السبت، 19 مارس 2016

في ذكرى الثغرة التي قتلت الثورة


في ذكرى الثغرة التي قتلت الثورة


 وائل قنديل

الاستعجال آفة الانتصارات.. هذا هو درس التاريخ الذي لم تستوعبه ثورة يناير/ كانون ثاني 2011، حين هرول الجميع إلى حصاد الثمار، قبل أن تنضج على شجرها.
بالأمس، كانت ذكرى الثغرة التي صنعها الأوغاد، فتحول انتصار يناير إلى نكسة، وهزيمة، تماماً كما ضاع انتصار أكتوبر/ تشرين أول 1973، وكما تبدّد انتصار المسلمين في غزوة أحد، قبل أربعة عشر قرناً.
نعم، كان استفتاء 19 مارس/ آذار 2011، هو الثغرة التي أحدثها أعداء التغيير في ثورة يناير، فانقسم أهلها، وانشطرت وحدتها، وتشظّت قيمتها الأهم، واحترق دستورها الأنقى "إيد واحدة" لصالح تعديلاتٍ دستورية كذوب، هي للترقيعات أقرب، دسّها العسكر وابتلعها الجميع، تحت تأثير مخدر الاستعجال والحصاد المبكر.
في البدء، كانت تلك الثغرة التي قتلت الجوهر الحقيقي للتغيير الذي تستحقه ثورة مبهرة.. ثورة تعني دستوراً جديداً، وقطيعة شاملة مع ماضٍ، يشبه شجرة ضخمة، أسقطناها من أعلى، وهتفنا واحتفلنا، فنسينا الجذور الضاربة في عمق التربة.
اسمح لي أن أعود بك إلى "لاءاتي" التي أشهرتها في وجه خديعة العسكر، حين اقتادوا الجميع إلى محرقةٍ للثورة، اسمها الاستفتاء على تعديلات دستور حسني مبارك، بدلاً من نسفه، ووضع دستور جديد.. 
أعود ليس من باب جلد الذات، وممارسة طقس كربلائي حزين، وإنما لأن لحظة شبيهة، تحمل اختباراً مماثلاً، قد تداهمنا قريباً.
يومها أعلنت أنني: سأقول لا للتعديلات الدستورية، لأن دماء الشهداء تساوي أكثر بكثير من المعروض علينا، مع شديد احترامي لمن سيقولون نعم.
سأقول لا، لأن آثار معركة الجمل ما زالت باقية، وما زال هناك شهداء لم يكشف عنهم بعد، وأطفال فى عمر الزهور لم يعرفوا أنهم صاروا أيتاماً حتى الآن، وشابات فى مقتبل الحياة ترملن، وأمهات يستقبلن عيد الأم ثكالى.
سأقول لا.. لكي لا يعود حزب البغال والجمال لتصدّر المشهد السياسي، ويختطف البلد من جديد عبر الآليات القديمة نفسها، فالذين سلّحوا البلطجية، وأطلقوهم على نضارة مصر وبهائها في ميدان التحرير لا يزالون يحتفظون بكمياتٍ أخرى من السلاح، وأعداد أكبر من البلطجية، ونفوس لا تشبع من الأرض والدم والمال.
سأقول لا، لأن الذين صنعوا لنا الثورة لم يفرغوا من لململة أشلاء رفاقهم، ولم ينتهوا من مداواة جراحهم، ولم يستطيعوا تكوين أحزابهم بعد، ومن ثم لن يتسّنى لهم خوض انتخابات برلمانية وشيكة، يتحرّق آخرون شوقاً لمجيئها الآن وليس غداً.
 إن الذين غيّروا مصر، وأعادوا لها جمالها لن يكون في مقدورهم الاستعداد بما يكفي لخوض المنافسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فالحيز الزمني ضيق بما لا يكفي لكي يقدم أحد على هذه المغامرة، وبما لا يكفي لأن تصبح اللعبة الانتخابية عادلةً، في ظل وجود قوى سياسية عتيقة ومحترفة، تعرف من أين تؤكل المقاعد النيابية.

وأظن أن "لا" هنا ليست نافية للوطنية، أو للاستقرار، أو لعودة الحياة إلى طبيعتها، كما أن "نعم" ليست أداة توكيد أو تأكيد أو جزم بأن إقرار التعديلات يعني مباشرة بداية البناء لمصر الجديدة، التي حلم بها الثوار، ودفع الشهداء أرواحهم مهراً لها. وقد بحّت الأصوات بأن الاستعجال لا يفيد، وأن البدائل متوفرة ومعروفة، لكي تمر الفترة الانتقالية بلا مطباتٍ مخيفةٍ، أو منعطفاتٍ حرجةٍ وخطيرة.
ففي البداية، اقترح كثيرون مجلساً رئاسياً، يضم مدنيين وعسكريين، يدير البلد فى هذه الفترة، ويمهد بهدوء لإقامة حياةٍ سياسيةٍ في بيئةٍ نظيفةٍ ومحترمة، ولم يلق الاقتراح آذاناً صاغية.
كما كان الوضع، قبل أقل من ثلاثة أسابيع، ينبئ بأننا ذاهبون إلى انتخاباتٍ رئاسيةٍ، قبل التفكير في انتخاباتٍ برلمانية، وهو ما أثار بعض الارتياح والاطمئنان، ثم تكهرب الموقف فجأةً، واندفع الجميع ناحية الاستفتاء على مواد الدستور المعدلة.
حسناً.. فليتم الاستفتاء، وأزعم أن أرواح الشهداء وأطياف المدينة الفاضلة في ميدان التحرير وروح الثورة ستكون حاضرةً في لجان الاقتراع.
ولكل ذلك وغيره، سأقول "لا". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق