الاثنين، 28 مارس 2016

عن انسحاب أميركا العشوائي من المنطقة


عن انسحاب أميركا العشوائي من المنطقة



علي حسين باكير
نشرت «ذا ناشينال إنترست» الأسبوع الماضي مقالا في غاية الأهمية لزلماي خليل زاد تحت عنوان «أربعة دروس حول دور الولايات المتّحدة في العالم»، يشير فيه إلى أن النقاش داخل الولايات المتحدة حول عدد من قضايا السياسة الخارجيّة للبلاد قد بدأ ينجرف مؤخرا في اتجاهٍ مثيرٍ للقلق، وأنّ مرد هذا القلق لا يعود إلى سياسات الرئيس أوباما وبياناته حول هذه القضايا فقط، وإنما إلى بيانات المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية أيضاً.
من بين المواضيع أو النقاط التي أشار إليها زاد في حديثه هذا، المقولة المتكررة عن ضرورة انسحاب الولايات المتّحدة من الشرق الأوسط، وهي فكرة تنطلق من مسلّمات أوباما بأنّ التمدد الزائد عن الحد في المنطقة من شأنه أن يضر بالاقتصاد الأميركي، وبقدرات أميركا على الاستفادة من الفرص، ومواجهة التحديات، والأهم من ذلك أنّه يعرّض حياة الجنود الأميركيين للخطر من أجل أمر لا يحتل أهمية مباشرة بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأميركي.
وفي مناقشة هذه المقولة، يعتبر زاد أن هذه الفكرة هي من أهم أسباب تراكم المشاكل وانفجارها في منطقة الشرق الأوسط على اعتبار أن الانسحاب الأميركي يترك فراغا يدفع الآخرين للصراع عليه، وأنّ هذا الصراع لم يعد محصورا بين اللاعبين الإقليميين فقطـ، بل انضمت إليهم قوى أخرى كروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، فضلا عن أنّ هذا التدافع الناجم عن الانسحاب الأميركي يهدد المصالح الأميركية في المنطقة بشكل مباشر، مع فارق أنّه لن يكون باستطاعة أميركا الدفاع عنها في حال عدم وجودها هناك.
الفكرة وفقا لزلماي هي أن منطق أوباما يرفض الاعتراف بأنّ للانسحاب الأميركي مساوئ أكبر بدليل أن مشكلة العراق اليوم ناجمة عن الانسحاب الأميركي، وأنّ هذا الانسحاب قد نتج عنه فيما بعد مشكلة داعش، والشيء نفسه حصل في سوريا عندما تقاعست أميركا عن لعب دور حاسم في الملف.
هذه المشكلة الناجمة عن الانسحاب الأميركي من المنطقة تتفاقم عندما يقترن هذا الطرح بطرح آخر هو «الاعتراف بمناطق نفوذ جديدة للخصوم الإقليميين والدوليين» في محاولة لاستيعابهم، وهو الأمر الذي عبّر عنه أوباما بشكل صريح مؤخرا عندما طالب السعودية بأنّ تتشارك نفوذ المنطقة مع إيران.
يقول زلماي: إنّهم حاولوا دراسة هذه الفكرة في العام 1992، لكنّهم وجدوا أن الاعتراف بمناطق نفوذ للخصوم الإقليميين والدوليين والإذعان لهم في تحديد إطارها سيؤدي إلى تلاشي الأحادية القطبية بشكل سريع ونشوء عالم متعدد الأقطاب وهو ما يهدد باندلاع حروب مدمرة، خاصة أن العالم المتعدد الأقطاب كان قد أفرز حربين عالميتين مدمرتين، فكان أن خلصوا إلى نبذ هذه الفكرة والتركيز على منع أي من القوى الكبرى الإقليمية أو الدولية من السيطرة على منطقة معيّنة بذاتها بشكل مطلق.
يخلص زلماي إلى أنّ الانسحاب ليس حلاًّ وأنّ الحل هو دعم سياسة «توازن القوى» في المناطق الهامة حول العالم. 
لا شك أن طرح زلماي هو الأكثر وجاهة لكن المشكلة أنه يأتي في التوقيت الخاطئ؛ إذ لا يبدو أن الولايات المتّحدة سترتد عن سياسات أوباما وحتى وإن فعلت فسيلزمها استثمار موارد أكبر لتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في عهده، ولا يبدو أن أحداً من المرشحين الرئاسيين الموجودين حاليا قادر على فعل مثل هذا الأمر في المستقبل القريب، فضلا عن أن يكون موافقا عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق