الجمعة، 18 مارس 2016

لا لشيطنة غزة لصالح الصهاينة

لا لشيطنة غزة لصالح الصهاينة

عامر عبد المنعم

تعيش مصر انقلابا أكثر خطورة من الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهو الانقلاب على الثوابت الوطنية والدينية، وانسلاخ الدولة المصرية عن محيطها العربي والإسلامي والارتماء في أحضان أعدائها وخصومها، فالسياسة الخارجية المصرية تعمل لتوطيد التحالف مع الكيان الصهيوني وقبرص واليونان، تعادي غزة وليبيا والسودان، أي عكس محددات الأمن القومي المصري منذ أيام الفراعنة وبعد دخول الإسلام.

في إطار هذا اللامعقول تأتي الحملة على حماس والتحريض ضد غزة وانخراط السلطة المصرية الحالية في حملة لشيطنة فلسطين والفلسطينيين، في صدام صريح مع موقف الشعب المصري تجاه القضية الفلسطينية، بل وتحول الدور المصري من دور الوسيط السمسار الذي كان يلعبه الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى دور المنحاز بشكل كامل لـ " إسرائيل" والتعاون مع اليهود ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يجاهر به عبد الفتاح السيسي.

هذا التوجه المعادي لغزة يخرج مصر من التاريخ والجغرافيا، والإصرار على هذا النفس الشيطاني لن يغير ما هو مستقر في ضمير ووجدان المواطن المصري الذي ينظر إلى فلسطين على أنها القضية المحورية للأمة، التي ضحى من أجلها المصريون وقدموا الكثير من الشهداء في جهاد مجيد ضد العصابات الصهيونية والاحتلال اليهودي منذ 1948 وقبلها ضد الصليبيين في حروب استمرت لقرنين.

القرآن وبني إسرائيل

في القرآن الكريم تكررت الآيات التي تؤكد أن بني إسرائيل هم العدو الرئيسي للمسلمين، وهم محور الكراهية تجاه الإسلام والأشد كراهية للأنبياء وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا التكرار فيه معاني كثيرة وعبر تستحق التأمل، فهي للتذكير دوما بأن الصهاينة هم الجهة التي تعادينا ولا تتوقف عن الكيد لأمتنا، فاليهود من خلال وسائل عديدة يسيطرون على الغرب ويوجهون سياساته العدوانية تجاه المسلمين، منذ القديم وحتى الآن.


ففي الوقت الحالي يظهر تأثير اللوبي اليهودي في تسخير الولايات المتحدة لخدمة المصالح اليهودية بالمنطقة العربية، وأيضا يحرك اللوبي اليهودي الرئيس بوتين في التخديم على "إسرائيل" رغم ما يبدو من خلافات بينه وبين الأمريكيين والتنافس المستعر على النفوذ والسيطرة على الأرض العربية وثرواتها، كما أن السياسة الأوروبية في مجملها موظفة بشكل أكثر دهاءً لخدمة الاحتلال الصهيوني، وإذا رجعنا إلى التاريخ فإن الحملات الاستعمارية تحركت بدعم وتمويل يهودي، منذ حروب نابليون الذي أعلن عن الوطن القومي لليهود في فلسطين وحتى وعد بلفور بعد ذلك بأكثر من مائة عام.

هذه الانتكاسة التي وصلنا إليها، وصعود العناصر الموالية للصهاينة بالشكل الذي نراه جاء نتيجة إستراتيجية صهيونية مدروسة، تعمل منذ عقود وليست وليدة اليوم، وما حققته من نجاحات إنما بسبب غياب إستراتيجية مواجهة، وشيوع حالة الاستسلام التي سيطرت على النخب التي تم تطويعها وتغريبها، حتى وصلنا إلى حالة التهويد الجاري.

الإستراتيجية الصهيونية

ركزت الإستراتيجية الصهيونية على عدة محاور، من أبرزها ما يلي:
1- إنهاء فكرة العداء لليهود،
وكسر حالة الإجماع العربي والإسلامي على المقاطعة وكراهية الصهاينة، وفي نفس الوقت إنهاء فكرة العدو الخارجي التي توحد الشعوب العربية، وتمثل ضغطا على الحكام وعائقا أمام المطبعين والمتعاونين مع الكيان الصهيوني.
2- استنزاف الدول في صراعات داخلية، واختراع أعداء مصطنعين وتوجيه مخزون القوة إلى الاتجاهات الخاطئة وتأليب العرب بعضهم على بعض، والحكومات ضد الشعوب، لإشغال الحكام والشعوب معا عن مواجهة الإسرائيليين.
3- إضعاف المقاومة الفلسطينية بعزلها عن محيطها العربي والإسلامي وحرمانها من الدعم الشعبي الذي يحاصر الدوائر التابعة للصهيونية التي تخترق الدول ويفسد المكر الصهيوني.
4- تجريم العمل المقاوم ضد الاحتلال والتقليل من شأنه، والاستهزاء به، لتشويه صورته في عيون وقلوب الجماهير لإضعاف الروح المعنوية للأمة وهزيمتها نفسيا، ولتشويه صورة الانتصارات التي حققتها المقاومة في الحروب الأخيرة، التي غيرت موازين القوة لصالح صمود الشعب الفلسطيني.
5- رفع القداسة عن الإسلام كدين وحضارة للشعوب العربية والإسلامية، دين للمسلمين وحضارة لغير المسلمين؛ فالإسلام هو المحرك للمقاومة والدافع للتصدي للكيان الإسرائيلي، وذلك بإعادة تقديم اليهود كأصدقاء وليس أعداء.
6- جعل محاربة الإسلاميين عقيدة سياسية للحكومات العربية وربطها بالإستراتيجية الغربية التي تجمع التحالفات لمواجهة التمرد الإسلامي المتصاعد باسم "مواجهة الإرهاب" وتجنيد كل الحكومات بالرضا أو تحت الضغط والإكراه للانخراط في تحالفات تضمن السيطرة المباشرة عليها، وعدم تركها تتصرف لتحقيق مصالحها الوطنية بشكل مستقل وفقا لظروفها وواقعها.
7- التهيئة لتمكين أعوان الصهاينة من الحكم في البلدان العربية، من خلال الإعلام والمال بتوسيع القاعدة الشعبية المتهودة لتوفير ظهير شعبي لعمليات الانقلاب العنيف للثوابت الوطنية والدينية.
8- ربط مصالح الشعوب سياسيا واقتصاديا بالكيان الصهيوني بتخريب الاقتصاد وتفكيك قبضة الدولة وإفقارها، وربط التنمية بالدوائر الصهيونية وفتح الباب للاستثمارات الخارجية للسيطرة على مفاصل الدولة الاقتصادية، وهذه الاستثمارات تعمل في إطار التوجهات المرسومة لها صهيونيا.
9- عزل مناهضي التطبيع وحصارهم وتسفيه مواقفهم، من خلال الإعلام المسيطر عليه صهيونيا، وصناعة رموز وزعامات جديدة من الموالين والمصنوعين لخدمة المشروع الصهيوني.
10- تسخير الدول العربية بمنظماتهم المتعددة لخدمة الصهيونية للوصول إلى الخطوة الأخيرة وهي الإعلان عن تولي إسرائيل قيادة العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
ولكن رغم ما وصل إليه الصهاينة من نتائج، فإن هذه المكاسب رغم أهميتها مؤقتة ولن تدوم طويلا، وقد يتسبب هذا الظهور لأصدقاء إسرائيل وتصدرهم المشهد بسبب ظروف استثنائية في حرقهم مبكرا، وليس تمكينهم كما يتمنى الإسرائيليون، فهناك حدود لا يمكن تجاوزها، كما أن الكيان الصهيوني لن يستطيع تقديم العون الكافي لحماية المتحالفين والمتعاونين أمام طوفان زاحف من الصحوة الشعبية.
الضعف والتراجع الإسرائيلي

الكيان الصهيوني في أضعف حالاته، والتطورات أكبر من قدرته على الاحتمال، والذين يراهنون على الدعم الإسرائيلي لحكم الشعوب المسلمة سيسقطون بأسرع مما يتخيلون، فهذا الكيان أضعف من أن يحمي من باعوا أوطانهم وأمتهم من أجله، ومثل "إسرائيل" والتابعين لها من المتعاونين والمتحالفين " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك".
وهذه أهم المؤشرات التي تؤكد تراجع الكيان الصهيوني على غير ما تروج له الدعاية الصهيونية:
1- انكشفت الأكاذيب حول القوة العسكرية للكيان الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية غير النظامية حيث خسرت "إسرائيل" كل معاركها الأخيرة، وتبرز حالة الضعف في الانسحاب وبناء الأسوار والجدران للاحتماء خلفها وليس التمدد والتوسع كما كان يصور الإعلام الصهيوني، وما عجز عن تحقيقه بالقوة العسكرية لن يستطيع تحقيقه بالمكر والتآمر.
2- تصاعد قوة المقاومة الفلسطينية وتطور قدراتها العسكرية التي أنهت فكرة الأمن التي عاش عليها المحتلون منذ 1948 بدون تهديد، فالصواريخ والقذائف تصل إلى كل المستوطنات والمنشآت في فلسطين المحتلة، وغيرت المقاومة شكل المعركة من تلقي الضربات والصمود إلى الهجوم وتوجيه اللكمات إلى وجه الكيان وكسر غروره.
3- الشعوب العربية رغم حملات العلمنة والتغريب مرتبطة بدينها ولن تجدي معهم حملات الهجوم المباشر على الدين، فمنع الصلاة ومحاربة الحجاب والنقاب، وتجفيف العمل الخيري، والترويج لعبدة الشيطان ومدعي النبوة وتشجيع من يتطاولون على الدين مجرد محاولات خبيثة سرعان ما ستنتهي ويتلاشى تأثيرها؛ فهي ليست الأولى وقد سبقها الكثير دون جدوى.
4- كراهية اليهود مرتبطة بالثقافة الشعبية المستمدة من العقيدة ومن الحروب التي خاضها العرب والمسلمون ضد الصهاينة، ويغذيها تواصل الإجرام اليومي، الذي نراه بالصوت والصورة على الشاشات وهو بمثابة مضخة كراهية تنسف كل جهود تجميل الإسرائيليين وتحسين صورتهم.
5- حالة الوعي واليقظة السياسية في العالم العربي، بسبب الانترنت وتكنولوجيا الاتصالات والبث الفضائي، أصبحت هي التحدي الذي يرعب الكيان الصهيوني، ونذكر بهجوم الشباب المصري بعد ثورة يناير على السفارة الإسرائيلية وإغلاقها، هذا الحدث المعبر ذي دلالة؛ فهذه الأجيال التي ولدت بعد اتفاقية كامب ديفيد وفي عصر السلام الصهيوني، أذهلت العالم في مشهد لا ينسى.
6- تصاعد حالة التمرد العالمي على الهيمنة الغربية، وظهور مراكز قوة جديدة في الشرق، وعدم تركزها في الغرب، وهذا يضعف من القبضة الغربية؛ مما يصب لغير صالح الكيان.
7- الشيخوخة التي أصابت القوة العسكرية الغربية، وعجزها عن القتال البرى والاعتماد على المرتزقة من الطائفيين والأقليات العرقية، نتيجة الحروب ضد المسلمين في أفغانستان والعراق، يفقد الكيان ما كان يهدد به من الدعم العسكري الغربي اللا محدود.
8- اتساع حالة التمرد في العالم الإسلامي ضد الهيمنة الغربية وضد الإسرائيليين يشتت قدرة دول الغرب ويجعلها تضغط على الكيان بشكل عكسي لتجميد الجبهات.
9- اشتعال المناطق المحيطة بالكيان الإسرائيلي بألوان متعددة من المقاتلين الذين قد تتضارب أفكارهم وقد يتصارعون في تحالفاتهم، لكنهم يتفقون على العداء للاحتلال الصهيوني.
10- تأتي انتفاضة القدس كأكبر تحد يضرب قلب الاحتلال ويهدده من الداخل، لأول مرة منذ تأسيس الكيان، وقد تطورت هذه الانتفاضة من الحجارة إلى السكاكين ثم الدهس ووصلت مؤخرا إلى استخدام الأسلحة النارية.
نحن أمام كيان متراجع، ولن يستطيع إنقاذ من يراهنون عليه أمام موجات الرفض الشعبي للتطبيع مع الإسرائيليين، وما يبدو من صعود لدوائر موالية في بعض الدول العربية تغير مؤقت، خارج عن توجهات التيار العام، ويتصادم مع حركة التغيير التي تجتاح المنطقة منذ ثورة البوعزيزي في تونس.
الثورات التي شهدتها المنطقة العربية لم تنته كما يتوهم البعض، فالشعوب اليوم أكثر وعيا، ولن تحكم بغير إرادتها، وهي أكبر من أن يسيطر عليها بالقوة الباطشة، وكل من يتجاهل الإرادة الشعبية سيكتشف فجأة أن كل حساباته كانت خاطئة، ولكنه عندما يرى بعينيه ما لم يكن يصدقه بعقله وقلبه، ستكون اللعبة انتهت، ووصلت إلى الفصل الأخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق