الخميس، 5 مارس 2015

طبول الفتنة الجديدة


طبول الفتنة الجديدة

فهمي هويدي

يوم السبت 28 فبراير تم في طهران توقيع اتفاق تسيير خط الطيران بين العاصمتين الإيرانية واليمنية.

في اليوم التالي مباشرة (الأحد أول مارس) وصلت إلى مطار صنعاء طائرة الشركة الإيرانية «ماهان اير»، (نسبة إلى إحدى مدن محافظة كيرمان) حاملة 12 طنا من الأدوية ومستهِلَّة تشغيل الخط المتوقف منذ خمسة وعشرين عاما.
وكان ذلك تنفيذا للاتفاق الجديد الذي يقضى بتسيير 14 رحلة أسبوعيا بين العاصمتين، بمعدل رحلتين يوميا. في عودتها إلى طهران خلال اليوم ذاته.

حملت الطائرة الإيرانية وفدا كبيرا ضم 15 شخصا، برئاسة صالح الصماد، الرجل الذي فرضه الحوثيون على الرئيس عبدربه منصور بعد اجتياحهم صنعاء، حيث عمل مستشارا له (أقاله الرئيس اليمني من منصبه بعد ذلك)
ولفت الانتباه أن الوفد ضم عددا من وكلاء وزارات الكهرباء والتخطيط والاستثمار والصناعة والتجارة والمياه والبيئة، إضافة إلى وكيل وزارة النفط. في طهران وقع الوفد عددا من الاتفاقات بين البلدين التي لم تعلن طبيعتها، ويفرض أنها تدور حول تحقيق التعاون بين البلدين وتقديم المساعدات الإيرانية في المجالات التي مثلها أعضاء الوفد.

إذا لاحظنا أن الرئيس اليمني غادر صنعاء ووصل إلى عدن يوم الجمعة 27 فبراير، فلابد أن يثير انتباهنا ذلك التسارع المدهش في الأحداث، الذي يعطي انطباعا بأن الأمر كله كان مرتبا بين الحوثيين وطهران في وقت سابق. حيث لا يعقل أن يهرب الرئيس عبدربه إلى عدن يوم الجمعة، ثم يوقع اتفاق تشغيل خط الطيران يوم السبت لتصل طائرة شركة «ماهان اير» إلى صنعاء يوم الأحد.

لا يعقل أن يتم ذلك كله بهذه السرعة إلا إذا كان مرتبا سلفا.
وذلك ليس مفاجئا تماما، لأن شواهد الحضور الإيراني في زحف الحوثيين على صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي له قرائن عدة، وهو ما أكده الدكتور عبدالكريم الإيرباني مستشار الرئيس اليمنى في الحوار الذي نشرته له صحيفة «26 سبتمبر» (في 11 ديسمبر الماضي).
إذ ذكر أنه أثناء المناقشات التي جرت مع الحوثيين في مؤتمر المصالحة طرحت بعض المقترحات التي كان أحد الوسطاء العمانيين طرفا فيها، وقد أرسلت تلك المقترحات إلى قيادة الحوثيين في صعدة، ولكنهم فوجئوا بأنها نقلت إلى طهران، وأن الوسط العماني هو من أوصل الرد الإيرانى إلى صنعاء بعد ذلك. إلا أننا ما عدنا بحاجة إلى أدلة بعد التطورات التي حدثت هذا الأسبوع، واستدعت إيران إلى صدارة المشهد اليمنى. وذلك بدوره لم يكن مفاجئا تماما، لأنه منذ أعلن عبدالملك الحوثي من صعدة أنهم سيلجأون إلى مصادر أخرى لتوفير احتياجات اليمن في حالة توقف الدعم السعودي، فقد فهم أن ثمة ترتيبا معدا مع طهران للذهاب إلى أبعد في مساندة حكم الحوثيين لليمن.

فى ضوء هذه الخلفية، يبدو جليا أن إيران قررت أن تعزز وجودها في الجزيرة العربية، في ظهر السعودية وليس بعيدا عن باب المندب. 
وذلك لا يمثل تحولا استراتيجيا في خرائط المنطقة فحسب، ولكنه يشكل أيضا عبئا اقتصاديا كبيرا على إيران ذاتها، التي تأثرت مواردها بانخفاض أسعار النفط، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية هي أكبر أزمات اليمن، ولا تنس أن طهران تتحمل ذات العبء الثقيل في مساندتها لنظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، (تتحدث التسريبات عن وصول بعض عناصر الحزب إلى اليمن واشتراكهم من وراء ستار في تنظيم بعض فعاليات الحوثيين).

تتحدث المصادر الإيرانية والأبواق المعبرة عنها عن تمدد النفوذ الإيراني وانتشاره في أربع دول عربية هي سوريا والعراق ولبنان واليمن. وهذا صحيح إلى حد كبير، إلا أن ذلك النفوذ له خطورته في اليمن. لأن الدول الثلاث الأولى تتوفر لها أنظمة وأجهزة وخبرات. وبالتالي فإيران شريكة في الحكم بدرجة أو أخرى وبصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أما في اليمن فالموقف مختلف تماما، إذ رغم وجود الأنظمة والأجهزة، فإن طبقة الحوثيين الحاكمة الجديدة ليست لها علاقة بإدارة الدولة، الأمر الذي يعنى أن دور إيران سيكون أكبر بكثير. وقد يسوغ لنا ذلك أن نقول إنها لن تكون شريكة في الحكم. ولكنها ستكون السلطة الحاكمة.
أعنى أن العبء لن يكون اقتصاديا فحسب، وإنما سيكون سياسيا أيضا. وإذا احتملت اليمن ذلك العبء ــ وهو أمر مشكوك فيه ــ فإن المنطقة قد لا تحتمله طويلا، خصوصا أن السعودية لن تسكت عليه لأنه يمس أمنها القومي بصورة مباشرة.

لا تفوتنا في هذا الصدد ملاحظة أن شهية إيران انفتحت للتمدد في العالم العربي إلى هذه الدرجة ليس فقط لأن لها تطلعاتها الخاصة، ولكن لأن الفراغ العربي كان جاذبا لذلك التمدد. إذ لم تكن محنة العالم العربي مقصورة معاناته من ذلك الفراغ الناشئ عن انهيار النظام العربي، ولكن تلك المحنة تمثلت أيضا في انشغال أنظمة العالم العربي بصراعاتها الداخلية وانصرافها حتى عن الدفاع عن أمن الأمة وحياضها.

ما الذي يعنيه كل ذلك؟ لاشك أن إيران مقبلة على حالة من الاستنزاف الاقتصادي الذي لا نعرف مدى قدرتها على احتماله ولأي أجل، كما أزعم أن اليمن مقبل على تمزق جديد، قد يكون انفصال الجنوب عن الشمال حده الأدنى. هذا إذا لم يتطور الأمر إلى انتفاض القبائل ضد الحوثيين. وربما تعاظم دور تنظيم القاعدة، بما قد يؤدى إلى نشوب حرب أهلية قد تغرق إيران في أوحال المستنقع اليمنى.

يعنى ذلك أيضا تأجيج الصراع المذهبي في العالم العربى بين السنة والشيعة، لأن وجود إيران في الدول الأربع لن يحقق تمددا استراتيجيا فقط؛ ولكنه سوف يستصحب معه تأجيج المشاعر المعادية للشيعة في ذات الوقت.


فى مواجهة من ذلك القبيل فإن الاستقطاب سيطل برأسه بين دول المنطقة. إذ ليس مستبعدا أن تقف تركيا مع السعودية (أكثر دولة تستشعر الخطر) على رأس المعسكر السُّني.
 في حين تقف إيران ومعها العراق على رأس المعسكر الشيعي. وهو ما قد يعيدنا إلى زمن الصراع الصفوي العثماني في القرن السادس عشر. وفي هذه الحالة فإن إيران ستكون المسؤول الأول عن تلك الفتنة الجديدة التي ستشوِّه سجل الثورة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق