أحمد عمر
يتلو المسلمون الأتقياء سورة الكهف كل جمعة، حسب الوصية النبوية سعيا إلى النور بين الجمعتين.
قرأت متأخرا تحليلا وتفسيرا لقراءة هذه السورة مختصرا في "باور بوينت"، يمكن بسهولة العثور عليه من غوغل أو من موقع صيد الفوائد، عن حسنات تكرار قراءتها في يوم الجمعة. الإنسان اسمه من النسيان، والقرآن اسمه الذكر.
اطلعت على مسرحية توفيق الحكيم الذهنية الفكرية المقتبسة من قصة أهل الكهف، فهي عالمية وتعرف بقصة النيام السبعة، واطلعت على عدة معجزات رقمية في السورة الكريمة، وعلى كتاب لكاتب من طائفة تتبع متنبئا يزعم أنه المسيح الموعود، يحاول جاهدا في الكتاب إثبات أن قصة أهل الكهف هي رموز وإشارات وليس حقيقة تاريخية، ولا حكاية أيضا، غرضه من الكتاب إنكار المعجزة حتى يَعذر نبيه الذي بعث بلا معجزة، إلا أن هذا ليس مناط هذا المقال.
القصة معروفة، وليس من ضرورة لتلخيصها، وأظنُّ متأولا أننا في سوريا كنا نعيش قصة أهل الكهف، مع تغيير بعض عناصرها ومواقع أطرافها، هذه بعض عناصرها الرئيسية: العنصر الرئيسي في قصة الكهف الأول وقصة الكهف السوري هو الإيمان بالله ووحدانيته والبعث والنشور، وكان شعار البعث: لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية "إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبا".
الشعار" البعثي" أو القبري، مصاغ صياغة دينية ويذكِّر بكلمة التوحيد الإسلامية..
وكان شعار التقدم والاشتراكية إياه ضد الإسلام حصرا، دين معظم أهل الشام، أما مطابقة اسم الحزب الحاكم، لمعنى البعث في سورة الكهف فهو مصادفة، حزب البعث، كان يعني القبر لا النشور.. وها نحن نراه مخطوفا عن مسار العروبة؛ إذ أمسى حزبا فارسيا روسيا بلشفيا و...يتمدد.
كنا نياما في سوريا مدة نصف قرن تقريبا، عفوا منوّمين، الذي ضرب على آذاننا هو مدّعي الألوهية، رئيسها المنقلب الذي قال لا أريكم إلا ما أرى، "وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا".
الضابط الطائفي الذي نصب نفسه إلها، إعلانا وإسرارا، وبات الإجهار بالتأليه واضحا في الثورة السورية، وذلك بشعارات رأيناها في أفلام الأخبار: قل لا إله إلا بشار، وشعار الجوع أو الركوع، وشعار الأسد أو نحرق البلد.. وبعد حذف المادة الثامنة والإصلاحات جرى فصل السلطات، فظهر شعار: الله للعبادة وبشار للقيادة، والقيادة كانت تقود عكس اتجاه رب العبادة، فهما خطان لا يلتقيان مهما امتدا. كان الأسد الأب وِترا ويحب الوتر، لا شريك له في الملك، نذكر بصفة مهمة من صفات الله التي ادعاها وهي: الأبد. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبا.
في سوريا التي يقول الباحثون إنها أنارت العالم وأنها مهد الكتابة، مع ثورة الثامن من آذار، بدأت شمس الحرية والتطورات العالمية "تَزَاوَرُ عَنْ" كَهْفِهم، عن سوريا، ذات اليمين وذات الشمال، وكلبنا الحاكم "باسط" قدميه على أنفاس الشعب السوري "بالوصيد".
قيل في وصف السلطة السورية، إنها من أسعد السلطات في العالم، فلا أحد يمكنه النطق بكلمة، الهمس ممنوع سوى بين العشاق، حتى يقاوم النظام ويمانع بهدوء في غرف النوم السرية، وفي السجون الكثيرة بمساجينها الذين " لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبا".
ضرب المتربب السوري الزوري على الآذان السورية سِنِينَ عَدَدا، بقوانين وأجهزة أمن ومسلسلات فانتازية تاريخية وغير تاريخية، وبنقل المعركة من الداخل إلى الخارج، فلا صوت فوق صوت المعركة الصامتة مع... الشعب.
أما العنصرالثاني، فهو أن الشعب هو الذي كان يؤمن بالله مثل أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وأجهزة المخابرات هي التي تحكم حصار الكهف، وتقوم بتزوير الشمس، وبما أن ثمة قاعدة، وسنة كونية من سنن الله في خلقه، هي أن دوام الحال من المحال، كان الله يقلبنا ذات اليمين وذات الشمال، ومع ذلك استطاع الأسد الأب، بحنكته المتوارثة عبر التاريخ من عقيدة "الموت"،تنويمنا. إنها نصف قرن، نصف مئة عام من العزلة، إلى أن صاح فتية درعا صيحة اليقظة .. لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا.
في الورِق، والورق يعني الفضة لغة، كان الدولار يعادل ثلاث ليرات عند استيلاء الأقليات الطائفية على البلاد، ثم استقر في عصر الابن على طائفة واحدة و خمسين ليرة، وصار الآن 500 ليرة، يذهب أحدنا إلى السوق بعملته متلطفا بالشراء متذللا، حتى لا يشعرنَّ به أحدا، فصورة الرئيس الأسد على العملة الورقية، ولم تكن من قبله في تاريخ سوريا العصر الحديث، فقد تغيرت قيمتها في خمسين سنة ما يعادل ثَلَاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، فلا يمكن شراء كيلو طماطم بورقة كانت زنوبيا ملكة تدمر تتربع على عرشها، من اللطيف هنا الإشارة إلى تحول السوريين للعيش في الكهوف، ليس الأسر النازحة وحسب، وإنما مدارس ومشاف في المغاور؛ خوفا من القصف والبراميل.
ومن اللطيف الإشارة إلى لوحة تلفزيونية طريفة من بقعة الضوء، التي كانت تستعمل في الضرب على الآذان، فكرتها تحكي عن تحول العملة وعودتها إلى ما قبل اختراع العملة النقدية، فتجري مقايضات هذه الأيام بيعا وشراء بضائع ببضائع. ونشير إلى تحول آخر في الورق العملة، فالسوريون يتعاملون الآن بالليرة التركية أو الألمانية أو اللبنانية.. وهذه من علامات التحولات الكبرى. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ..
في القصة الأولى عناصر كثيرة يمكن الإشارة إليها تناسب قصتنا المعاصرة، فقد تنازع طرفان من القصة القديمة على هذه الفئة الكريمة أهل الكهف الصالحين، اقترح بعضهم: "فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ". و " قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا".
وبما أن قصة أهل الكهف السوري إجبارية استبدادية، وليست ربانية إعجازية، وليس فيها معجزة سوى معجزة استعباد شعب بالحديد والبوط والنار، فقد كانت غالبية المساجد للدعاء للرئيس، وعندما بعث أهل الكهف منذ خمس سنوات بصيحة فِتْيَة آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ قال النظام: لندمرنَّ عليهم مساجدهم. فدمر المساجد والبيوت والقصور .. و حرق الأخضر و الوردي واليابس. إنه مجرم سكوب بالألوان.
ومن اللطيف أن نشير إلى التحذير المتكرر من مغبة الركون إلى وعود النظام، ومن المصالحة مع نظام غدار، ما يذكر بقوله تعالى على لسان أحد الفتية " إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا"..
سرقوا الوطن وحولوه في خطابهم إلى: "سقف الوطن" و "حضن الوطن"، كانت أسماء مستعارة من العمران و الحنان "لكهف الوطن".
{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق