“الزنانة” الإسرائيلية في سيناء: تنسيق أمني أم خرق لسيادة مصر؟
عادل القاضي – التقرير
“عاجل: مقتل امرأة وإصابة 2 جراء قصف الزنانة“.. “عاجل: الزنانة فوق مطار العريش“.. “عاجل: أنباء عن إطلاق صاروخين آخرين من الزنانة الإسرائيلية جنوب الشيخ زويد وحالة من القلق بين الأهالي“.. “عاجل: مصادر قبلية تؤكد أن الطائرة الزنانة تقصف صاروخها الثاني على الأراضي المصرية في مكان قريب من مكان ضربها للصاروخ الأول بجنوب رفح في غياب تام للأجهزة المصرية والقوات المسلحة المصرية “… إلخ.
هذه عينة من الأخبار شبه اليومية التي باتت تنشرها مواقع إنترنت تصدر من نشطاء وصحفيين في سيناء مؤخرا عن أنشطة عسكرية إسرائيلية تجري على أرض سيناء وتستهدف أشخاصا ومنازل ومنشآت، دون أن يصدر أي بيان مصري يؤكد أو ينفي هذه الأنباء التي تؤكدها الصحف الإسرائيلية أحيانا، وتتحدث عن تنسيق أمني هو الأكبر من نوعه بين القاهرة وتل أبيب لضرب الجهاديين في سيناء.
أنباء القصف الإسرائيلي ليست جديدة، وهي بدأت منذ اليوم الأول لتولي الفريق أول عبد الفتاح السيسي قيادة مصر عقب انقلاب 3 يوليو 2013، وقتل بموجها الكثير من أعضاء تنظيم “بيت المقدس” الذي تحول إلى “ولاية سيناء” لاحقا، وبسببها نشر التنظيم فيديوهات لاعترافات بعض أهالي سيناء بتجسسهم لصالح المخابرات الإسرائيلية ووضع شرائط محمول إسرائيلية قرب أهداف قصفتها “الزنانة“، ولكن القاهرة كانت تنفيها؛ بينما يؤكدها أهالي ومشايخ سيناء واعترافات الجواسيس قبل قطع رقابهم.
الأن أصبحت هذه الأنباء عن استهداف “الزنانة” لأهداف في سيناء، تنتشر بصورة عادية على مواقع سيناء، دون أي نفي أو تفسير رسمي مصري، سوى تبرع بعض الصحف بالحديث عن وجود طائرات مصرية بدون طيار أيضا في سيناء، لنفي أن تكون الطائرات التي تقصف إسرائيلية، ما أثار تساؤلات حول: هل هذا القصف الذي تقوم به إسرائيل -بحسب المصادر القبلية- هو جزء من التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي، أم أنه خرق لسيادة مصر تتغاضى عنه القاهرة طالما أنه يصب في مصلحتها؟
ما هي الزنانة؟
هي طائرة بدون طيار تابعة للدفاع الجوي الإسرائيلي يستخدمها لمهام خاصة، ولا تكاد ترى بالعين، ولها صوت مميز خاص من خلاله يعرف الأهالي أنها موجودة، ويسميها الفلسطينيون الذين ذاقوا ويلاتها في غزة بـ”الموت القادم من السماء“.
وتمتلك هذه الطائرات كاميرات تصور بدقة عالية، وتحمل في جعبتها أربعة صواريخ، ولكنها لا تستطيع العمل وإصابة الأهداف بدون جواسيس على الأرض، حيث يلقي الجاسوس شريحة خاصة بالطائرة في الأماكن المستهدفة فتضربها الطائرة، وبدون الشرائح والجواسيس تصبح أهدافها عشوائية.
فهي تستطيع رؤية الأفراد والسيارات ولكنها لا تستطيع تمييزهم عن غيرهم إلا بالشرائح والجواسيس، وتستطيع إصابة الهدف بدقة عالية إذا كان يحمل جوالا أو تليفونا محمولا، كلما كانت الأماكن المستهدفة مزدحمة كان الأمر سهلا على الجواسيس.
وهناك طرق للتخفي منها ينشرها أهالي سيناء وغزة على اليوتيوب منها غمر الشخص المستهدف نفسه بالماء؛ لأنه يقال إنها لا تميز الأشياء المبللة.
ويقول أهالي سيناء إن للزنانة أثارا لا يدركها إلا من كان من أهل رفح والشيخ زويد بشمال سيناء منها بحسب موقع “سيناء العز“:
* نفذت الزنانة على مدار شهور منذ بدأت التحليق في سماء جنوب الشيخ زويد ورفح حتي الآن ما يزيد على خمسة عشر طلعة جوية في كل طلعة تقصف 4 صواريخ؛ أي ما يزيد على 60 صاروخا في قرى جنوب الشيخ زويد ورفح.
* بلغ عدد ضحايا هذه الصواريخ حتى اللحظة 30 شهيدا معروفين بالاسم ما بين رجال ونساء وأطفال وعجائز وهناك من الشهداء ما لم يصل إلينا خبرهم.
* قصفت الزنانة العشرات من المنازل الآمنة والعشش التي يسكنها الفقراء دمرتها.
* إن الزنانة خطرها وأثرها الأكبر هو في إثارة الرعب بين الناس.
* كثير من الأطفال أصيبوا بحالات نفسية وتبول لا إرادي وبعضهم يبدأ يرجع كل ما في جوفه بمجرد وجود الزنانة في السماء ناهيك عن الصراخ والعويل.
* أحد الأطفال كان يصاب بحالة إغماء بمجرد وجود الزنانة، وبعد أن قصفت بيتهم الزنانة استشهد.
* يوم 19 نوفمبر عام 2014 قامت الطائرة الزنانة بقصف منزل المواطن أحمد أبو فريج ولقي 14 فردا من أسرته مصرعهم.
* قالت الصحافية السيناوية “منى الزملوط” على صفحتها بالفيس بوك إن الطفلة “أحلام سليمان عطا” البالغة من العمر 9 سنوات كانت آخر ضحايا الزنانة حيث لقيت مصرعها الجمعة 27 فبراير الماضي وأصيبت شقيقتها 7 سنوات بعد قصف منزلهم بصاروخ أطلقته طائرة بدون طيار جنوب منطقة الماسورة برفح.
وقد نشر حساب ولاية سيناء على تويتر تقريرا مصورا قال إنه “لعمليات قصف الجيش المصري بالتحالف مع الكيان الصهيوني لمنازل المدنيين بشمال سيناء” تتضمن نتائج قسم الأباتشي والزنانة، التي قيل إنها حلقت في سماء رفح والشيخ زويد وجنوب رفح المصرية.
زنانة مصرية
وبعد أن كانت مصر تنفي قصف طائرات إسرائيل لأهداف في سيناء، وتقول مصادر أمنية بصورة غير رسمية إن مصر هي التي تقوم بالقصف لا إسرائيل، بدأت صحف مصرية تنشر أنباء عن اقتناء مصر طائرات بدون طيار (زنانة) قالت إنها هي التي تقصف “الإرهابيين” ، وهو ما ينفيه أهالي سينا.
حيث قال مصدر أمني بمحافظة شمال سيناء، عقب القصف الأخير فبراير الماضي إن: “الطائرة الزنانة بدأت تعود بعد غياب طويل مرة أخرى، وتظهر في الحملات الأمنية التي تشنها قوات الجيش على البؤر الإرهابية في سيناء مع تولي الفريق أركان حرب أسامة عسكر القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة“.
وأوضح المصدر -في تصريحات نشرتها صحيفة مصرية مغمورة- أن طائرتين “زنانة” شاركتا في العمليات العسكرية جنوبي الشيخ زويد ورفح فبراير الماضي، “وتمكنتا من تحقيق نتائج طيبة للغاية، وأصابت الجماعات والعناصر التكفيرية بحالة من الارتباك والذعر لما تتمتع به مثل هذا الطائرات من إمكانيات هائلة“، دون أن يوضح متي حصلت مصر على هذه الطائرات. وعقّب نشطاء على ذلك بالقول إنهم لا يستبعدون أن تكون إسرائيل أمدت مصر ببعض هذه الطائرات التي تتفوق في إنتاجها.
وقال المصدر إن الطائرة الزنانة مزودة بنظام صواريخ “جو أرض” القادر على إصابة الهدف بدقة، وتحمل 4 صواريخ صغيرة الحجم، ومزودة بآشعة فوق الحمراء وأجهزة للرؤية متطورة وواضحة جدا، تستطيع تقريب الصورة إلى مسافات قريبة، وأثناء الليل تقوم بتصوير الشخص عن طريق الاستشعار الحراري، فيظهر جسم الهدف المراد استهدافه بشكل واضح للغاية لذلك تكون نسبة إصابة الهدف 100%.
أيضا، سعت جريدة “الوطن” الخاصة المؤيدة للسلطة لنشر أنباء عن استخدام القوات المصرية الطائرة “الزنانة” في بعض العمليات الحربية ضد الإرهاب في سيناء، وعرضت 6 معلومات عن “الزنانة“، دون أن تحدد من أين حصلت عليها مصر، وكان ملفتا قولها إن هذه الطائرات “صنعت في البداية بغرض التجسس، واستخدمتها إسرائيل في استطلاع الجبهة المصرية في حرب 73“، وتتمكن من الطيران 23 ساعة كحد أدنى، ولا تصل إلى 48 ساعة.
تأكيدات على التنسيق الأمني
ومقابل ما تقوله صحف مصر عن أنها طائرات مصرية لا إسرائيلية، يبدو من شواهد الواقع، أن إسرائيل دخلت على الخط مع الجيش المصري في محاربة الجماعات الإرهابية في سيناء، ولكن دون إعلان رسمي، وربما بموجب اتفاق ضمني يدخل في التنسيق الأمني المشترك الذي أكدته إسرائيل مررا، بحيث توجه إسرائيل بموجبه ضربات للجماعات المسلحة عندما تقترب من الحدود، مستفيدة من وجود خلايا تجسس إسرائيلية في سيناء على أن تتبني مصر مسؤوليتها إعلاميا، وبذلك يبتعد الطرفان عن التوترات السياسية.
هناك وقائع تثبت بالأدلة القاطعة تنفيذ إسرائيل لعدة عمليات في سيناء، من أبرزها اغتيال إبراهيم عويضة، المسؤول عن مهاجمة حافلة جنود داخل الأراضي الإسرائيلية في إيلات، والتي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين في 18 أغسطس 2011.
حيث تم اغتيال عويضة بطائرة بدون طيار إسرائيلية في أغسطس 2012، بمساعدة خلية تجسس مصرية تعمل لصالح إسرائيل، حيث تم الاستعانة بجهودهم في وضع عبوات إلكترونية بالقرب من منزله بمنطقة خريزة الحدودية بوسط سيناء، وفقا لاعترافات بالفيديو لقائد الخلية، نشرتها جماعة أنصار بيت المقدس على شبكة الإنترنت، بعد إعدامه ذبحا.
وقد زعم وقتها أحد أقارب عويضة، من قبيلة البريكات أن: “المخابرات الإسرائيلية أمدت نظيرتها في مصر، أدلة تفيد تورط عويضة في مهاجمة الأراضي الإسرائيلية، ما دعا المخابرات المصرية لاعتقاله والتحقيق معه حول هذه الاتهامات التي نفاها وترتب عليه الإفراج عنه لعدم إثبات الأدلة“.
وفي أبريل 2013، أعلنت الحكومة المصرية عن كشف خلية تجسس كبرى، اشتهرت إعلاميا باسم “جواسيس عوفاديا“، وبحسب اعترافات عناصر الخلية، فإن الموساد الإسرائيلي جندهم لنقل معلومات عن نشاط العناصر المسلحة في سيناء وشبكات تجارة الأسلحة، والعناصر التي تؤمن بمهاجمة إسرائيل.
ووفقا لتحقيقات المخابرات المصرية مع عناصر الخلية المقبوض عليهم، أن عناصر الخلية سهلوا العديد من عمليات اغتيال عناصر من بدو سيناء، عن طريق زرع شرائح إلكترونية في مواقع تواجدهم.
ومن ضمن شواهد تدخلات إسرائيل في سيناء، ما حدث في 18 أغسطس 2011، عندما اخترقت الطائرات الإسرائيلية الأجواء المصرية وقصف نقطة حرس حدود راح ضحيتها 5 عناصر من القوات المصرية، كرد فعل على تسلل عناصر من أنصار بيت المقدس وتنفيذهم عملية إيلات التي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين.
الأمر الذي واجهته السلطات المصرية بالإعراب عن احتجاجها والمطالبة باعتذار، في حين اندلعت موجات غضب شعبية في القاهرة واقتحام السفارة الإسرائيلية.
وفي الثالث والعشرون من شهر يوليو 2014، تكرر نفس الأمر، ودار وقتها جدل في وسائل الإعلام، حول تدخل طائرات بدون طيار إسرائيلية في قصف دقيق للغاية لمجموعة مصرية، كانت تستعد لإطلاق صواريخ من سيناء باتجاه إسرائيل، ولكن المصادر المصرية نفت؛ بيد أن الشواهد على أرض الواقع تؤكد بتدخلات إسرائيلية في المنطقة المصرية بحسب أهالي سيناء.
وبحسب شهود عيان لمراسل موقع “المونيتور” الأمريكي في سيناء، في أغسطس الماضي، قصفت طائرة بدون طيار سيارة من طراز “هونداي فيرنا“، في 23 يوليو في منطقة المقاطعة جنوب رفح، الواقعة على قرابة 5 كيلو مترات على الحدود الإسرائيلية.
وقال أبو سلامة السواركة، الذي شاهد الواقعة عن قرب، لـ”المونيتور“: “فوجئنا بزنانة إسرائيلية تقترب من المنطقة وتقصف سيارة فيرنا رصاصية اللون، بشكل دقيق للغاية، وبعد الاقتراب من السيارة وجدنا فيها أشلاء لثلاث عناصر من أبناء القبائل المحيطة“.
ويتابع السواركة: “فحصنا السيارة وعثرنا على بقايا صواريخ كانت بحوزتهم، وكذلك معروف انتماء هذه العناصر للجماعات المسلحة“.
وقد نفت الحكومة المصرية صحة ما قاله شهود العيان، وتبنت مسؤوليتها عن استهداف العناصر الإرهابية، في حين أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس في بيان لها، قيام إسرائيل باستهداف عناصرها.
وقالت الجماعة في بيانها: “نزف إلى أمتنا المسلمة وإلى أهلنا في غزة وإلى قبائل سيناء الأبية نبأ استشهاد ثلة من مجاهدينا، حيث تم قصف سيارتهم بطائرة إسرائيلية بدون طيار، وذلك بعد تكرار مجاهدينا دك المغتصبات اليهودية بالصواريخ خلال حرب غزة“، وتوعدت الجماعة في بيانها مواصلة استهداف إسرائيل.
وقد أكد أحد شيوخ المنطقة المقربين من الأجهزة المخابراتية المصرية، لـ “المونيتور” أن: “الأجهزة الأمنية المصرية في سيناء لم تعرف شيئا عن الحادث إلا بعد أن انتشر الخبر عبر وسائل الإعلام نقلا عن شهود عيان“.
وأضاف الشيخ، الذي رفض الإفصاح عن اسمه: “هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل إسرائيل في سيناء، فقد عرضت إسرائيل على الحكومة المصرية قائمة بأسماء بعض الإرهابيين التي تقول بأنهم هاجموا إسرائيل من سيناء، وعندما لم تهتم الحكومة المصرية تدخلت واغتالت بعضهم داخل سيناء“.
أيضا قال “أبو يوسف البريكات“، وهو راعي أغنام في منطقة خريزة بوسط سيناء، الواقعة على بعد كيلو متر من الحدود الإسرائيلية: “بنشوف الطائرات الإسرائيلية بتدخل الأراضي المصرية وبتطلق النار في اتجاه أي شيء يتحرك داخل حدودنا، وعندنا ناس أصيبت وهي ترعى الأغنام في المنطقة“.
وبرر “محمد الارميلي“، عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل من قبل مسلحي بيت المقدس بأنها: “لا تستغرق سوى دقائق، والطائرات الإسرائيلية تحلق بكثافة فوق الشريط الحدودي مباشرة على مدار الساعة، في حين أن الطائرات المصرية، ستستغرق للوصول إلى المنطقة أكثر من ساعة“، لهذا تضربهم إسرائيل أولا.
خرق للسيادة المصرية
وقد اعتبر خبراء عسكريون ونشطاء الغارات الإسرائيلية على سيناء ضربة للسيادة الوطنية وانتقاصًا لها، ووصفها اللواء جمال مظلوم بأنها “تعد انتقاصًا من السيادة الوطنية المصرية“، وشدد، في تعليقه علي هجمات سابقة، على أنه: “لا يجب السكوت علي هذا الفعل ومن الخطأ أن يتأخر الجيش في إصدار أية بيانات متعلقة بهذه الهجمات“.
كان عسكريون وسفراء إسرائيليون أكدوا وجود تعاون أمني بين القاهرة وتل أبيب للقضاء على المسلحين في سيناء، وفي 8 يوليو 2013 نشر موقع ديبكا الاستخباراتي الإسرائيلي تقريرا عن أن مصر وإسرائيل تدرسان تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد المسلحين في سيناء، واقترحت أن يقوم جيشها بالقضاء على مسلحين سلفيين بعدة قطاعات في سيناء.
وقد أشار موقع صحيفة هآرتس يوم 11 أغسطس 2013 إلى اتفاق ثلاثي أُبرم بعد وقوع الانقلاب في القاهرة بشهور، ويتعلق بتفاهمات سرية بين القاهرة وتل أبيب ورام الله، تلك التفاهمات تدور حول تنسيق أمني مشترك بين تلك الأطراف، في مواجهة ثورة الشعبين المصري والفلسطيني.
وسبق وخاطب نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، داني دانون، السلطات المصرية بضرورة حفظ أمن الحدود في سيناء، مهدداً بان بلاده ستحاسب من يخطط لتنفيذ اعتداءات ضد إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق