الأحد، 22 مارس 2015

محاكمة العظماء.. وصناعة الظبي الجفول

محاكمة العظماء.. وصناعة الظبي الجفول

إحسان الفقيه

علِّموا الليثَ جفلة الظبي وامحوا  قصص الأُسْد في الحديث القديمِ

نعم محمد إقبال..

نعم يا شاعر الإسلام..

نظمْتَها في ديوانك "ضرب الكليم" منذ عقود، واستعرتُها منك اليوم، فقد مسّت الجرحَ الغائر.

إنهم يريدون أن يكون المسلم "ظَبْيا جَفُولا"، يغيب عن المشهد، ينفصل حاضره عن ماضيه وتراثه، أرادوا له أن ينسى كونه سليل الأسود حتى لا يرى أمامه سوى مسوخ العصر وأشباه الرجال، ومن ثمَّ يسهل توجيهه وسوقه في القطيع.

من منا لا يعرف عقبة بن نافع، باني القيروان، ذلك البطل الإسلامي الذي قلّده الخلفاء الراشدون أمانة حمل الراية لفتح الأمصار، وقاد - في عهد خلافة معاوية - جند الإسلام لفتح بلاد المغرب العربي.

ومن منا لا يعرف صلاح الدين الأيوبي، الذي حرر المسجد الأقصى بعد أن كبلته الأغلال الصليبية قرابة المائة عام لم يرفع خلالها الأذان، بعد أن قضى على دولة العبيديين الفاطميين في مصر.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم     ولو جمعتنا يا جرير المجامعُ

*لكن آبائيَ العظام وسادة الفتوحات ورموز الأمة يحاكمون اليوم.

نعم إنهم يحاكمون، والتهمة أن سيرة هؤلاء العِظام تدعو للعنف والدماء.

هالني وكلَّ غيور على الأمة وهويتها، قرارُ وزارة التربية والتعليم المصرية في حكومة إبراهيم محلب التي جاء بها الانقلاب، بحذف بعض دروس اللغة العربية من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي بدعوى تنقيح الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف والتطرف، كان أبرزَها درسُ صلاح الدين الأيوبي بالوحدة الأولى للصف الخامس الابتدائي، وفصلان من قصة عقبة بن نافع.

قلت وأكرر: هذا السيسي قد أتى لنسف الهوية الإسلامية لمصر، يقتل ويعتقل العلماء، يغلق المساجد، ينادي بالخروج عن النص الإسلامي والنظر فيه من جديد، يقرب رموز العهر والفساد، يتحالف مع بني صهيون، ثم ها هو يريد تربية النشء بمعزل عن تراث الأمة وهويتها الإسلامية.

* أيها المغرضون، إذا كانت رموز الجهاد والفتوحات التي حررت العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، إذا كانت رموز الجهاد التي حررت المقدسات وأقامت العدل والحق وردعت الظلم والعدوان، إذا كانت هذه الرموز ( تناولها) يكرّس للعنف والتطرف:

فلا تتحدثوا عن بطولات أحمس وعجلاته الحربية وحروبه ضد الهكسوس.

ولا تذكروا لأبنائكم قصة تحتمس الثالث وإمبراطوريته وتوسعاته وحروبه.

ولا تبجلوا الإسكندر الأكبر وصوْلاته في الشرق والغرب وتشييده الإسكندرية عروس المتوسط.

ولا تترنموا بالآثار الطيبة لحملة نابليون على مصر وأنها كانت مقدمة لبناء مصر الحديثة. 

لا تتحدثوا عن أي منهم، فكلهم قاتلوا، وكلهم غزوا، وكلهم صنعوا أمجادهم بالسيوف.

بل أدعوكم لأن تهدموا قلعة صلاح الدين، فحتما وجودها سوف يُذكر الأجيال بهذا الرجل المتطرف الذي تغرس سيرته العنف في البراعم الناشئة.

*الحرب على الهوية باتت واضحة المعالم لا تخفى إلا على مكابر معاند، فإلى أين يا مصرنا التي نحب؟

 أيها السادة:

عقبة بن نافع صحابي المولد، أي أنه ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن العلماء - منهم الإمامان الذهبي وابن عبد البر - ذكروا أنه لا صحبة له، وذلك لعدم استيفاء شروط الصحبة المقررة في الشريعة، فهو على أقل تقدير من التابعين الذين هم من خير القرون، وهو الذي عاش في كنف الصحابة وتربى على أيديهم.

وما محاولة قطع صلة الناشئة برموز الصدر الأول؛ إلا لأنه ببساطة يشكل أيديولوجية هؤلاء الصغار عبر التفاعل التراكمي، وهو ما يتزامن ويتناغم مع محاولات الإعلاميين المغرضين أشباه إبراهيم عيسى من تضعيف وتوهين شخصيات القرون المفضلة.

وأما صلاح الدين ذلك الرمز التاريخي، فأرى أن حضوره التاريخي في وعي الناشئة من كل جيل، يربطهم بالقدس التي كان تحريرها أحد أبرز أعمال هذا القائد الفذ.

وبالنظر إلى الملف الفلسطيني في عهد الانقلاب، سندرك بصورة لا غبش فيها، أن مصر تخلت عن تبني القضية الفلسطينية بل صار النظام الانقلابي عبئا عليها، فالعلاقات بين قائد الانقلاب والحكومة الإسرائيلية أصبحت زواجا كاثوليكيا على حد تعبير أحد رموز الانقلاب في وصف العلاقات المصرية الأمريكية.

وسندرك أن بقاء قضية الأقصى في أذهان المصريين واهتماماتهم يقف عقبة كؤودًا أمام التطبيع، وهو ما يستلزم محو شخصية صلاح الدين لما لها من ارتباط وثيق - لا يخفى على الكبير والصغير في الأمة – بالقدس والمسجد الأقصى.

إنهم يريدون أجيالا ترى في الجهاد المشروع تطرفا وإرهابا، وأن على المرء حتى يكون متسامحا أن يرضى بالأمر الواقع الذي رسمته قوى الشر، وأن يسعى فحسب إلى التعايش السلمي مع أعدائه ومغتصبي أرضه وحقوقه.

ترقبوا معي كما أرتقب محاكمة المزيد من عظماء الأمة، وإلى الله المشتكى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق