الدرة
(( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ ))
الامام الشافعي
الخميس، 5 مارس 2015
في طريق الأذى: يسري فودة وحديث الذكريات
في طريق الأذى: يسري فودة وحديث الذكريات
المقدمة
يُعد يسري فوده رائد الصحافة الاستقصائية التلفزيونية في العالم العربي؛ فهو الصحفي الأول - والأخير - الذي أتيحت له فرصة اللقاء بالعقول المدبرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ورغم مرور نحو ثلاثة عشر عامًا على ذلك اللقاء، فإن هذه هي المرة الأولى التي يجمع فيها قصته مع هذا السبق العالمي في كتاب باللغة العربية مع جانب من الحقائق والصور والمستندات.
لكنه أيضًا يضيف إلى هذه التجربة الفريدة تجربة أخرى أكثر خطورة عندما عبر الحدود من سوريا إلى العراق مع مهربين في أعقاب الغزو الأمريكي.
سوى ما تحمله هاتان التجربتان من قيم صحفية مهنية واضحة بأسلوب أدبي أخاذ، فإنهما أيضًا، مجتمعتين، تلقيان ضوءًا ساطعًا على طريق فهم تطور حركة الجهاد العالمي التي وصلت بداعش إلى ما وصلت اليوم إليـه في خضـم ما يوصف بالربيع العربي. «منذ بداية قناة الجزيرة، استطاع هذا المحقق الصحفي المصري وحده ودون مساعدة من أحد، أن يكون رائدًا للصحافة الاستقصائية في العالم العربي. ألقت به تحقيقاته إلى أماكن مخيفة من العالم واعتُقل أكثر من مرة، لكنه دائمًا ما يعود». - هيو مايلز
«لقد كانت بحوزة صحفي في قناة الجزيرة معلومات أثمن مما كان بحوزة قوى أعظم دولة في العالم مجتمعة وحلفائها».
- رون ساسكيند
عرض وقراءة إسلام محمد في مقدمة كتابه الصادر عن دار الشروق المصرية، يذكر يسري فودة – صحفي التحقيقات الاستقصائية الأبرز في مصر والعالم العربي خلال العقد اﻷخير- أن الجزء اﻷول من عنوان كتابه مأخوذ عن أصل إنجليزي لكتاب مؤلفه هو مارتن بيل كبير مراسلي بي بي سي في أواسط التسعينيات، واﻹحالة إلى بيل تستدعي إلى ذهني صورة عراب المراسلين الحربيين في الشرق اﻷوسط، البوب كما يدعوه أصدقاؤه روبرت فيسك، وذكر فيسك يرتبط ولا شك ببن لادن، ذلك أن فيسك هو الصحفي الغربي الوحيد الذي التقى الشيخ أسامة ثلاث مرات، أسامة بن لادن من كان يومًا رأس تنظيم القاعدة موضوع كتاب فودة الذي نعود إليه اﻵن.
من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش ذلك هو الجزء الثاني المتمم لعنوان الكتاب، والحقيقة أن كثيرين ممن أعرفهم من القراء أصابتهم خيبة أمل من محتوى الكتاب، فالعنوان يوحي بأن المؤلف تبعًا لما يمتلكه من خبرة كبيرة وتجربة مهنية متميزة، سيطرح رؤيته ﻷسباب نشوء مثل هذه التنظيمات ذات اﻹسناد اﻹسلامي (التعبير للراحل الكريم الدكتور محمد السيد سعيد).
ويقدم إجابات مقنعة ﻷسئلة من نوع ما هي مصادر قوتها؟ ممن ومن أين يأتيها الدعم؟
ما المسوغات الفكرية والعملية لبقائها وتمددها؟
وأخيرًا ما مآلات مثل هذه التنظيمات في المدى القريب أو البعيد؟
لكن السيد فودة عمد إلى تقسيم كتابه إلى قسمين:
اﻷول بعنوان، الطريق إلى القاعدة يعيد فيه رواية أحداث تناولها بشكل مفصل في برنامجه الرائد سري للغاية، كيف اتصل به مسئولو القاعدة، ورتبوا معه لقاءً في كراتشي بباكستان، حيث تعرف إلى خالد شيخ محمد رئيس اللجنة العسكرية للتنظيم، ورمزي بن الشيبة المنسق العام لعملية الحادي عشر من سبتمير”غزوة مانهاتن”، وأخبروه برغبتهم في الكشف عن تفاصيل العملية وحقيقة منفذيها كنوع من الدعاية للتنظيم وإثبات نسبة العملية إليه، ومن ثم حفظ لحقوق من ماتوا من الشهداء “الانتحاريين، الإرهابيين” صنفهم كما ترى، وتداعيات ذلك صحفيًّا وسياسيًّا… إلخ.
ولا يبدو أن هناك جديدًا سوى ذكر فودة للقائه بأمير قطر شخصيًّا في مطعم صغير بلندن، حيث سأله اﻷخير عن شرائط الفيديو الخاصة باللقاء، أين هي؟ لمَ ليست معه؟ وكيف السبيل للحصول عليها؟… إلخ. ما دون ذلك حكي معاد، رغم ما به من إيقاع لاهث وجذاب قد لا يفيد إلا من يطلع على اﻷمر برمته للمرة اﻷولى.
الجزء الثاني وعنوانه العبور للمجهول، يعيد فيه الصحفي القدير سرد تفاصيل رحلة عبوره بشكل غير شرعي هو وصديق له يدعى عُدي وآخرين للحدود الفاصلة بين سوريا والعراق، بناءً على دعوة تلقاها للقاء أمير الجيش اﻹسلامي في العراق، أحد أبرز فصائل المقاومة ضد المحتل اﻷمريكي، والقيام بتصوير اﻹجراءات التحضيرية لعملية ميدانية للجيش، ومن ثم المشاركة فيها كمتابع وهو ما اعترض عليه فودة منذ البداية.
لا جديد هاهنا أيضًا فالقصة معروفة، وأحداثها رويت في البرنامج قبل ذلك، وربما تكون اﻹضافة ذكر تفاصيل احتجاز فودة ورفاقه في طريق العودة، حيث قرر فودة إلغاء المهمة وعدم مواصلة الرحلة الخطيرة إلى بغداد.
ومحاولة المخابرات السورية الضغط عليهم بوسائل متعددة بغية الحصول على معلومات تتعلق بطبيعة مهمتهم، والهدف الرئيسي من ورائها، ثم… ثم ينتهي الكتاب.
هل يجوز في هذه الحالة القول إن بعض القراء رأوا العنوان خادعًا لهم عن حقيقة المضمون، أم أن المؤلف كان دقيقًا حين اختار هذا العنوان.
وجهة النظرالأولى تدفع بأن إعادة إنتاج ذكريات المؤلف في قالب سردي وليس مرئيًّا كالمرة اﻷولى، وتزيين الكتاب بعنوان يحيل – في نظر أصحاب هذا الرأي- إلى تحليل شامل وعميق لظاهرة اﻹسلام الجهادي، أو لكيفية نشأة وتكوين وطبيعة توجهات جماعات السلفية الجهادية، ثم ينتهي بهم اﻷمر إلى قراءة ثرثرة سردية لا تقدم جديدًا، لهو أمر مؤسف وداعٍ للاستياء، فالمرجو من قلم فودة من قِبل محبيه وقرائه كان كبيرًا، ولكن رجاءً كهذا انتهى بهم تقريبًا إلى اللا شيء.
وجهة النظر الثانية تطرح فرضية أن معالجة المؤلف للموضوع، ترتكز على عرض للأحداث والتفاصيل، تاركة للقارئ تدبر ما بين السطور، وربط الحلقات المنفصلة ببعضها، واستقراء المنهج الحاكم لفكر الجماعات الجهادية على تنوعها، وتعدد دفوعها الفقهية والعملية التي تدعو أصحابها لاتخاذ العنف منهجًا، ومحاربة قوى الظلم والطغيان في ديارها، أو استدراجها لديار المسلمين كتوجه ثابت ودرب لا بديل عنه لنصرة الدين وإعلاء كلمة الحق.
وخلاصة اﻷمر ومؤدى الخلاف، أنك إن سلمت بصحة الرأي اﻷول، أو انحزت لوجه العملة الثاني ومنطقه المعاكس، فلن تنفي حقيقة أن اﻷستاذ يسري عرض في كتابه لمنعطفات حاسمة في مساره المهني، وأحداث تشكل جزءًا رئيسًا من مسيرته الصحفية المشرفة في نظر الكثيرين.
وأن حديثه الشيق والممتع بين دفتي الكتاب، ورغم تركيزه ظاهريًّا على شخصيات التقاها وحوارات أجراها، لم يكن في جملته إلا استعادة لبعض مما تنوء به حقيبة صاحب برنامج “سري للغاية” من ذكريات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق