الرئيس التركي عبد الله غول يكشف في حواره عن مفاتيح الزمن التركي(1/2)
ترجمة/ مركز نماء للبحوث والدراسات
أجرت مجلة "الفورين أفيرز الأمريكية" – الشؤون الخارجية – عبر الصحفي "جوناتان تيبيرمان" في أكتوبر 2012 حوارا مهما مع الرئيس التركي عبد الله غول في مكتبه بأنقرة، وتم نشره في العدد الأخير من المجلة (عدد يناير فبراير تحت اسم الزمن التركي) ونظرا لأن الحوار يقدم رؤية للدور التركي في المنطقة، ويقدم إجابات عن موقف تركيا بخصوص العديد من الملفات (سوريا، الملف النووي الإيراني، العلاقة مع إسرائيل، الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، دور تركيا في الربيع العربي، رسالة تركيا في العالم)، فقد ارتأينا أن نترجمه إلى القارئ العربي ونقدمه لجمهور مركز نماء للبحث الدراسات مساهمة في التفاعل الإيجابي مع الأفكار والتجارب المختلفة
في نظركم هل هناك شيء لا يرام في علاقات تركيا بأمريكا وبالغرب؟
تركيا هي جسر بين أوربا وآسيا والشرق الأوسط وأيضا القوقاز. وأي واحد من دول جوارنا له حكومة مختلفة، وأسلوب إداري مختلف. في تركيا، لدينا أغلبية واسعة من الساكنة المسلمة، كلها مع الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق الحر. وهذا يجعلنا متفردين في المنطقة. من وجهة نظر جيوسياسية، تركيا تنتمي إلى هذه المنطقة، ولدينا علاقات تاريخية مع كل الجيران. لكن من وجهة نظر قيمية، نحن مع الغرب. إذا نظرنا إلى المستقبل، هناك تقريبا حقيقة رياضية تقول بأن اقتصاد العالم وتوازن القوى سيميل لجهة آسيا. ولذلك، فالسياسة ينبغي أن تميل هي الأخرى لهذه الجهة. ولذلك، على أمريكا وأوربا أن يعترفا بدور تركيا وأهميتها. وتركيا ينبغي أن تصبح أكثر أهمية بالنسبة لهما.
العديد من الملاحظين يتخوفون من أن تكون التوجهات الجديدة لتركيا في اتجاه منطقتها تعني تخلي تركيا عن الغرب. هل لا زلتم تعتبرون أن مستقبل تركيا في الغرب؟
هذا نقد غير مخوف. فمن جهة، لدنيا مسار مستمر من المفاوضات للدخول الكامل في الاتحاد الأوربي. نحن نكرس جهودنا لفتح أي باب لكي تكسب تركيا العضوية الكاملة في الاتحاد الأوربي. تركيا لها دور، ولها مكان، في كل مؤسسات الاتحاد الأوربي وهيئاته. ولذلك، فحقيقة أننا أصبحنا أكثر فاعلية في منطقتنا، نتعامل مع المشاكل الإقليمية، لا ينبغي أن يتم تأويلها بكون تركيا أعادت رسم توجهاتها في المنطقة أو أنها تبتعد عن أوربا. نحن نتبنى بشكل كامل المعايير الأوربية. أنا أعتبر أي تصريحات في هذا الاتجاه لا أساس لها من الصحة، وأنا أتساءل إن كان أصدقاؤنا في الاتحاد الأوربي يستعملون مثل هذه التصريحات كذريعة للتهرب من مسؤولياتهم بخصوص عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي.
باعتبار عدم ترحيب أوربا بكم، وباعتبار الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعرفها، هل لا تزال أوربا النادي الذي تحبذون الانضمام إليه؟
أنا أؤمن أن الأحوال الجارية اليوم في أوربا مؤقتة. إذا رجعت إلى التاريخ، كل اكتئاب له نهاية. فبعد أي اكتئاب في الماضي، خرجت الدول والقارات منه أكثر قوة. وهذا ينطبق أيضا على الاتحاد الأوربي.
الأوربيون ارتبكوا أخطاءً كبيرة، لكنهم سيستخلصون منها الدروس ويدخلون إلى مسار آخر. لكن إذا أرادت أوربا فعلا أن تحد من الركود على المدى الطويل، يجب عليها أن تتبنى رؤية استراتيجية، وعليها ألا تحد من مجالها الترابي ومن حدودها.
مؤكد أن مسار توسيع الاتحاد الأوربي يمكن أن يستمر ببنية مختلفة. حاليا، مكونات الاتحاد الأوربي الموجودة اليوم صارت تطرح إشكالا، مما يعني أن مكونات جديدة يمكن أن تكون مرجوة. المملكة المتحدة مثلا، ليست عضوا في الاتحاد المالي، ولم تسقط داخل أي مسار من المسارات. الآن هناك محادثات حول صيغ مختلفة بالنسبة لأوربا في المستقبل.
هل يمثل إسقاط تركيا لطائرة روسية محملة بالسلاح إلى سوريا تصعيدا للتوتر في المنطقة؟
المشكلة في سوريا ليست قضية ثنائية بين تركيا وسوريا. ليس هناك أي صراع مصالح أو تصفية حسابات بين تركيا وسوريا. المشكلة في سوريا هي مأساة اغتصاب حقوق الإنسان من قبل النظام السوري في حق الشعب السوري الذي لديه مطالب مشروعة. وهذا ما يجعل الأمر يرتبط بالمجتمع الدولي برمته.
طبعا، لئن تركيا تعتبر دولة جوار، وتتقاسم مع سوريا حدودا تبلغ 900 كيلومترا، فإن التداعيات بالنسبة إلى تركيا تبقى مختلفة. فعلى سبيل المثال، لدينا 150 ألف لاجئ سوري فروا من سوريا ولجأوا إلى تركيا كنتيجة للمشاكل في هذا البلد. وهذا ما أدى إلى قضايا أمنية، وفجر اشتباكات بين النظام والمعارضة تؤثر فينا. منذ بداية الأزمة، كنا نميل إلى تغيير منظم ومراقب في سوريا. وكنتيجة لتسارع الأحداث، وضحنا موقفنا للجميع بأن تركيا في وحدة مع العالم الحر ستدعم الشعب السوري في مطالبه المشروعة. لكن منذ البداية الأولى للأزمة، أكدت بأن كل من روسيا وإيران ينبغي أن يكونا مدعوين للانخراط في إجراء الانتقال والتحول في سوريا لتفادي إراقة الدماء مرة أخرى.
أنا أعتقد أن روسيا، بشكل خاص، ينبغي أن يتم التعامل معها على نحو لائق.
لكن كيف يمكن إشراك روسيا في الوقت الذي تعمل فيه المستحيل للإبقاء على بشر الأسد في السلطة؟
روسيا دعمت الغرب في ليبيا، لكن بعد ذلك تم إقصاؤها من عملية الانتقال الديمقراطي. ولذلك روسيا ينبغي أن تكون مشاركة في سوريا، وينبغي أن تعطى لها ضمانة بأن سيكون لها نصيبا في المسار، وأن مصالحها في المنطقة سيتم أخذها بعين الاعتبار.
هل يمكن حث روسيا للتعاون في بناء سوريا الحرة الديمقراطية؟
أعتقد أن روسيا تستحق أن نمنحها المحاولة، لأن ما نريده في نهاية المطاف وبعد كل شيء، هو أن تكون هناك إدارة جديدة في سوريا ممثلة لكامل الشعب السوري.
أكدتم بأن حكومة سورية جديدة ينبغي أن تتخذ قرارات قوية لصالح الفلسطينيين، لماذا؟
القضية الفلسطينية كانت لمدة طويلة هي الركيزة الأكثر استخداما من قبل النظام السوري لشرعنة وجوده بين الشعب. ولذلك، على النظام الجديد في سوريا أن يثبت علاقاته مع فلسطين لإظهار أن سوريا مستقلة، وذات سيادة، وتتماشى في نفس الخط مع مطالب الشعب السوري. وهذا يمكن أيضا أن يبعث برسالة لبعض الدول مثل روسيا وإيران والصين بكون النظام الجديد ليس متحكما فيه عن بعد.
هل أنت محبط من كون الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لا يقومان بمزيد من الجهود لمساعدة سوريا لاسيما في الجانب العسكري؟
من سوء الحظ، قتل المواطنون الأتراك نتيجة لنيران المدفعية في سوريا. لكن بعد حادث 3 أكتوبر، اعتقدنا أن التضامن الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي كان جديا. وأيضا داخل الهياكل الداخلية للناتو، ثم القيام بالجهود التقنية الضرورية لمواجهة احتمال استعمال الأسلحة الكيماوية أو استعمال الأسلحة البالستية الأخرى. لكننا لسنا في حرب مع سوريا، ولذلك لا نتوقع أي شيء إضافي من الغرب. ومن جهة ثانية، إذا قارنت القوة العسكرية لتركيا وسوريا، فإن النتائج تتحدث بنفسها.
لكن هل تريد تركيا عملية من قوات متعددة الأطراف لإنهاء القتال على الطريقة الليبية؟ أم تريد خيارات أخرى محدودة مثل منطقة حظر الطيران، أو ممرات إنسانية أو منطقة عازلة؟
لا نعتبر التدخل الأجنبي في سوريا بالشكل الذي حدث في ليبيا مناسبا وصحيحا.
لا؟
لا، لكن دعني مرة أخرى أشدد على أن موقف المجتمع الدولي اتجاه سوريا ينبغي أن يتجاوز الخطاب البسيط. سنة ونصف مضت، وأثناء اندلاع الأزمة عملنا جاهدين لتغيير منظم. لقد قمنا باتصالات، واستثمرنا علاقاتنا مع النظام لحثه على التغيير. ثم مرة أخرى، أتذكر جيدا، لم يكن بعض أصدقائنا في الغرب يريد أعطاءنا أي وقت. لذلك أنا أحثهم الآن للتحرك بطريقة أكثر وضوحا.
هل تعمل تركيا الآن مع المملكة العربية السعودية وقطر لمساعدة الثوار بالسلاح؟
لا . منذ كنا دول جوار، كانت أبوابنا مفتوحة للشعب السوري. نحن نرحب بهم، ونحن نوفر لهم كامل حاجياتهم الإنسانية الضرورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق