من دخل دار السّناوي فهو آمن
وائل قنديل
الإيمان بالسيسي شرط الاعتراف بك مواطناً مصرياً.
هكذا يدعونا الزميل عبد الله السناوي إلى العودة إلى الوطن، واضعاً شروطه الخمسة، للدخول في "الدين السيسي الجديد" الذي يعتنقه، ويعتبر نفسه حارس بوابته، منذ تجلى له السيسي في اجتماع المثقفين.
قواعد، أو شروط خمسة، على كل إعلامي معارض في الخارج الالتزام بها، حتى يصحّ إيمانه، ويكون جديراً بدخول داره.. بُنيَ الإسلام على خمس، وكذلك يبني السناوي الوطنية الجديدة، تبعاً للشريعة الانقلابية.
"السماح بالعودة دون ملاحقة أمنية يخضع لعدة شروط، منها أن يعترف الشخص الراغب بالعودة بشرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأن يعتذر عن كل ما بدر منه في الوقت السابق من إساءة لقيادات النظام الحالي، وألا يكون متورطاً في عنفٍ، أو حرّض عليه".
يقول السناوي لموقع "مصر العربية"، ثم يوضح "إجراءات العودة تتمثّل في أن يتقدم الشخص الراغب بالعودة بطلب لرئاسة الجمهورية، ومن ثم دراسة حالته ومدى توافر الشروط فيه".
مات هيكل، فتحوّل عبد الله السناوي إلى نسخةٍ مزيّدةٍ ومنقّحةٍ من مصطفى بكري.
سقطت عنه قشرة المحلّل السياسي الرصين، دُفنت مع "الأستاذ" في قبره، ليتفرّغ "التلميذ" للمنافسة على بطولتي الفاشية والمكارثية، في توقيتٍ واحد، ينصّب نفسه معياراً للوطنية، يقف على أبواب جنة السيسي، يوزّع صكوك الغفران، ويمنح شهادات حسن الإيمان، بعد أن يجتازوا مرحلة الاعتراف بالذنب بين يديه، ويحصلوا على وعدٍ بالدخول في زمرة الصالحين.
"من دخل دار السناوي فهو آمن"، يكاد يهتف الزميل من أعلى قمة جبل الفاشية، بيد أنه لا يعفو أو يصفح، بمجرد الدخول، إذ يريدها استتابةً مذلّة، واستغفاراً مهيناً في حضرة "مسيلمة"، لا يعقبه اعتراف بصلاحية التائب للحصول على بطاقة "مواطن صالح" مباشرة، بل عليه أن ينتظر حتى ينظر في أمره.
لا يقل هذا جنوناً وعبثيةً عمّا تمارسه داخلية السيسي، حين تستبيح القتل وتستحلّ الدماء وتشرعن الإجرام، إرضاءً لإيطاليا التي تنتظر رداً محترماً على مقتل مواطنها الشاب جوليو ريجيني بعد تعذيبه، بالأساليب المعتمدة رسمياً، في القاهرة.
يتصوّر النظام المصري أنه يقدّم هديةً غاليةً إلى حكومة روما، حين يعلن عن تصفية خمسة مصريين، بأساليب وحشيةٍ، ثم يدّعي أنهم قتلة ريجيني، فيأتي الرد صاعقاً من إيطاليا: لا تهربوا من جريمة قتل الشاب بجريمةٍ أكبر وأحقر.
تماماً، كما يتصوّر السناوي أنه يُسدي معروفاً للصحافيين والإعلاميين في الخارج، فيستقر في قاع الفاشية "البكرية"، ويسلك على نحوٍ مخالفٍ كل الدساتير والقوانين ومواثيق حقوق الإنسان، إذ لا توجد دولة في العالم تشترط للاعتراف بمواطنيها المعارضين أن يسبّحوا باسم حاكمها المستبد، الواصل إلى الحكم بأسلوبٍ إجرامي، أناء الليل وأطراف النهار.
طريقة الأمن المصري في التلفيق وتأليف الأكاذيب، تجعل بعضهم يقول متندّراً "ولا يوم من أيامك يا عادلي"، وزير داخلية حسني مبارك، حيث تغيب الصنعة والمهارة في صناعة السيناريوهات الأمنية الكذوب، للتغطية على جريمةٍ ارتكبها النظام، فتتحوّل رواية الشرطة المصرية إلى نكتة في الداخل والخارج، يتداولها العالم كلّه بسخريةٍ أشدّ من سخرية سؤال صحافية الأوسكار "وات أباوت يور فيرست أوسكار"، لينقلب الكذب على الكاذب، ويجد النظام نفسه أقرب إلى القاع، من حيث أراد الطفو.
وكذلك طريقة عبد الله السناوي في انحداره المفاجئ بسرعة الصاروخ من "الحافّة" إلى القاع، حين يطلق نكتة "حق العودة"، فيفقد ظله، ويظهر بملامحَ لا تختلف كثيراً عن ملامح بكري ونجيب جبرائيل وأحمد موسى.
فليستمتع السناوي ورفاقه بنعيم جنّة الفاشية، ولا يشغل باله بمن هم في الخارج، كي لا يزاحموه في حظيرة الإيمان بالزعيم الملهم، وليوفر جهده لما هو أهم من الوظيفة التي اختارها لنفسه، أو اختاروه لها، وظيفة كاهن الاعتراف التي يريدها، كما كان هيكل قبل الرحيل، يريد أن يلعب دور "الكاردينال" مع السيسي المعصوم، حين عبّر عن هذه الرغبة في أحد حواراته المتلفزة قائلا "عندما انتخب البابا الجديد، المجمع المقدس، قام بشيء جديد، لم نأخذ بالنا منه، قبل صعود الدخان بألوانه، قالوا إن الزمن تغيّر، ومركز القرار أصبحت له أهمية فائقة لديهم، فلا بد من تقوية مركز صنع القرار، وهو مركز البابا، فعليه أن يقبل في مكتبه بثمانية كرادلة ليسوا مستشارين، لأن وجودهم مهمّ، فالبابا معصومٌ، والفاتيكان ليست دولةً تحارب، لكن الكرادلة والمجمع كله أجمع على أهمية الدور المعنوي، على الأقل في ظل التغيّرات العالمية المتسارعة. وبالتالي، مركز البابا لا بد أن يكون مدعوماً بقوةٍ فكريةٍ وتجربةٍ ومعرفةٍ وقدرةٍ على الحوار والمناقشة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق