الخميس، 17 مارس 2016

أوباما يكشف أهم التهديدات التي تواجه أمريكا (مبدأ أوباما ج4)

أوباما يكشف أهم التهديدات التي تواجه أمريكا (مبدأ أوباما ج4)

كشف أوباما عن رؤيته عن أهم التهديدات التي تواجه أمريكا- أرشيفية


تواصل
"عربي21" الانفراد بنشر ترجمة تفاصيل المقابلة الهامة التي نشرتها مجلة "أتلانتيك" الأسبوع الماضي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي توضح كيف يفكر رئيس الولايات المتحدة، وما هي رؤيته للعديد من القضايا الشائكة التي تشغل العالم. وفي الحلقة الرابعة من هذه المقابلة يكشف أوباما عن رؤيته عن أهم التهديدات التي تواجه أمريكا.

في حوار جرى في نهاية كانون الثاني/ يناير، طلبت من الرئيس أن يصف لي التهديدات التي تقلقه أكثر من أي شيء آخر وهو يستعد خلال الأشهر المقبلة لتسليم السلطة إلى خلفه.


قال لي: "وأنا أتأمل في العشرين سنة المقبلة، أكثر ما يقلقني هو التغير المناخي بسبب تأثيراته في كافة المشاكل الأخرى التي نواجهها. إذا بدأت ترى مزيدا من الجفاف الشديد؛ ومزيدا من المجاعة؛ ومزيدا من النزوح من شبه القارة الهندية والمناطق الساحلية في أفريقيا وآسيا؛ واستمرت مشاكل ندرة الموارد، واستمرار تدفق اللاجئين، وتفاقم الفقر وانتشار الأمراض، كل هذا من شأنه أن يفاقم من أي مشكلة موجودة لدينا ويزيدها تعقيدا. وهذا فوق القضايا الوجودية وما بعدها على ظهر كوكب بدأ يدخل في دورة ارتجاعية سيئة".


وقال إن الإرهاب يصبح، أيضا، مشكلة طويلة المدى "عندما يترافق مع مشكلة الدول الفاشلة".


سألته ما هو البلد الذي يعتبر أنه يمثل التهديد الأكبر لأمريكا خلال العقود القادمة؟
فقال: "من حيث علاقات الدول الكبيرة تقليديا، أعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستكون الأكثر حرجا. إذا ما وفقنا في ذلك واستمرت الصين في الصعود السلمي، فسيكون لدينا شريك تتنامى قدراته ويحمل معنا أعباء ومسؤوليات الحفاظ على النظام الدولي. ولكن إذا أخفقت الصين؛ إذا لم تكن قادرة على الحفاظ على مسار يرضي شعبها، ستجد نفسها مضطرة للجوء إلى القومية كمبدأ تنظيمي؛ إذا ما شعرت بأنها مثقلة لدرجة أنها تحجم تماما عن حمل المسؤوليات المنوطة ببلد بحجمها فيما يتعلق بالحفاظ على النظام الدولي؛ إذا ما نظرت إلى العالم فقط من خلال نطاقات النفوذ الإقليمية – ففي هذه الحالة لن يقتصر الأمر على رؤية إمكانية الصدام مع الصين، ولكننا أيضا سنجد أنفسنا في مواجهة صعوبة أكبر في التعامل مع تلك التحديات الأخرى التي ستأتي من بعد".

لفت نظره إلى أن كثيرا من الناس يريدون من الرئيس أن يكون أكثر حزما في مواجهة الصين، وخاصة في بحر جنوب الصين. ومن هؤلاء على سبيل المثال هيلاري كلينتون التي سُمعت في بعض المجالس الخاصة وهي تقول: "لا أريد لأحفادي أن يعيشوا في عالم يهيمن عليه الصينيون".

فقال لي: "كنت صريحا حينما قلت بوضوح بأن لدينا مما نخشاه إذا ما كانت الصين ضعيفة ومهددة أكثر مما سيكون عليه الحال لو كانت الصين ناجحة وصاعدة. أظن أن علينا أن نكون حازمين حين تقوض أعمال الصين المصالح الدولية، وإذا ما رأيت كيف عملنا في بحر جنوب الصين، لقد تمكنا من حشد معظم آسيا لعزل الصين بطرق فاجأت الصين، بكل صراحة، وخدمت مصالحنا في تعزيز تحالفاتنا".

وبالطريقة نفسها فإن روسيا الضعيفة والفاشلة ستشكل تهديدا أيضا، وإن لم يرق إلى مستوى عال من التهديد. 
وعن ذلك قال أوباما: "على النقيض من الصين، لديهم مشاكل ديمغرافية ومشاكل اقتصادية بنيوية تتطلب ليس فقط وجود رؤية وإنما تتطلب جيلا حتى يتسنى التغلب عليها. إن الطريق الذي يسلكه بوتين لن يساعدهم في التغلب على هذه التحديات. ولكن في مثل هذه البيئة يُغرى المرء باللجوء إلى القوة العسكرية كوسيلة لإظهار العظمة، وهذا ما ينزع إليه بوتين. ولذلك فلست ممن يقللون من المخاطر الكامنة هناك".

عاد أوباما ليتحدث عن نقطة طالما ذكرها لي مرارا وتكرارا، وهو أمر يأمل بأن البلد والرئيس المقبل سيستوعبانها: "تعرف أن فكرة أن الدبلوماسية والتكنوقراطيين والبيروقراطيين بشكل أو بآخر يساعدون في إبقاء أمريكا آمنة ومؤمنة، يظن كثير من الناس أن هذا كلام فارغ، ولكنه كلام صحيح. وبالمناسبة، إنه عنصر القوة الأمريكية وهو الذي يقدره باقي العالم بشكل لا لبس فيه. حينما ننشر القوات، هناك باستمرار إحساس لدى البلدان الأخرى بأن السيادة تنتهك، حتى حينما يكون ذلك ضروريا".
على مدى العام الماضي، زار جون كيري البيت الأبيض بشكل منتظم ليطلب من أوباما انتهاك سيادة سوريا. وفي مناسبات عدة طالب كيري أوباما بأن يطلق الصواريخ على أهداف محددة تابعة للنظام تحت جنح الظلام من أجل"بعث رسالة" إلى النظام.
قال كيري إن الهدف لم يكن الإطاحة بالأسد وإنما تشجيعه، وكذلك إيران وروسيا، على التفاوض لتحقيق السلام. وعندما ترجحت كفة تحالف الأسد في ميدان المعركة، كما كان عليه الحال خلال الشهور الأخيرة، لم يبد النظام رغبة في أن يأخذ على محمل الجد عروض كيري للتفاوض بإخلاص ونية صافية.
كان كيري يرى بأن عددا قليلا من الصواريخ قد تحمل الأسد ومن يساندونه على التفكير بجد. وكان مسؤول كبير في الإدارة قد قال لي إن "كيري أشبه ما يكون كالأبله أو المغفل في حضرة الروس، وذلك لأنه لا يملك بيده وسيلة للضغط".

وقال كيري لأوباما إن الولايات المتحدة ليست مضطرة لإعلان مسؤوليتها عن الهجمات، إلا أن الأسد سيعرف بالتأكيد العنوان الذي جاءت منه الصواريخ. فما كان من أوباما إلا أن قاوم، وبثبات، مطالب كيري، ويبدو أنه سئم محاولاته المتكررة للضغط عليه. وعندما أقدم كيري مؤخرا على تسليم أوباما خطة مكتوبة للخطوات الجديدة التي تستهدف ممارسة مزيد من الضغط على الأسد، قال له أوباما "آه، مقترح آخر!!؟"، ولقد أخبرني مسؤولون في الإدارة بأن نائب الرئيس بايدن، أيضا، سئم مطالب كيري وإلحاحه على القيام بعمل ما. وأخبر وزير الخارجية في جلسة خاصة بينهما: "جون، هل تتذكر فيتنام؟ هل تذكر كيف بدأت؟"، وفي اجتماع لمجلس الأمن القومي عقد في البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) في شهر أيلول/ ديسمبر، أعلن أوباما أنه لا ينبغي لأحد سوى وزير الدفاع أن يأتيه بمقترحات للقيام بعمل عسكري. وفهم مسؤولو البنتاغون أن المقصود من إعلان أوباما هو كيري ذاته.

وفي أحد أيام كانون الثاني/ يناير، وفي مكتب كيري داخل وزارة الخارجية، عبرت عما هو جلي: إن لديه تحيزا نحو الإجراء العسكري أكثر مما لدى الرئيس.

أقر كيري بذلك قائلا: "نعم، ربما كان لدي ذلك. انظر، القول الفصل في هذه الأشياء يعود إليه هو والأمر في نهاية المطاف بيده ... بإمكاني القول إنه سادت بيننا علاقة تعاضدية وتعاونية، أو سمها ما شئت، وكانت ناجعة وفعالة جدا، لأنني آتي حاملا معي تحيزا أعبر عنه بالقول (دعنا نجرب هذا، دعنا نجرب ذاك، دعنا ننجز هذا الأمر)".
إلا أن حذر أوباما الشديد من التورط في سوريا أسخط نفرا من المسؤولين داخل الإدارة ممن رأوا فرصا قد لاحت في لحظات مختلفة خلال السنوات الأربع الماضية لترجيح الكفة في ميدان المعركة ضد الأسد. 
ولقد ظن البعض أن قرار بوتين خوض القتال نيابة عن الأسد سوف يحفز أوباما على تكثيف الجهود الأمريكية لمساعدة الثوار المعارضين للنظام. إلا أن أوباما، على الأقل حتى كتابة هذه السطور، لم يحرك ذلك فيه شيئا، وذلك جزئيا لأنه اعتقد أنه ليس من اختصاصه إيقاف روسيا وردعها عن ارتكاب ما اعتبره خطأً جسيما.
لقد قال لي: "لقد تمددوا فوق استطاعتهم، وهم ينزفون، واقتصادهم في تراجع وانكماش خطير منذ ثلاثة أعوام على التوالي".

في الاجتماعات الأخيرة لمجلس الأمن القومي من حين لآخر، كان يشار إلى إستراتيجية أوباما على أنها "مقاربة طوم سوير". كانت وجهة نظر أوباما أنه إذا أراد بوتين أن يهدر موارد نظامه على طلاء السياج في سوريا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتركه وشأنه. ولكن مع نهاية الشتاء، حينما بدا أن روسيا كانت تحقق تقدما في حملتها لتعزيز حكم الأسد، بدأ البيت الأبيض في البحث عن وسائل زيادة الدعم المقدم للثوار، وذلك على الرغم من استمرار الرئيس في موقفه المتسم بالتناقض تجاه مشاركة أشمل وأكثر فاعلية. وفي أحاديث تبادلتها مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي على مدى الشهرين الماضيين، شعرت بتوجس من أن حدثا ما – هجوم سان بيرناردينو آخر على سبيل المثال – قد يجبر الولايات المتحدة على القيام بإجراء جديد ومباشر في سوريا، ومثل هذا الأمر بالنسبة لأوباما سيكون بمثابة كابوس.

قال لي أوباما إنه لو لم يكن هناك عراق، ولم يكن ثمة أفغانستان، ولا ليبيا، لربما كان أكثر ميلا للمجازفة في سوريا، وأضاف: "حينما يتخذ الرئيس قرارا فإنه لا يتخذه عن فراغ، إذ لا يوجد لديه لوح أبيض من الإردواز. إن أي رئيس لديه مستوى كاف من التأمل والتدبر، فيما أعتقد، سوف يتردد في اتخاذ قرار بالالتزام مجددا في المنطقة نفسها من العالم بالديناميكيات نفسها والاحتمالات نفسها التي أدت من قبل إلى نتيجة غير مرضية".

سألته: "هل أنت مبالغ في الحذر؟".
قال لي: "لا. هل أظن أننا لو لم نكن قد غزونا العراق ولو لم نكن حتى الآن متورطين بإرسال مليارات الدولارات وعدد من المدربين العسكريين والمستشارين إلى أفغانستان، هل كنت سأفكر بالإقدام على بعض المجازفة الإضافية للمساعدة في محاولة تشكيل الوضع في سوريا؟ لا أعلم".

ما أدهشني فعلا هو أن أوباما، وبالرغم من أن وزير خارجيته لا يكف عن التحذير من تداعيات وخيمة وكارثية للأحداث في سوريا على أوروبا، لم يقدم على إعادة تصنيف الحرب الأهلية التي تدور رحاها هناك على أنها تهديد أمني من أعلى المستويات.

يرى ناقدو أوباما في تردده في الانضمام إلى المعركة في سوريا دليلا على أنه في غاية السذاجة، ويقولون إن قراره في عام 2013 عدم اللجوء إلى إطلاق الصواريخ يثبت أنه مراوغ.

مثل هذا النقد يشعر الرئيس بالإحباط، وفي ذلك يقول: "لم يعد أحد يتذكر ابن لادن. لا يتحدث أحد عن أنني أمرت بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان". 
وقال إن أزمة الخط الأحمر (بشأن سوريا) "إنما هي النقطة التي انقلب عندها الهرم الذي تستند عليه كافة النظريات الأخرى".

وذات عصرية في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، وبينما كنت أهم بمغادرة المكتب البيضاوي (في البيت الأبيض)، ذكرت لأوباما لحظة وردت في مقابلة أجريتها معه في عام 2012 حينما أخبرني بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. 
قلت مذكرا إياه: "لقد قلت لي: أنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأنا لا أراوغ".

قال لي: "فعلا، لا أراوغ".

بعد تلك المقابلة بقليل قبل أربعة أعوام، سألني إيهود باراك، الذي كان حينها وزيرا للدفاع في إسرائيل، ما إذا كان وعد أوباما بعدم المراوغة هو نفسه نوع من المراوغة.
أجبته بأنني أجد من الصعوبة تصور أن يراوغ رئيس الولايات المتحدة بشأن أمر على درجة عالية من الأهمية.
ولكن ظل سؤال باراك يلازمني، ولذا وقفت بالباب مع الرئيس وسألته: "هل كانت مراوغة؟"، وأخبرته بأن عددا قليلا من الناس يعتقدون الآن أنه كان سيقدم فعلا على شن هجوم على إيران لمنعها من الحصول على السلاح النووي.

قال لي دون أن يجيب على السؤال: "هذا أمر مثير للاهتمام".

بدأت أتحدث قائلا: "هل أنت ....".

فقاطعني قائلا: "كنت قطعا سأفعلها"، ويقصد بذلك أنه كان سيقصف مرافق إيران النووية. وأضاف: "لو رأيتها تتوسع وتنتشر. والآن، الإشكالية التي لا يمكن حلها لأنها مرتبطة تمام الارتباط بالوضع، كانت ما الذي يشكل حصولهم عليها" أي القنبلة. "وهذا هو الجدل الذي دار بيني وبين نتنياهو".
كان نتنياهو يريد من أوباما أن يحول دون أن تتمكن إيران من امتلاك القدرة على صناعة القنبلة، وليس فقط من امتلاك القنبلة ذاتها.
قال الرئيس: "كنت محقا في اعتقادك ذاك". ثم مضى ليعبر عن النقطة الأهم قائلا: "كان ذلك يصنف ضمن ما يوصف بأنه مصلحة أمريكية".
ذُكرت فيما بعد بشيء كان ديريك كوليت، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، قد قاله لي: "أوباما مقامر، وليس مغامرا".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق