإعلامية المصرية التي تشير لقرب انتهاء حل المشكلة، فقد نفى خبراء مياه مصريون ذلك وقالوا إن التصريحات الرسمية حول التوافق بشأن سد النهضة “غير حقيقية”، وقال سياسيون إنها “مسكنات” من السلطة لإيهام المصريين بحل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للمشكلة.

فقد ذكر خبير الموارد المائية مغاوري شحاتة، في مداخلة هاتفية مع فضائية «سي بي سي إكسترا»، أن تصريحات التوافق بشأن سد النهضة غرضها طمأنة الشعوب ولكن يجب فعليا عدم الإضرار بمصالح مصر، وأكد أن وثيقة التوافق بشأن سد النهضة وثيقة دبلوماسية سياسية؛ ولكن لا بد من الخطوات الفنية.

وأضاف شحاتة، أن التقارير الفنية الصادرة عن اللجنة الثلاثية لسد النهضة الإثيوبي تشير إلى أن مصر سيقع عليها ضرر كبير من السد، مشيرا إلى أن الحوارات السياسية يجب أن تكون مُلزمة لأديس أبابا.

أيضا، قال الدكتور نصر الدين علام، وزير الري السابق أن إثيوبيا أنهت حوالي 50% من بناء سد النهضة حتى الآن، ومصر وصلت لوضع متأزم في “أننا نوافق على كل الشروط الإثيوبية، ونسير خلف الأجندة الإثيوبية في هذا الأمر“.

مشيرا لأن الأجندة الإثيوبية “تطلب السماح بسنوات التخزين ولا تسمح بسعة السد وارتفاعه، وهذا يقلل من حصة مصر المائية ويضر مصر ولا يضر السودان، وكأن بناء السد بهذه الشروط أمرا مفروضا علينا“.

وتساءل علام في تصريحات صحفية، عن كيفية إدارة الدولة المصرية لملف المياه والتنازلات فيه، متسائلا عن “كيفية الحديث عن وثيقة جديدة في الوقت الذي لا ننفذ فيه ما جاء بالوثيقة الحالية والتي تشمل عدم قيام إثيوبيا ببناء أي مبنى يؤثر على مجرى النيل“، مشيرا إلى أن هذه مخالفة صريحة، مؤكدا أنه بذلك نحن نسير على الأجندة الإثيوبية.

وطالب بالمكاشفة في هذا الأمر قائلا: “نطالب بتفعيل الدور المصري في بناء سد النهضة وتوضيح هل مصر قبلت بناء السد أم لا؟“.

وقال الدكتور مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية السابق إن ما يقال عن عدم تأثر مصر من سد النهضة “كلام عاطفي”، وإن سد النهضة سيؤثر على حصة مصر من نهر النيل، ويهدد الأمن القومي المائي لمصر، خاصة في سنوات ملء خزان السد التى ستصل إلى 74 مليار متر مكعب، وهى أكبر سعة تخزينية في العالم، مشيرا إلى ضرورة التصدي لتلك المشروعات التي قد تهدد الأمن المائي لمصر.

وأشار إلى أن مصر أصبحت من دول الفقر المائي، حيث يبلغ نصيب الفرد في مصر أقل من 1000 متر مكعب ويصل إلى 625 مترا مكعبا، ما يعني ضرورة التصدي لأي مشروع يقلل من تلك الحصة المقررة باتفاقية من عام 1955، والتي كان تعداد سكان مصر وقتها 25 مليونا، في حين وصل تعداد مصر الآن إلى 90 مليونا وبنفس الحصة، وهو شيء غير مقبول.

وقال: “اشتركت في المباحثات التي تمت 2005، حيث حاولت دول حوض النيل وعددها 11 دولة الوصول إلى اتفاق حول مشروعات حوض النيل، ما أطلق علية اتفاق “عنتيبى”، إلا أنه كان هناك تنسيق من خلف دول المصب (مصر والسودان) وضغط على مصر للتوقيع على الاتفاق الذي يمحى حقوق مصر المكتسبة والتاريخية من حصتها فى مياه نهر النيل“.

وأضاف: “مصر رفضت التوقيع على تلك الاتفاقية، كما رفضت مبدأ التصويت بالأغلبية التي تضم معظم دول حوض النيل للإضرار بحصة دول المصب، وما زالت الخلافات والمباحثات قائمة حتى الوقت الحاضر“.

وتابع: “إلا أن إثيوبيا استغلت ظروف الثورات التي قامت في مصر للبدء بالفعل في بناء السد، حيث انتهت إثيوبيا من 40% من حجم إنشاءات السد، واصفا موقف إثيوبيا بالمتعنت“.

وقال الدكتور أبو العلا أمين، القائم بأعمال رئيس معهد البحوث الفلكية، إن بناء سد النهضة سيعجل من نشاط الزلازل بإثيوبيا والسودان لوجوده في حزام الأخدود الإفريقى، وذلك طبقا للدراسات التي تمت عليه.

وأَضاف أمين أن المعهد كلف بالعديد من الدراسات عن سد النهضة في حالة بنائه من الناحية الزلزالية، مشيرا إلى أنه في حالة حدوث زلزال بإثيوبيا سيؤثر على مصر بفيضان المياه في حالة انهيار السد.

استعدادات لشح المياه


وفيما يبدو استعدادات لأول مرة لاحتمالات شح المياه في مصر مع تزايد عدد السكان والنقص المتوقع من تشغيل سد النهضة وسحب كميات من حصة مصر، بدأت مصر تلجأ لإنشاء محطات “تحلية” لمواجهة آثار سد “النهضة”.

حيث أعلن الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، في بيان مارس الجاري عن إنشاء محطات تحلية مياه، لأول مرة، في جميع محطات توليد الكهرباء الجديدة التي سوف تقام على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط.

واعتبر عدد من خبراء هندسة القوى الكهربائية أن قرار الوزارة بإنشاء محطات تحلية المياه هو حل استراتيجي لمواجهة العجز المائي الذي ستواجهه مصر بفعل إنشاء سد النهضة الإثيوبي، ومواجهة عجز المياه العذبة في المحافظات الساحلية.

ويهتم عدد كبير من الدول التى تعانى من نقص المياه بتحلية المياه، بخاصة أن الإحصاءات تشير إلى وفاة مئات الآلاف سنويا بسبب ندرة المياه النقية لاستخدام الإنسان. وتتطلب عملية التحلية تقنيات تستهلك طاقة ومالا بشكل كبير، وأغلب معامل تحلية المياه تقع في الخليج العربي وليبيا؛ بينما أكثر معامل المعالجة في مناطق متفرقة في العالم مثل أمريكا وسنغافورة ودول أوروبا.

أيضا، سلط موقع “المونيتور” الأمريكي 26 فبراير الماضي الضوء على الجهود التي تبذلها مصر في سبيل تأمين حصتها من مياه نهر النيل في ظل التحديات التي يفرضها سد النهضة الذي تمضي إثيوبيا قدما في بنائه رغم محاولات القاهرة البائسة لثنيها عن تلك الخطوة، مشيرا لاتخاذ مصر إجراءات سياسية وتقنية قوية بغية الفوز بثقة دولة جنوب السودان الوليدة في التوصل إلى اتفاق يقضي بخفض التداعيات السلبية المحتملة على أمن المياه المصري.

وذكر التقرير أن مصر تأمل، من خلال إعطاء دعم إضافي للدولة الجديدة، في تأمين مصالحها في مياه النيل التي تأتي من البحيرات الاستوائية وتمر عبر الأراضي في جنوب السودان.

وأضاف التقرير أن مصر كانت قد استقبلت سالفا كير رئيس جنوب السودان في الـ 20 من نوفمبر الماضي، في أول زيارة له للقاهرة والتي شهدت أيضا توقيع عدد من اتفاقيات التعاون، ولعل أبرزها الإدارة المشتركة لمياه النيل بين القاهرة وجوبا.

وأوضح التقرير أن الاتفاقية بين الجانبين على إدارة مياه النيل تقضي بإرسال بعثة ري مصرية رفيعة المستوى إلى جنوب السودان وتحديد معايير لمستويات مياه النيل في الدولة الوليدة، وكذا تطوير آلية جديدة لإدارة مياه المخلفات من بحر الغزال وتسهيل تدفق مياه النيل والحد من إهدارها.

وقدمت مصر منحة لا تُرد إلى حكومة جنوب السودان خلال انفصالها عن السودان في العام 2009، تصل قيمتها 26 مليون دولار، تُخصص لدعم المشروعات الرامية إلى تنمية موارد المياه في الدولة الوليدة، فضلا عن تأسيس آبار وسدود لتخزين مياه الأمطار وتأمين مصادر المياه للمواطنين هناك.

وقال مصدر دبلوماسي مصري رفض الكشف عن اسمه في تصريحات لـ المونيتور إن: “القاهرة لديها بالفعل نية في استعادة مشروع قناة جونقلي والذي سيكون الحل الأمثل لزيادة حصة مصر في مياه النيل في ظل المخاوف من التأثيرات المباشرة لـ سد النهضة الإثيوبي على تدفق مياه النيل من شرقه إلى بحير السد العالي”.

وكان مشروع جونقلي قد توقف بسبب اندلاع الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه في العام 1983، وذلك بعد إكمال 70% من عمليات الحفر المتعلقة بالمشروع، وهو قد يوفر لمصر والسودان 10 مليارات متر مكعب من مياه المستنقعات، بيد أن الجنوبيين يرفضونه لأنه سيجفف المستنقعات التي يعتمد علي الرعاة في الجنوب.

ولذلك يرى خبراء مصريون أن إقدام مصر على تلك الخطوات يعد مضيعة للوقت، مطالبين بقرار سياسي لممارسة الضغوط على أديس أبابا وحثها على تقديم ضمانات بأن بناء السد لن يضر بحصة مصر في مياه النيل.

وفي هذا الصدد، قال محمد نصر الدين علام، وزير الري المصري السابق وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة إن: “جنوب السودان لا يمكنها أن تحل محل إثيوبيا في تأمين حصة مصر السنوية من مياه النيل، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أن القاهرة تحصل فقط على 15% من حصتها في المياه من نهر النيل -التي تمر عبر جنوب السودان- في حين أن النسبة الأكبر تأتي من الهضبة الإثيوبية“.

وبعد أن كانت أقصى ما تطمح إليه إثيوبيا هو بناء سد بسعة تخزين 14 مليار متر مكعب من الماء وارتفاع 90 مترا، زاد سقف أمانيها إلى أن تقيم أكبر سد في القارة الإفريقية بسعة 74 مليار متر، وارتفاع 150 مترا، وذلك بعد ثورة يناير في مصر والفوضى التي انتشرت فيها، وانشغال المجلس العسكري والحكومات المتعاقبة بالشأن الداخلي.

وفي عهد السيسي، بدأت إثيوبيا في بناء سدين آخرين بخلاف سد النهضة ضمن خطة بناء أربعة سدود جديدة للتحكم في مياه النيل، وهو ما يراه نادر نور الدين، أستاذ الري واستصلاح الأراضي بجامعة القاهرة، نتيجة قبول السيسي لإجراء المفاوضات بين الجانبين المصري والإثيوبي على أرض محايدة، انصياعا لرغبة الأخيرة.

وأوضح “نادر نور الدين”، أن الوفود التي أرسلتها مصر إلى إثيوبيا، والهرولة وراءها أضفت ضعفا على مصر، وأشعرت إثيوبيا بأنها تمكنت من ترويض المارد المصري، الذي كان يخشاه الجميع، فبدت مصر خاضعة لها، مضيفا أنه بفرمان من إثيوبيا تتجمد المفاوضات وتُستكمل، دون احتجاج رسمي من مصر.

الأن أصبحت الصورة واضحة وإثيوبيا أنجزت بالفعل بناء 50% من السد، ولو بدأت في ملئه بالمياه سيكون من الصعب على مصر أن تمنعها أو تهدمه ولو بعمل عسكري؛ لأن مخاطر انهيار السد واندفاع المياه المخزنة فيه ممكن أن تغرق أجزاء من السودان، كما أن مصر في حالة سياسية وعسكرية ضعيفة بسبب مشاكلها الداخلية وتضرر صورتها وهيبتها الخارجية.

وهو ما يشير لأن مصر خسرت بالفعل حربها المائية، وهو ما يعني انتصار استراتيجي للدولة الصهيونية التي سعت منذ الخمسينيات لوضع خطط لضرب أمن مصر من الجنوب من منابع النيل، وكان لها دور في دعم إثيوبيا ماليا وعالميا لبناء سدودها كي تضرب الأمن المائي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق