الخميس، 24 مارس 2016

مثقف الحظيرة و "مسحول اسطنبول"

مثقف الحظيرة 
و
"مسحول اسطنبول"
 وائل قنديل



كانت مصر على الحافّة، تصارع خطر السقوط، وتواجه مصيراً مؤلماً، قبل أن يتم تصعيد الزميل عبد الله السناوي إلى الفريق الأول، وضمّه إلى منتخب مثقفي عبد الفتاح السيسي..
فلما تبسّم الزمان، وأنعم عليه بلقاء الزعيم، تزحزحت مصر، ونأت عن الخطر، وانتقلت من الحافّة إلى مكان دافئ ومستقر، أظن أن القاع دائماً أكثر استقراراً ودفئاً.
حرارة لقاء السيسي أنست عبد الله السناوي، الناصري القديم، أباه الروحي، محمد حسنين هيكل، قبل أن تمر ذكرى الأربعين يوماً الأولى على رحيله، فلم يعد يرى عبد الفتاح السيسي بعيون هيكل، في دردشته الأخيرة قبل الرحيل، مصدوماً ومرتبكاً ومرتعشاً في الحكم، في ما معناه أن حكم مصر أكبر من قدراته.

الآن، بعد أن ذاق السناوي حلاوة الوصل، بات أداء السيسي من أروع الأداءات، وفاضت حكمته وسعة صدره، حتى تفوّق على كريمة مختار وأمينة رزق في أداء دور الأم الحنون الصابرة التي لا تضيق بالنقد، ولا تضج بمشاكسات الأولاد "المثقفين" الذين التقوه وحاوروه.

لم يخرج لقاء السيسي الصحافي الناصري، الحمديني المعارض السابق، من جلباب هيكل فقط، بل أخرجه من جلده، فنسي أن يسأل الجنرال عن هذا اللهيب المنبعث من علاقاته غير المشروعة، سراً وعلناً، مع العدو الصهيوني، في مخدع التطبيع، وخارجه.
لم يتذكّر، وهو محرّر الشؤون العربية القومية الوحدوية أن يسأله، أو يطلب منه ردّاً أو نفياً أو تعليقاً، على انفراد الأوساط الصهيونية بنشر غسيل العلاقة مع السيسي، على نحو بات يحرج مثقفي حظيرته، من بقايا الناصريين والقوميين.

حرارة اللقاء مع الزعيم الذي كان السناوي يتحدث عن البحث عن بديلٍ له، في ظل إخفاقاته وتعثراته وبلادته، جعلت الصحافي القديم أكثر شبقاً للمداخلات التلفزيونية، ناطقاً باسم الحظيرة (الاسم الذي أطلقه صديقه الحميم ومصدر معلوماته الوحيد، في السنوات العشر الأخيرة لمبارك حاكماً، فاروق حسني، على وزارة الثقافة)، ليعلن بلا أدنى احترامٍ للموضوعية، أن الصحافيين المصريين المعارضين للسيسي في الخارج ينشدون العودة، أسوة بذلك المراسل التلفزيوني الذي تسلل إلى المنابر الإعلامية المنطلقة من اسطنبول، ثم خرج متقمّصاً شخصية الابن الضال العاق لوالدته مصر، طالباً العفو والسماح له بالعودة إلى حضن الوطن، رأفةً بمرضه، السرطاني، عافانا الله وإياكم من سرطان العقول وسرطان الضمائر، وسرطان المعارضة المزيّفة.

يتطوّع السناوي ليدّعي أن كثيرين يريدون العودة، مثل طارق عبد الجابر، أو "مسحول اسطنبول" الذي يذكّرك السيناريو الركيك لقصة توبته وعودته بسيناريو "مسحول أحداث الاتحادية" الذي أبكى مصر، حين تعرّى، كيوم ولدته أمه، ودفعنا إلى مطالبة الرئيس محمد مرسي بإقالة وزير داخليته، وإلا فشرعيته تسقط، ثم اكتشف الجميع، في ما بعد، أنه ظهر مسحولاً وعارياً وموجعاً للقلوب بأجر، في إطار دورٍ مكتوب بمهارة، ضمن أحداث سيناريو الثورة المضادة، ليتضح في ما بعد أنه من جماعة "آسفين يا مبارك" و"كلهم عمر سليمان" ثم "كلهم أحمد شفيق"، وأخيراً "كلهم عكاشة" و"كلهم السيسي".

أتحدّى الزميل عبد الله السناوي أن يذكر اسماً واحداً من الصحافيين المصريين في الخارج يفكّر في اقتراف خطيئة استرحام سلطات نظامٍ قاتل، سارقٍ لسلطة، ومعادٍ لثورة، ومبدّد لرصيدٍ حضاريٍّ وثقافي، ومهين لدور تاريخي لبلدٍ كبير بحجم مصر.

لقد تدحرجت الرواية الكذوب عن "العائدين من معارضة الانقلاب" على استحياء، في بدايات طرح فيلم "48 أسبوعاً في اسطنبول"، بطولة المراسل المتيّم بالمخابرات، ثم بان من خلال حكايات السناوي عن لقاء أبناء الحظيرة مع الجنرال أنها عبوة ناسفة، يزرعها النظام تحت أقدام الصحافيين في الخارج، لاستدراج بعضهم، في إطار مشروعٍ للاختراق والاحتواء، صاغته عقول بعض أبناء النظام الأوفياء.

وبصفتي أحد الذين يزعم الزميل العزيز أنهم يفكّرون في الرجوع، فإني أطالبه، من باب التحلي بالقيم والأخلاقيات المهنية، أن يكشف عمّا لديه من أسماء تقف على أبواب الحظيرة، وتستأذن "الكلّافين" القدامى والجدد في الدخول، والتوبة والاستغفار، وذلك حتى نعرف كم "طارق عبد الجابر" بيننا تستهويه دراما "حمادة المسحول"، ويبحث عن موطئ قدم آمن، تحت سقف حظيرة الثقافة والإعلام في مصر السيسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق