الخميس، 17 مارس 2016

رسالة إلى علماء الشام .. الجهاد مسئوليتكم


رسالة إلى علماء الشام .. الجهاد مسئوليتكم


أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
8 جمادى الثاني 1437هـ
17 مارس 2016م

الحمد لله وكفى وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى..
وبعد..
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وقال النبي ﷺ: (انصر أخاك ظالـمًا، أو مَظْلومًا. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مَظْلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا، كيف أنصره؟ قال: تَحْجُزُه، أو تمنعه من الظُّلم، فإنَّ ذلك نَصْرهرواه البخاري.

أيها العلماء الأبرار والمجاهدون الأخيار...
لقد فرض الله الجهاد في سبيله عند وجود أسبابه وشروطه كما فرض الصلوات والزكوات والعبادات والواجبات؛ فهو فريضة تجب على المسلم فرض عين أو فرض كفاية بحسب الأحوال، فلا يخص طائفة ولا جماعة ولا فئة، وما زالت الأمة تجاهد في سبيل الله منذ نزل قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ حتى عصرنا هذا، ولم يتخلف وعد الله لها بالنصر قط مهما تأخر إلا حين تفرط الأمة بقيامها بالواجب؛ ومن ذلك: التنازع الذي يفضي إلى ذهاب الريح ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وكم تعرض المسلمون لعدوان خارجي وطغيان داخلي على مر عصورهم وكانت العاقبة لهم بإذن الله، وما تداعت الأمة إلى جهاد عام إلا تحقق النصر بإذن الله كما جرى في أفغانستان حتى هزم الله الروس وانهار الاتحاد السوفيتي كله بفضل جهاد الأمة كلها، وبدماء المجاهدين من كل المسلمين، وتحرر ٨٠ مليون مسلم في وسط آسيا من أبشع احتلال عرفه المسلمون وهو الاحتلال الشيوعي، وما تخلت الأمة عن ساحة من ساحات القتال ولا تعزف عنها إلا ويكون الظفر فيها للعدو، كما جرى في العراق حين تداعى المسلمون لجهاد الاحتلال فهزموه حتى اعترف بالهزيمة، وما إن وقع النزاع والاقتتال بين الفصائل فيه - بخطة من المحتل نفسه واختراقه له - حتى نأت الأمة وشعوبها بنفسها عنه واعتزلته حتى لا تسفك دما حراما ولا تشترك بقتال لا تعرف من يقوده ولا تعرف حكم الله في نوازله؛ فكانت النتيجة ما يشاهده الجميع اليوم في العراق حيث يستصرخ أهله ولا من ينجدهم أو يغيثهم حين تنازعوا وغاب أهل العلم والفقه والرأي الذين تعرفهم الأمة وتثق بهم وتتداعى لهم..

أيها العلماء الأخيار..
إن ما يجري من خلاف ونزاع بين الفصائل بين الفينة والأخرى في الشام له أسبابه التي لا تخفى عليكم ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ
فمنها ما يرجع سببه للخلاف بين أهل الإسلام في المذاهب والأفكار،
ومنها ما يرجع للمواقف السياسية والاجتهاد فيها،
ومنها ما يرجع لحظوظ النفس والعصبيات بين الفصائل والجماعات والتيارات..
ومنها ما هو من صنع العدو واختراقه؛ ليضرب الفصائل ببعضها!
وإذا كان رفع الخلاف والاختلاف غير ممكن قدرا؛ لما يتجلى فيه من حكمة الله ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾؛ فإن حل النزاع ومنع الاقتتال بين المتنازعين ممكن قدرا وواجب شرعا، فيجب دفع قدر الله حين يقع النزاع بقدر الله بالإصلاح كما أمر الله، حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾..
ولا يسع الأمة عامة وعلماء الشام ومجاهديها وأهل الفضل فيها خاصة: ترك الخلاف بين الفصائل حتى يستشري النزاع والشقاق دون تدخل بإصلاح ذات البين، وحل الخلاف، وتطييب النفوس، ورد الظلم والبغي، من أي فصيل كان، والقيام لله بالقسط والعدل، وإذا كان الله قد أوجب العدل والقسط مع العدو المشرك المحارب فقال: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ فمن باب أولى القسط بين أهل الإسلام والإيمان والجهاد مهما وقع بينهم من نزاع واقتتال..

أيها العلماء الأفاضل..
إن تدخلكم لبيان الحكم الشرعي في مثل هذه النوازل العامة واجب شرعا كما لا يخفى عليكم للأمر القرآني والحكم الرباني في قوله تعالى: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾، وفي الإضافة في ﴿قَوْمَهُمْ﴾ إشارة إلى اختصاص علماء كل قوم وفقهاء كل بلد بالفتوى لهم؛ لمعرفتهم بهم وبواقعهم أكثر من غيرهم، وأنتم أعلم بالشام وأهله ونوازله من غيركم، فلا يسعكم تأخير البيان والفتوى عن وقت الحاجة، خاصة فيما يقع بسبب تأخرها من ذهاب الأنفس والأموال الخاصة فضلا عن فوات مصالح الشعب والبلد العامة والشام يواجه حربا وعدوانا دوليا ظالما!

أيها العلماء الربانيون..
لقد سبق أن صدرت من هيئاتكم العلمية والفقهية فتاوى كان لها أكبر الأثر في حسم الخلافات والحفاظ على جهاد أهل الشام المبارك، وقد اطمأن الشعب السوري والأمة من ورائه لدور علماء الشام في دفع الفتن الداخلية التي لا تقل خطرا على الثورة ووحدة الصف من خطر عدوان النظام والاحتلال الخارجي..
ولا يخفى ما جعل الله للمؤمنين عامة وعلمائهم خاصة من الولاية الإيمانية والسياسية في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، وكالولاية الخاصة للعلماء في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ حيث ذهب كثير من أئمة التفسير بأنهم العلماء الربانيون ورثة الأنبياء الذين يبلغون حكم الله ولا يخشون إلا الله..
وهو ما يوجب على الهيئات الشرعية والمجالس الفقهية القيام بواجبها بحكم الولاية العامة للمؤمنين والخاصة للعلماء والمصلحين والمبادرة إلى:
أولا: بيان الحكم الشرعي بشكل جماعي فيما يقع من نزاع يخشى استشراؤه وضرروه بين الفصائل الجهادية على اختلاف توجهاتها الفكرية ومذاهبها الفقهية.
ثانيا: تشكيل لجنة مصالحة دائمة من أهل العلم والفضل؛ لفض الخلاف والنزاع عند أول حدوثه وإصلاح ذات البين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾..
ثالثا: تقوم اللجنة بتحديد الجهة التي ترفض الصلح أو التي صدر منها البغي بعد تدخل اللجنة، ولا يشترط موافقة الأطراف المتنازعة على قبول اللجنة التي يختارها علماء الشام وهيئاتهم بشكل جماعي، فيد الله على الجماعة وأمرهم شورى بينهم.
رابعا: حين يتحقق البغي من طرف من الأطراف يجب على اللجنة إصدار بيان بتحميله المسئولية ودعوة الجميع إلى الأخذ على يده ومنعه من الظلم ولو بقتاله، كما قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾..
خامسا: إذا فاء الفصيل الباغي قبل قتاله أو بعده؛ فيجب وقف مقاتلته وإحالة الأمر لقضاء شرعي يحكم في الدماء والأموال بالعدل والقسط وكف الأذى عنه قولا وفعلا..

أيها العلماء الأبرار..
إن الأمة تنتظر منكم بيان حكم الله الذي أخذ الميثاق على أهل العلم بيانه ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ وستجدون من علماء الأمة ومصلحيها كل دعم وتأييد بإذن الله، وفي تأخركم أو اعتزالكم ضرر على ثورة الشام وأهله باعتزال الأمة له خشية الفتن كما حدث في العراق، وانتهى إلى ما انتهى إليه من احتلال وطغيان وإبادة وتهجير للمستضعفين من المؤمنين، وعزوف من الأمة وشعوبها عنه حين غاب دور العلماء وأهل الرأي فيه واختلطت الأمور حتى نأى المجاهدون فضلا عن غيرهم لعدم وجود العلماء الربانيين الذين تعرفهم الأمة وتثق بهم  وبفتواهم ليكون جهادهم على بصيرة وفقه، ولا يتحول إلى فساد في الأرض؛ ولهذا قرن الله بين الجهاد والفقه فقال: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ فجعل النفير للعلم والفقه في دين الله كالجهاد في سبيل الله..
هذا ونسأل الله أن يفتح عليكم ويثبت أقدامكم وأن يجمع بكم أهل الشام ومجاهديهم وأن يوحد على أيديكم كلمتهم ويؤلف بين قلوبهم ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ..
الخميس 8 جمادى الثاني 1437هـ
الموافق  17 مارس 2016م

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق