سر تراجع بريطانيا عن إصدار تقرير “الإخوان” للمرة الخامسة
هل تراجُع الضغوط السعودية سمح بصدور تقرير متوازن؟
ولماذا سربت لندن التقرير لصحفها ثم أجلت إعلانه؟
عادل القاضي – التقرير
رُغم أن تحقيقات اللجنة التي أوكلت لها الحكومة البريطانية التحقق من نشاطات جماعة الإخوان في بريطانيا، وهل هي إرهابية أم لا، انتهت منذ أواخر العام الماضي 2014، فقد جاء إعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، تأجيل إعلان نتائج التحقيقات في اللحظات الأخيرة، وللمرة الخامسة في غضون عام، أمام البرلمان البريطاني، أمس الإثنين ليثير علامات استفهام وتعجب كثيرة.وجاء تسريب تفاصيل التقرير -بما يفيد أنه خلص لعدم إدانة الإخوان بالإرهاب- لصحف لندن، ونشرت صحيفة “الاندبندنت” تفاصيل التقرير كاملة، ليطرح تساؤلات أخرى أكبر وأعمق عن سر التأجيل وسر التسريب معا.
وعلى غرار شائعات وفاة بوتين أم لا، الذي ظهر أمس ليسخر من شائعات وفاته وانقلاب جنرالاته عليه، انتشرت عشرات التفسيرات لتأجيل التقرير تارة، ولتسريب ما جاء في التقرير تارة أخرى.
أسرار التأجيل
الذين تحدثوا عن أسرار التأجيل، انقسموا لفريقين:
(الأول) المعادي للإخوان، رجح أن التأجيل الجديد يرجع إما “إلى الخوف من رد الفعل السعودي والإماراتي في حال إصدار التقرير بالنتائج التي أعلنت عنها صحيفة “الإندبندنت” والتي أظهرت تبرئة التقرير لجماعة الإخوان المسلمين من تهمة الإرهاب“، وإما أن قطر وتركيا تدخلا بوساطة لعدم إدانة الاخوان، وشككوا في تبرئة التقرير للإخوان بحسب “الإندبندانت”.
وفي هذا الصدد قالت صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير كتبه “جورج باركر“، المحرر السياسي للصحيفة أمس الأحد، إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تدخل في اللحظات الأخيرة لوقف نشر تقرير مراجعة أنشطة الإخوان، “بسبب مخاوف من توتر العلاقات مع مصر والسعودية“، وأكدت أن التقرير لن ينشر إلا بعد اعتماد استراتيجية مكافحة الإرهاب الجديدة في بريطانيا.
كما أوضح وزير الخارجية البريطاني السابق السير “مالكوم ريفكيند” أن: “تأجيل نشر التقرير يرجع إلى مشكلات دبلوماسية تحيط بالنتائج“، وقال: “لدينا عدد كبير من الدول الصديقة التي تعارض بشدة الإخوان، وأخرى تتبنى وجهة النظر المضادة وتدعم الجماعة، وأن هناك بعض الاعتبارات المعقدة التي أدت إلى الأخذ بهذا الأمر في الحسبان، التي اتخذت في سير التحقيقات“.
كما استند مؤيدو هذا الرأي لما قاله الدكتور “لورنيزو فيدينون” الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في الغرب، والذي ساهم في تقرير الحكومة البريطانية: “إن نتائج التقرير لم تكن مفاجأة بالنسبة له، لكون الحكومة لا تريد تضخيم الأمر بسبب الاعتبارات السياسية، وخاصة أن قطر تدعم حكومة كاميرون بطرق مختلفة، ومارست ضغوطا على لندن للوصول إلى هذه النتيجة بهدف تبرئة الجماعة التي تحظى بدعمها“.
وما قالته فايننشال تايمز أيضا من أن “قطر وقعت للتو اتفاقا لتقاسم المعلومات الاستخباراتية مع المملكة المتحدة“، ولم يرغب كاميرون في إغضابها بالتالي.
أما الفريق (الثاني) المؤيد للإخوان، فرجح أن يكون التأجيل، بسبب أن التقرير لم يأت على هوى الحكومة، أو لتخفيف الضغوط الخليجية علي لندن المطالبة بإدانة الاخوان بعد وفاة الملك السعودي عبد الله، أو لنجاح صحف بريطانيا في الحصول على تفاصيل التقارير بما قوض مصداقية رئيس الحكومة فرأى التأجيل، أو لعدم إحراج الحكومة البريطانية التي هدد فريق محامي الإخوان بمقاضاتها بعد الحديث عن محاولات للتأثير على التقرير أو وضع أسباب سياسية لا قانونية.
وفي هذا الصدد قال الدكتور عزام التميمي القيادي الإخواني المقيم ببريطانيا أن “تأخير الإعلان عن نتائج التقرير لأنه جاء على غير هوى رئيس الوزراء البريطاني والدول التي طلبت التقرير“، لافتا إلى أن “كاميرون” أراد تشويه الإخوان بصورة أخرى، وهو ما واجهه الإخوان بالتهديد بمقاضاته أمام المحاكم البريطانية إذا قام بتشويه الجماعة دون دليل.
وقال التميمي على حسابه بتويتر: “سألني أحد السياسيين والمحللين البريطانيين عما إذا كانت مثل هذه النتيجة (تبرئة الإخوان) ستمثل تناقضا مع الدعم العلني الذي أعلنت عنه الحكومة البريطانية لنظام السيسي، وخاصة في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، فقلت: “بإمكان الحكومة البريطانية تبرير دعمها لنظام السيسي باسم المصلحة ولكن لا يمكنها تبرير اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب إذا كانت لا تملك تقديم دليل على ذلك“.
وأضاف: “أخشى ما تخشاه الحكومة البريطانية إن افترت ما ليس لها به علم أن تتورط في معركة قضائية لها أول وليس لها آخر، وقد تبدأ في محاكم بريطانيا وتنتهي في المحكمة الأوروبية العليا إذا اقتضى الأمر، مع ملاحظة أن القضاء البريطاني ليس كقضاء الأنظمة العربية المستبدة ولا كقضاء الانقلابين في مصر، يتلقى تعليمات فيصدر الأحكام التي يريدها الدكتاتور، ويمكن أن تجد الحكومة البريطانية نفسها في ورطة إذا افترت على أحد دون أن تثبت ادعاءاتها عليه، ولقد هدد الإخوان المسلمون فعلا بمقاضاة الحكومة البريطانية في محاكم بريطانيا إذا ما تعمدت الحكومة تشويه سمعة الإخوان والإساءة إليهم“.
وقال: “يمكن أن يتفهم الرأي العام البريطاني أن لبريطانيا مصلحة في دعم النظام الحالي في مصر أملا في تحقيق الاستقرار وجني فوائد اقتصادية من ذلك، ولكن لا يمكن أن يقبل بأن تدعي الحكومة ضد أي طرف دون أن تقدم الدليل الدامع على ادعاءاتها، ونحن الآن مقبلون على انتخابات في 7 مايو المقبل، وستكون الحكومة في غاية الحذر لأن أي حسبة خاطئة يمكن أن تكلف التحالف الحاكم خسارة مجلجلة في الاقتراع الذي سيجري بعد شهرين من الآن“.
أيضا أكد القيادي في الجماعة يحيى حامد لبرنامج “نيوز نايت” الإخباري الشهير الذي تبثه قناة “بي بي سي2″، أن: “الجماعة سوف تقاضي حكومة كاميرون في حال أعلنت ما يتضمن إساءات أو تشويهًا لسمعة الجماعة“.
وربما لهذا قرر كاميرون تأجيل إعلان نتائج التحقيقات في اللحظات الأخيرة، قبيل الموعد المحدد لذلك وبعد دعوة الصحفيين، دون أن يعلن أي أسباب لذلك، ولتكون هذه المرة هي الخامسة التي يتم فيها تأجيل الإعلان رغم أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن التحقيقات انتهت منذ أواخر العام الماضي، وخلصت إلى أن جماعة الإخوان ليست منظمة إرهابية، ولن يتم ملاحقتها قانونيا في بريطانيا.
فيما قال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن “التأجيل ينطوي على سابقة قانونية بأن الأطراف المعنية يمكنها مراجعة التحقيقات في صميم أنشطتها قبل صدور التقرير الخاص بها“.
تراجع الضغوط الخليجية
عندما قرر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، فتح تحقيق حول جماعة الإخوان في وقت سابق من العام الماضي، قيل إن هذا جاء بضغط مصري وسعودي على الحكومة البريطانية للسير على خطاهما في اعتبار الإخوان جماعة الإرهابية، وأن السعودية ضغطت بوقف صفقات طائرات وأسلحة، وقال، ديفيد هيرست إن “الإمارات ضغطت بشدة لتعلن بريطانيا حماس والإخوان منظمات ارهابية ولم تستجب بريطانيا لهذه الضغوط“.
وعقب وفاة الملك عبد الله الذي تردد أنه لعب دورا في الضغط على لندن، وتغير أولويات المملكة السياسية مع مجيء الملك الجديد سلمان، وتراجع الضغوط على بريطانيا، عادت التحليلات لترجح أن يكون أحد أسباب عدم إدانة التقرير للإخوان، بحسب ما سربته صحف لندن، هو تحرر أعضاء لجنة التحقيق برئاسة جون جينكينز السفير البريطاني في السعودية من الضغوط الخليجية، ومن ثم إصدارهم تقريرا محايدا.
وتأكيدهم أن لندن، ارتأت تأجيل إعلان تقريرها الرسمي مرة خامسة، مكتفية بالتسريب كي لا تدخل في صراعات مع الامارات التي كانت تنتظر إدانة الإخوان، ولعدم افساد مشاريع مع الإمارات، خاصة أن وفدا إماراتيا كان يزور لندن يوم إعلان التقرير المؤجل.
وقالت مصادر غربية أن “التسريبات كلها تؤكد أن التقرير البريطاني لا يصنف الإخوان إرهابيين، ولهذا تدخلت السعودية في البداية لتأجيل نشره أيام الملك عبد الله واليوم تأجل مرة أخرى مراعاة لحساسيات سياسية“.
ويذكر أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، كان قد فتح تحقيقًا حول جماعة الإخوان في وقت سابق من العام الماضي، بعد ضغط مصري وسعودي على الحكومة البريطانية للسير على خطاهما في اعتبار الإخوان جماعة الإرهابية؛ حيث قالت الدولتان: إن الإخوان تتخذ من لندن قاعدة للأنشطة الدولية للجماعة لسنوات طويلة.
الإندبندنت: ليسوا إرهابيين
وكانت صحيفة “الإندبندنت البريطانية” قد نشرت ما قالت إنه النتائج النهائية لتقرير الحكومة البريطانية الخاص بمراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين؛ وقالت إنه برأ الجماعة من تهمة الإرهاب، ليأتي هذا القرار على خلاف ما تتمناه السلطات المصرية، التي طالبت بريطانيا منذ عام بحظر الجماعة واعتبارها إرهابية.
وقالت الصحيفة في تقرير لها، بعنوان: ” الإخوان المسلمون: تقرير الحكومة يخلص لأنه لا ينبغي أن تصنف كمنظمة إرهابية”: “إن التحقيق الذي تم تحت إشراف جون جينكينز السفير البريطاني السابق في السعودية، أقر بأن جماعة الإخوان لا ينبغي أن تكون جماعة محظورة، وأنها ليست منظمة إرهابية“.
وأشارت الصحيفة إلى أن “التحقيق سيحث أيضا الجماعة على أن تكون أكثر وضوحًا وشفافية بشأن صلتها بالمنظمات التابعة لها، ومنها المساجد والجمعيات الخيرية“.
وأضافت: “من المعلوم أن التحقيق انتهى إلى أنه لا ينبغي حظر الإخوان كمنظمة إرهابية، لكن ينتظر أن يحث الجماعة على اتخاذ موقف أكثر شفافية بشأن صلاتها مع بعض المنظمات التابعة لها والتي تتضمن مساجد وجمعيات خيرية“.
وشكلت الحكومة البريطانية، في أبريل الماضي لجنة السير جون جنكينز، السفير البريطاني لدى المملكة السعودية، لإعداد تقرير عن أنشطة جماعة الإخوان في بريطانيا وعلاقتها بالتطرف، حيث تجول جينكيز، خلال الشهرين الأولين في عدد من العواصم التي تشهد نشاطًا للإخوان، كما التقى العديد من قياداتها.
مشابه للموقف الأمريكي
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها دولة كبيرة عن رفضها لاعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ففي ديسمبر الماضي، أعلن البيت الأبيض رفضه لعريضة قدمت له من قبل أنصار السلطات المصرية الحالية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية.
وقال البيت الأبيض على موقعه الرسمي: “لم نر دليلا ملموسا على تخلي جماعة الإخوان المسلمين عن تاريخهم الطويل في التزام سياسة اللاعنف، الولايات المتحدة لا تتسامح مع أي عنف سياسي، وتواصل ممارسة ضغوطها على أي طرف لممارسة السياسة بشكل سلمى، الولايات المتحدة ملتزمة بمحاربة الجماعات الإرهابية التي تمثل تهديدا عليها أو على حلفائها“.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق