الجمعة، 6 مارس 2015

ليست صافيناز وحدها تهين علم مصر

ليست صافيناز وحدها تهين علم مصر

وائل قنديل



اهتمام وسائل الإعلام المصرية، المحسوبة على سلطة الانقلاب العسكري، بموضوع التحقيق مع راقصة أرمينية، بتهمة إهانة العلم المصري، لا يمكن قراءته بعيداً عن حالة الوطنية الرخيصة، أو المبتذلة، التي يتم التأسيس لها منذ مرحلة التحضير لانقلاب 2013، بديلاً للوطنية المصرية الحقيقية.
انتفاضة وطنيي السيسي ضد الراقصة صافيناز، جاءت بالتزامن مع توجيه طعنة في قلب الوطنية الحقة، بإصدار قرار قضائي بتصنيف حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، منظمة إرهابية، ووضعها في قائمة الأعداء.
تهمة صافيناز أنها رقصت ملفوفة بألوان العلم المصري، الأمر الذي اعتبره "الوطنيون الجدد" إهانة للأمة وتاريخها، على أساس أن العلم رمز مصر، ولا أدري هل الغضب، هنا، من فعل الرقص، أم من ارتداء زي رقص بألوان العلم، أم الاثنين معاً؟
لو كانت الغضبة من أجل العلم، فقد أهين العلم في مجون الثلاثين من يونيو، حين كان الرقص الخليع على أشده، بين جنود يرتدون الزي العسكري الذي من المفترض أنه لا يقل رمزية، أو قدسية، عن العلم، مع فتيات يأتين بحركات منافسة لما تفعله الراقصة الأرمينية، في الشوارع والميادين، وسط حفاوة غير مسبوقة من دولة الانقلاب.
كما أن قائمة الفنانات اللاتي ظهرن ملفوفات بالعلم، في ملابس لا تقل لفتاً للأنظار من زي الراقصة، طويلة للغاية، ومنهن من تطرق أبواب برلمان دولة السيسي هذه الأيام، بعد قبول ترشحها، ومن ثم تبدو هذه الغضبة "الوطنية" الهادرة ضد صافيناز أمراً مثيراً للضحك والأسى، معاً، على تهافت معاني الوطنية المصرية، وتصاغرها، بحيث صارت محصورة في علم على جسد فنانة.
سكتت السلطة عن تلك الوطنية الراقصة التي انفجرت في الشوارع، ابتهاجاً بمجازر السيسي، الأمر الذي بدت معه الخلاعة وكأنها وحدة قياس الوطنية الجديدة، فانهالت مشاهد الرقص، بالعلم وبدونه، أمام لجان الانتخابات، وفي قاعات المؤتمرات والندوات، وربما كان ذلك ما جعل الراقصة الباحثة عن استقرار آمن في مصر تتصور أن الطريق إلى الحصول على وضع قانوني مريح، يستلزم تعبيراً مبدعاً عن الانتماء والمصرية، فكان أن رقصت بعلم مصر.
غير أنه لا يقل ابتذالاً عن الرقص بالعلم أن توضع الراقصة تحت إرهاب الأسئلة والاستجواب، كي تنطق بأن طرفاً من "الإخوان وقطر وتركيا" غرر بها وموّلها وحرّضها، لكي تتمايل رقصاً بالعلم، وهو ما أثار سخريتها ودهشتها من وصول هيستيريا الوطنية المزيّفة إلى هذه المرحلة الخطيرة.
ولا أعرف كيف، ولماذا، لم ينتفض الغاضبون من إهانة العلم، بحضوره على جسد راقص، من إهانة العلم ذاته، بغيابه عن جلسة مباحثات رسمية عقدها رئيسهم مع الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض، وظهر فيها العلم السعودي وحيداً خلفهما، فيما اختفى علم مصر، ما يعد غريباً على قواعد البروتوكول، ومع ذلك، لم نسمع أن أحداً انزعج من تغييب العلم.
إن الإهانة الحقيقية لمصر وعلمها أن يكون حاضراً في نوع من "الاستربتيز السياسي" الذي يتفاقم كل يوم، ليصل إلى اعتبار العدوان العسكري على الأراضي الليبية بطولة، ومعاداة "حماس" ومصادقة إسرائيل عين العقل ومنتهى الوطنية، والهبوط بالعسكرية المصرية إلى مستوى ارتكاب مذابح في حق مصريين محتجين، ومطاردة طالبات وطلاب يتظاهرون، نوعا ًمن الكفاح الوطني.
وليس أكثر إهانة للعلم وغيره من رموز الدولة، من أن يرفع فوق هضبة من الوهم والدجل والاحتيال والكذب، جسّدتها فضيحة تورط العسكرية المصرية في عملية نصب على الرأي العام، في الداخل والخارج، في تبني اختراع علاج الأمراض المستعصية، بما عرف بجهاز "الكفتة".
كان مهيناً للعلم وللزي العسكري المصري أن يتم إحضار مواطن مسكين ليضعوه في ثياب جنرال برتبة لواء، وترصّع أكتافه بنياشين بلون العلم، تماماً كما هو مهين أن تتمايل راقصة أو فنانة، مصرية أو أجنبية، بملابس فاضحة بلون علم مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق