الجمعة، 6 مارس 2015

هذه ليست مصر يا جنرال

هذه ليست مصر يا جنرال


بشير البكر

شاعر وكاتب سوري


مصر التي يفصلها الرئيس عبد الفتاح السيسي على مقاسه ليست مصر المصريين، ولا العرب، لا في الجغرافيا ولا في التاريخ، بل هي شطحة خيال مريض، لرجل استبد به الغرور وأعمته القوة العسكرية. 
لا يجد المرء حرجاً في أن يبدأ كلامه من الختام، حين يتعلق الأمر بمخاطبة بعض الناس الذين يصرون، كل يوم، على إهانة الوطن ومحاولة الحط من الوطنية والوطنيين.
أولئك الذين لا يفوتون فرصة من أجل الدوس على قضايا الأمة العربية الكبرى، وفي مقدمتها قضية شعب فلسطين التي لا تسقط بالتقادم والمؤامرات، لأن أهلها أحياء يقاومون بشرف وبطولة. 
والكلام موجه هنا لجنرال مصر الألمعي عبد الفتاح السيسي الذي أفلس داخلياً فلم يجد أمامه مخرجاً لتسويق نفسه سوى إعلان المقاومة الفلسطينية حركة إرهابية.
ظن السيسي أن العالم سوف يصدقه بأن وضع حركة حماس على لائحة المنظمات الإرهابية نابع من خلفية الحركة الإخوانية، وبما أنه يناصب الإخوان المسلمين العداء، فإن تجريم حماس سوف يمر في صورة عادية. 
إذا كان الإخوان المسلمون تحولوا بالنسبة للسيسي إلى متلازمة مرضية، فهذا شأنه، وحتى في هذه الحالة يمكن تفهم الأمر، لكن تنكيله المتواصل بهم لن يمر من دون أن يجعلوه يدفع الثمن، والبادئ أظلم، فهو الذي تآمر عليهم وقتلهم وسجنهم وشردهم، وهم ليسوا في وارد التحول إلى خراف في مزرعة السيسي، بل من حقهم الدفاع عن أنفسهم كبشر وأبناء بلد وأصحاب حق في العمل السياسي، ومصر ليست حكراً خاصاً على السيسي والمجلس العسكري وحفنة من الإعلاميين المطبلين، حتى يوافق العالم على طرد الإخوان منها، لكي ينام السيسي بسلام قرير العين هانيها. 
ولنفترض أن قرار السيسي وضع حماس على لائحة المنظمات الإرهابية صائب، أليس من حقنا أن يقدم لنا جردة بالعمليات الإرهابية التي ارتكبتها الحركة ضد مصر والمصريين، وعلى حد علم العالم كله، لم تقدم أجهزة السيسي كشف حساب حول هذا القضية، حتى يصدقها الرأي العام ويقف معها، لأن أمن مصر مسألة تخص العرب، وهذا أحد أسباب الخلاف مع السيسي ونظامه الذي حوّل مصر، بين عشية وضحاها، إلى حظيرة للخوف والرعب والقتل. 
والملاحظ أن الجهازين الوحيدين اللذين يعملان بهمة ونشاط في مصر هما المحاكم والأمن، حتى باتت مصر صورة عن تونس، في بدايات نظام زين العابدين بن علي، وحتى في عز ديكتاتورية الأنظمة السابقة، لم يكن المصري يلتفت وراءه، حين يتحدث في الشأن السياسي.
وهذه ليست سوى البداية على ما يبدو، وإذا كان السيسي سيحكم مصر لولايتين رئاسيتين بهذه الأساليب، فعلى مصر السلام، لأنها ستصبح دولة مخابرات بامتياز. 
ليس العتب على السيسي، لأنه رجل غريق يبحث عن مخرج، ظناً منه إن إعلان حماس منظمة إرهابية سوف ينجد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بل إن قسطاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس الذي لم يصدر عنه أي موقف أو رد فعل تجاه القرار، ولا شك أن صمته يشكل غطاء للسيسي. 
وهنا تكتمل أركان العملية لحصار المقاومة بين السيسي ونتنياهو وعباس، لكي تصبح المنطقة ممهدة للعب بحرية. 
ومن يتأمل أمر عباس وسلطته يصاب بالذهول، لأنه يرمي من يده ورقة المقاومة، وهو في أمس الحاجة إليها في ظرفٍ يفرض عليه الإسرائيليون حصاراً، قد يكون خاتمة نهايته، فبدلاً من أن يقف مع جزء من شعبه، نراه يتخلى عنه، ويتركه يواجه العزلة والحصار من طرف نظام لا يشكل كارثة على مصر فحسب، بل على فلسطين وأهلها الذين يواجهون منفردين عدوانية إسرائيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق