الاثنين، 11 مارس 2013

العراق عندما تغرق في مستنقع الفساد!

العراق عندما تغرق في مستنقع الفساد!



ترجمة/ الإسلام اليوم
لم يعد العراقيون بهذه السذاجة؛ حيث إن تجربتهم المروّعة مع حكّام بلادهم على مدى نصف قرن مضى جعلت العديد منهم يشكُّون في كل الحكام والمسئولين بأنهم يخدمون مصالحهم الذاتية, فضلاً عن عدم كفاءتهم وجشعهم.
عشر سنوات من الاحتلال
قبل عشر سنوات ظنّ بعض العراقيين أنّهم سيتخلصون من الحياة في حالة دائمة من الطوارئ بمجرد الإطاحة بنظام صدام حسين, بينما كان آخرون قلقين من عودة العراقيين في الخارج والذين قدَّموا وعودًا ببناء دولة جديدة.
وقبل بضعة شهور من الغزو الأمريكي للعراق قال مواطن عراقي، يعمل موظفًا مدنيًّا: "إن العراقيين المنفيين بالخارج نسخة طبق الأصل من الذين يحكموننا الآن, مع فارق بسيط؛ أنَّ الأخير امتلأ بعد أن سرق ما لدينا خلال الثلاثين عامًا الماضية", مضيفًا: "أما هؤلاء الذين سيأتون برفقة القوات الأمريكية فسيكونون أكثر افتراسًا ووحشيةً".
وبالفعل, خلال العشر سنوات الماضية, كان تنبؤ الموظف المدني العراقي الذي لم يفصح عن اسمه- فيما يتعلق بجشع الحكام الجدد- كله صحيحًا للغاية, والذي لَخّصه أحد الوزراء السابقين في قوله: "الحكومة العراقية تعيش في فسادٍ مؤسسي مستفحل".
الابتزاز هو القاعدة
وقد شارك رجال الأعمال في بغداد في هذه الرؤية؛ حيث إن أسعار العقارات في العاصمة آخذة في الارتفاع, ورغم ذلك هناك مشترون كثيرون.
عبد الكريم علي, وسيط لبيع العقارات والمنازل, سألته: من الذي يشتري بأسعار مرتفعة؟!
فأجاب ضاحكًا: "يوجد العديد من المستثمرين من كردستان العراق والبحرين, لكن معظم المشترين الذين أتعامل معهم هم من لصوص 2003م؛ أعني: المسئولين في الحكومة, الذين يشترون أفضل العقارات لأنفسهم".
غسان العطية, أستاذ العلوم السياسية, يقول: "الفساد متفشٍّ بشكل لا يمكن تخيله"، مضيفًا: "بدون أن تدفع, لا يمكنك الالتحاق بوظيفة في الجيش أو في الحكومة, ولا تستطيع أن تخرج من السجن, حتى لو صدر أمر بالإفراج إلا إذا دفعت لإدارة السجن"؛ حيث يفيد أحد السجناء السابقين بأنه كان ينبغي عليه أن يدفع لحراسه 100 دولار لكي يُسمح له بالاستحمام مرة واحدة, فقد أصبح الابتزاز هو القاعدة.
لقد بات الفساد يُعقِّد الحياة اليومية للعراقيين ويسممها، خاصة أمام هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا, أما الأضرار البالغة في العراق فهي ناجمة عن سرقات بالجملة للمال العام, فبرغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات من خزينة الدولة، فما يزال هناك نقص في إمدادات الكهرباء والاحتياجات الضرورية الأخرى, كما يذكر العديد من العراقيين أنّ محطات الكهرباء التي قصفها الأمريكيون في استهدافهم مرافق البنية التحتية عام 1991م تَمّ إصلاحها بسرعة باستخدام موارد عراقية فحسب.
فساد ممنهج ومحميّ
هذا غَيض من فَيض؛ فالفساد العراقي انتشر فيما هو أكثر من ذلك, حيث سرقت عائدات النفط بواسطة حفنة مجرمة من الموظفين والأحزاب والسياسيين؛ حيث يقول منتقدو نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي: إنه- منذ 2006م- يعتمد في أسلوبه في الإدارة السياسية على الرشوة ومنح عقود العمل والاستثمار لمؤيديه وأصدقائه وخصومه الذين يريد كسبهم إلى جانبه.
هذا ليس نهاية الأمر, يقول أحد المراقبين: "إنَّ المستفيدين بهذه المنح والهبات يتم تهديدهم بالتحقيق معهم أو تعريضهم للمشاكل إذا خرجوا عن النص", وحتى الذين لم ينعموا بها يعلمون أنهم معرضون للاستهداف من قبل هيئة مكافحة الفساد, لذا يبدو من الصعب إصلاح النظام بواسطة الحكومة لأن أية محاولة للإصلاح ستضرب الآلية التي تحكم بها, حيث تَمّ تهميش دور مؤسسات الدولة لمكافحة الفساد أو تَمّ إرهابها.
قبل خمس سنوات, شهد مسئول كبير بالسفارة الأمريكية في بغداد أمام الكونجرس أنَّ المالكي أصدر "أوامر سرية" يمنع فيها "لجنة النزاهة"- وهي لجنة حكومية تتمتع باستقلال نسبي- من تقديم قضايا للقضاء إذا كانت هذه القضايا "تتعلق بكبار المسئولين الحكوميين الحاليين أو السابقين, بما فيهم رئيس الوزراء نفسه, وهو ما يعد ترخيصًا واضحًا بالسرقة".
ويبدو أنه لم يتغير شيء فما زال الاحتيال والاختلاس من أموال الدولة مستمرًّا تحت غطاء الحماية الرسمية, ففي عام 2011م, كشف رحيم العقيلي -رئيس لجنة النزاهة- وجود شركات وهمية تستخدم من كبار المسئولين في الخارج لمنح عقود لأنفسهم والحصول على المستحقات المنصوص عليها في العقود حتى ولو لم ينفذوا ما تنص عليه هذه العقود, وعزم على مقاضاتهم لكنه أُجبر على تقديم استقالته.
ومن أهم صور الفساد في العراق تخويف المعارضين وتهديدهم أو قتلهم، حيث اغتيل مهدي المهدي, الناقد الصحفي البارز، ومن قادة الاحتجاجات بالشوارع ضد الحكومة, والذي كتب قبيل ساعات من إطلاق النار عليه, على صفحته في "الفيسبوك" أنه "يعيش حالة من الرعب" بعد أن تلقى تهديدات عديدة من الحكومة.
ومن جانبه يقول قاسم, أحد كبار المهندسين بوزارة الكهرباء: "إن أغلب مديري عموم المرافق والمؤسسات الحكومية كانوا قد حصلوا على مناصبهم بالاتصالات السياسية, كما أنهم يديرون مشروعات ضخمة بدون سابق خبرة للتخطيط للمستقبل, لذلك فهم لا يفعلون شيئًا لتفادي الاستغناء عنهم". كما سخر قاسم من الوعود الرسمية لإنهاء مشكلة الكهرباء في العراق, مشيرًا إلى أنها ستستمر عشرين أو ثلاثين سنة قادمة إذا استمرت الأوضاع كما هي.
نهم الاستحواذ
أما النخبة الجديدة المنتفعة من النظام فلها تواجد غامض ولديها رغبة جامحة للفساد المالي والاستحواذ على الثروة, كما يُعتقد أن معظم الأموال المنهوبة تذهب خارج البلاد، ولا يترك سوى جزء ضئيل في الحسابات المصرفية المحلية أو يتم استثمارها في العقارات بشكل سري.
ما ذكرناه من صور للفساد المالي والقضائي والسياسي, قد يكون القاصمة للدولة العراقية التي ذاقت الأمرَّين, بسبب عقوبات الأمم المتحدة التي دمرت المجتمع العراقي في التسعينيات بالإضافة إلى الغزو الأمريكي في عام 2003م أي قبل عشر سنوات من وقتنا الراهن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق