العالم.. ومتلازمة بني أمية
منذ الأيام الأولى للثورة الشامية حسم الروس موقفهم بالاصطفاف إلى جانب الطاغية، ولم يتمكن وزير خارجية روسيا الثعلب لافروف من إخفاء مشاعره حين قال لا يمكن القبول بأن يحكم السنة دمشق، وفصلت هذه المخاوف أكثر مراكز الدراسات الغربية والروسية من أن الثورة الشامية في حال انتصارها ستنداح صوب إيران ثم إلى القوقاز وروسيا لتصل إلى الصين نفسها، تلك المخاوف بدأ بعض الساسة الغربيين بعكسها أخيراً حين أعلن عضو مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد بلاك عن ولاية فرجينيا من أن سقوط دمشق سيكون مقدمة لسقوط أوروبا كلها.
نجح ساسة الغرب والشرق في الحديث بشكل مباشر عن هذه المتلازمة ولكن كما قال ابن القيم الجوزية: «السياق من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم» وسياقات القول والفعل الغربية والشرقية في الصد ومحاربة هذه الثورة الشامية تؤكد هذا المراد وهو مرض متلازمة بني أمية.
كل هذه التصريحات والمخاوف تفسرها هذه المتلازمة، تلك الخلافة الأموية التي حكمت حتى الأندلس، ولذا نرى الغرب والشرق يقفان صفاً واحداً لحرمان الشعب السوري من انتصاره على الرغم من كل التضحيات التي قدمها، ولا يزال يقدمها، مع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أُحرج غير مرة بتخطي الطاغية وأسياده وعملائه لخطوط حمراء رسمها كان من بينها الكيماوي، ولم تشفع تهديدات وتوعدات الغرب لنظام الطاغية من مغبة تكرار استخدامه الكيماوي مجددا فاستخدمه بالريف الإدلبي أخيراً، مصداقاً لما قيل «الوعود وُجدت لتُنكث».
متلازمة بني أمية التي تُلاحق وتطارد الغرب والشرق مع إيران ضاربة بجذورها التاريخية وممتدة حتى اليوم أيضاً، لكنها لم تعد متلازمة واحدة وإنما متلازمات منها متلازمة بني العباس في بغداد الرشيد وكذلك متلازمة بني عثمان في اسطنبول، ولذا فالكل مُجمع ومتفق سراً وعلناً على إبقاء الحصار القاتل على بني عثمان في تركيا التي يقودها رجب طيب أردوغان من خلال تكبيلها وتقييد يديها، بالإضافة إلى السعي لإبقاء النار مشتعلة في أهم حاضرتين للخلافة الإسلامية بني أمية وبني العباس المجاورتين لها.
لا يُمكن أن نفهم ونفسر هذا التواطؤ الغربي والشرقي على ثورة الشام ومن قبلها الإبادة الرهيبة للشعب العراقي، والتي بدأت إيران باستنساخها في اليمن الحزين إلا من خلال المتلازمات التي تلاحق هذا الغرب الذي كفر بكل مبادئه وقيمه ونحرها على ضفاف دجلة والفرات، من أجل عيون طهران التي يرى فيها حليفاً استراتيجياً مستقبلياً تماما كما كان أسلافها رمزاً للسند الغربي في مواجهة الخلافة العثمانية.
أستذكر هنا ما قاله لي أحد قادة الجهاد الإسلامي المصرية مفضلاً حجب هويته من أن طهران اتصلت بهم بعد أسبوعين فقط على اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وهم في داخل السجن عارضة عليهم مساعدتهم في إقامة دولة سنية بمصر وشمال إفريقيا مقابل الصمت على اجتياحها للمشرق العربي، بالطبع رفض قادة الجهاد المصري بحسب متحدثي العرض، ولكن بالتأكيد ما يجري اليوم يؤكد النية المبيتة لقادة طهران منذ البداية.
نجحت طهران حتى الآن أو سُمح لها أن تنجح كونها الأداة في جر العراق إلى حروب لتستبيح المشرق العربي عبر كسر جمجمة العرب، عززته بالحلف الاستراتيجي مع آل أسد في دمشق ثم في زرع حزب الله في لبنان حيث غض العالم الطرف عن الحزب الموجود على حدود الصهاينة وهو الذي لم يتسامح مع أي مقاوم سني بعيداً آلاف الأميال عن دولة بني صهيون.
الأمم والحضارات العريقة ليست معنية باللحظة، فهي معنية بقدرها وقدر عواصم وحواضر كبغداد ودمشق واسطنبول أن تحمل همها وهم غيرها، فمن ينظر إلى الواقع مجرداً عن السياقات التاريخية والشواهد الغيبية لا بد له إلا أن يستسلم ويرفع الراية البيضاء في العواصم المحتلة إيرانياً، ولكن هذا ليس قدر حواضر الأمة التي يسمع أبناؤها حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن» قال عبدالله فقمت فقلت خر لي يا رسول الله فقال «عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله».
يقولون إن الشعراء أقرب الناس إلى تشوّف المستقبل ولذا فأبيات شوقي ربما تعكس متلازمة الغرب هذه:
بنيت الدولة الكبرى وملكاً غبار حضارتيه لا يشق
له بالشام أعلام وعرس بشائره بأندلس تدق
جزاكم ذو الجلال بني دمشق وعز الشرق أوله دمشق
وصدق أفلاطون حين قال: «لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات» وها هو العالم كله يحمل المظلات في الشام خوفاً من الحرية القادمة.
لكن أخيراً على المنطقة التي تتعرض لغارة عالمية رهيبة أداتها إيران أن تكون كالحرباء بحسب المثل التنزاني لها عينان عين تنظر للماضي فتستمد قوتها ووقودها منه، وعين تبصر المستقبل.
لعل الغرب والشرق ومعهما طهران -وهنا أستعير جملة لشكسبير- قدموا بظن أنهم سيجزون صوف الشام والعراق واليمن، ولكن سيُجز وبرهم هنا.
 @ahmadmuaffaq
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق