السبت، 7 مارس 2015

معركة تكريت وأمريكا وإيران الكبرى

معركة تكريت وأمريكا وإيران الكبرى



شريف عبد العزيز
في خضم الأحداث المتلاحقة، لم تسترع تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، في منتصف يناير الماضي ، الكثير من الاهتمام، لكنها أظهرت تحيزاً لا يقبل الشك للرئيس باراك أوباما وإدارته، لمصلحة التنظيمات الشيعية وإيران، على حساب المجموعات والأنظمة السنية.
ففي جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة الأميركية، ورداً على سؤال حول إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، أجاب" فيكر" بالإيجاب.
بعد ذلك بأيام، أعلنت واشنطن أنها قطعت التنسيق في مكافحة "الإرهاب" مع الحكومة اليمنية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي.
ولا يبدو أن شعارات الحوثيين القائلة بـ"الموت لأميركا ولإسرائيل ولليهود" تزعج أوباما أو فريقه.
ويأتي انحياز أوباما لمصلحة إيران ومجموعاتها في اليمن في نفس الوقت الذي كشفت فيه واشنطن سرها حول الموضوع السوري، إذ أعلن وزير الخارجية جون كيري تأييد بلاده لـ"مؤتمر موسكو" المخصص للأزمة السورية، والذي يجمع المراقبون على أنه ينعقد لمصلحة إعادة تأهيل الأسد وضد مصلحة المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
والانحياز الأميركي ضد السنة في اليمن وسوريا يتكرر اليوم في العراق، ولكن بصورة أشد خطورة ، فبعد أن وعدت أميركا العشائر السنية بإقامة "حرس وطني" مستقل من مقاتليها، كحل تسكيني تمتص بها أمريكا غضبة السنّة من سياسات المالكي الطائفية المقيتة التي فجرت العراق وأشعلته بنار حرب أهلية عاتية لأكثر من ست سنوات ، سرعان ما تراجعت عن وعدها ، لتصر على انخراط المقاتلين السنّة في صفوف الجيش العراقي الحكومي سيئ السمعة والأثر عند أهل السنّة ، والذي يشكل قوامه الرئيسي الشيعة الموالين لإيران ، فيما لا يبدو أن الولايات المتحدة تمانع نشاط الميليشيات الشيعية العراقية غير الحكومية، على أنواعها، والمعروفة بالحشد الشعبي والتابعة لقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال " قاسم سليماني "، والذي تضم ثلة من أعتى المجرمين بحق أهل السنّة في العراق على رأسهم " هادي العامري " قائد مليشيا بدر الرافضية صاحبة الرصيد الأكبر في المجازر بحق أهل السنّة خصوصا بمنطقة بغداد والبصرة .
 ليكون هذا الحشد الطائفي والذي يقدر بثلاثين ألف مقاتل لا يمثل السنّة فيهم سوى ألف مقاتل فقط ، ليس فقط بداية حرب أهلية طائفية دموية جديدة في العراق ، ولكن بداية تحقيق حلم إيران الكبرى التي لا تنتهي عند محيط أو بحر أو خليج أو حتى يابسة.
فالحشد الشعبي الطائفي لم يستطع أن يحقق نصرا في تكريت الصغيرة ، فكيف إذا سيحرر الموصل ثاني أكبر المدن العراقية ؟!  ومن ثم كان لابد من استدعاء الدعم الإيراني المباشر ، فقد أكد شهود عيان من سكان محافظة ديالى العراقية دخول رتلين من الدبابات الإيرانية وتوجههما نحو محافظة صلاح الدين بعد فشل ميليشيات الحشد والقوات الحكومية في تحقيق اي تقدم في تكريت خلال الحملة العسكرية الأخيرة ، حيث اعلن خزعل محمد عضو مجلس محافظة صلاح الدين أن القوات الأمنية عجزت عن التقدم بسبب غياب الغطاء الجوي.
ويبدو أن القوات العراقية والميليشيات تنتظر وصول هذه التعزيزات لبدء هجوم ثان على تكريت ، بعد تكبدها خسائر كبيرة، حيث أعلن عن مقتل العشرات بينهم ثلاثة قادة كبار في ميليشيا الحشد الشيعي، بينهم أحد اقرباء زعيم منظمة بدر هادي العامري. كما بثت وكالة «فارس» الإيرانية صورا لتشييع العشرات من قتلى الحرس الثوري قضوا في معارك تكريت.
ويبدو ان ضوءا أخضر أمريكيا لإيران مكنها من ادخال هذه القوات لأول مرة لوسط العراق تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ولعل أبرز التصريحات في هذا الشأن كانت لرئيس أركان الجيوش الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي بقوله"إن دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم «الدولة الإسلامية» يمكن أن يكون «إيجابيا» إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع السُنَّة" ، واصفا إياه "بالتدخل الإيراني الأكثر وضوحا في العراق منذ عام 2004 مع مدفعية ووسائل أخرى" لم يحددها.
هذا التدخل العسكري المباشر والصريح يمثل الآن تغييرا عميقا في التحركات الإيرانية من أجل تعزيز النفوذ الشيعي على المستوى الإقليمي ، فأمريكا قد خلقت فراغا جيوإستراتيجيا خطيرا في قلب الشرق الأوسط بعد حربها على العراق وأفغانستان وملئت هذا الفراغ عن طريق أذرعها السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وها هي تنتقل من طور التدخل غير المباشر من خلال التوجيه والتخطيط والتمويل ، إلى طور التدخل المباشر بالقوة العسكرية ، بدايته في أوائل ديسمبر 2014 بقيام الطائرات الإيرانية بقصف مواقع تنظيم الدولة " داعش " في محافظة ديالى عبر المنطقة العازلة التي اصطنعتها إيران لنفسها على الحدود العراقية.
 هذا النهج الإيراني العسكري الجديد يسلط الضوء على التقاء المصالح بين أمريكا وإيران وبشكل غير عادي، في كل من العراق وسوريا، حيث تحارب طهران وواشنطن العدو نفسه وبشكل علني.
وفي حين لا يوجد تنسيق مباشر بين إيران والولايات المتحدة، فإن هناك في الواقع اتفاقا بعدم الاعتداء، بحيث إن كلا من الجانبين حريص على عدم الاعتراف بهذا.
ولعدة أشهر، تحرك إيران قوتها العسكرية في جميع أنحاء المنطقة بصورة غير مباشرة ، حيث عرضت تسليح الجيش اللبناني ودعمت المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن الذين سيطروا على العاصمة صنعاء.وفي سوريا، أنقذ حزب الله، المدعوم من إيران، وفيلق القدس الإيراني، بشار الأسد من السقوط وانهيار حكمه. وفي العراق، برز اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، كشخصية عامة مع نشر صور له في ساحات المعارك. ولكن يبقى أن التحول البارز في إستراتيجية إيران الأكثر إثارة للانتباه كان في العراق، حيث يعترف حتى المسؤولين الأميركيون بالدور الحاسم للميليشيات المدعومة من إيران، وخصوصا في حماية بغداد من هجمات داعش، والعمل مع الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة.
 
هذا التحول العميق في الحروب الإيرانية يدل على عدة أمور بالغة الأهمية لا يمكن إغفالها وهي بمثابة محددات لفهم واقع المنطقة ، أبرزها :
ان المشاركة الايرانية في العراق، تمثل برهانا جديدا على التقارب الذي أخذت وتيرته في التسارع والانتقال من السر إلى العلن نحو التحالف مع الولايات المتحدة او «الشيطان الاكبر» كما كانت تسمى في الخطاب السياسي التقليدي لطهران. ولاشك انها تعكس التقدم المهم الذي شهدته المفاوضات النووية مع الغرب والذي أصبح أقرب من أي وقت مضى ، رغم عدم الوصول الى الاتفاق ضمن المهلة المحددة.  
ان ثمة مصلحة مشتركة بين إيران وأمريكا في إضعاف داعش الذي سيؤدي تلقائيا الى تقوية حلفاء طهران سواء في العراق او سوريا. اما على المستوى الاستراتيجي فان التدخل يرسم بوادر «نظام اقليمي جديد» تشغل فيه ايران مكانا متقدما بتأييد ودعم كاملين من واشنطن.
والعجيب أن ممارسات المالكي الطائفية بدعم من إيران ، وجرائم الأمريكان في فترة الحرب على العراق كانت من أهم أسباب ظهور تنظيم الدولة الإسلامية ، حتى بايعه الكثيرون في العراق من زعماء وشيوخ قبائل وحتى مجموعات مسلحة بيعة قتال ليس قناعة بمنهجه وإنما ليواجهون به جيش المالكي الإجرامي الطائفي.
ان التحالف الدولي بالتعاون الجديد مع إيران يسعى الى ترسيخ وجوده كنواة لاعادة ترتيب التوازنات والعلاقات اقليميا، بما يدفع باتجاه ما يمكن وصفه بـ «التعاون العملي للاضداد»، اذ ان النموذج الايراني الامريكي قد يتسع ليشمل امثلة اخرى ترسم تقاطعا عربيا اسرائيليا واخر ايرانيا خليجيا او مصريا او اسرائيليا.
 ويبدو ان البوادر بدأت في الظهور فعليا ، فان طهران تمكنت من القضاء على ما كانت تواجهه قبل شهور فقط من اجواء دولية واقليمية معادية لم تنقصها التهديدات بالحرب، ووصفها الوزير بـ «ايران فوبيا».
والسؤال الذي قد يثور في ثنايا هذا التحول الدراماتيكي الكبير في بنية التحالفات الإقليمية : لماذا ينحاز أوباما والأمريكان للشيعة ضد السنّة ؟ فالانحياز ليس فقط من باب التسليم بالواقع للطرف الأقوى إقليميا ولكن ثمة اعتبارات أخرى قد لا تمت بشيء من بالواقعية أو الدهاء السياسي من أبرزها : الدائرة الضيقة المحيطة بأوباما والتي أقنعته بفكرة أساسية مفاداها : أن إيران هي إمبراطورية عريقة ذات تاريخ طويل، وأن التحالف معها أجدى من التحالف مع باقي دول المنطقة المتأرجحة في آرائها ومواقفها ، ومن بين هؤلاء أقرب مستشاري الرئيس، فاليري جاريت، وهي تتمتع بصداقة معه ومع السيدة الأولى منذ عقود.
و"جاريت" هي من مواليد مدينة شيراز الإيرانية الجنوبية، حيث قضت هناك ثماني سنوات الأولى من عمرها، حيث كان والدها يعمل طبيباً أميركياً مبتعثاً في إيران.
إلى جانب "جاريت"، زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جيمي كارتر، وبريجنسكي هو مستشار الأمن القومي الأميركي الذي انطلقت خلال عمله في البيت الأبيض الثورة الإيرانية في العام 1979، وكان مكلفاً من الرئيس كارتر بالانفتاح على نظام الخميني، وقد قال في جلسة استماع في الكونجرس ليقول إن "إيران بدأت في التطور لتصبح دولة حضارية وهامة جداً في التاريخ"، ويتشارك هذا الرأي برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي في عهد إدارتي رئيسين جمهوريين سابقين هما جيرالد فورد وجورج بوش الأب.
أوباما ومسؤولون حاليَون وسابقون ينحازون اليوم بشكل واضح لإيران والشيعة ضد السنة وأنظمتهم وتنظيماتهم، المعتدلة منها والمتطرفة. هذا الانحياز كان في الأقبية المظلمة وصار اليوم على صفحات الصحف وألسنة المسؤولين ، وكل ذلك من أجل خدمة قيام إيران الكبرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق