أفكار وأضواء
|
دول الخليج.. و«ربيع العرب»
|
| |||||
خاطبت الاكاديمية الاماراتية والباحثة المعروفة د.ابتسام الكتبي جمهور ندوة القرين في الكويت عن الثورات العربية بلهجة صريحة، وتحدثت بتحليل انتقادي، عن مأزق الدول الخليجية مع عواقب الربيع العربي، فدول مجلس التعاون الخليجي، او بعضها على الاقل، ساهمت في انجاح ثورتها وانعاش ربيعها، بعد ان «وجدت دول المجلس في الفضاء العربي 2012-2011»، كما قالت في مطلع محاضرتها الشيقة المركزة، «ما يشغل شعوبها، ويمكنها من ممارسة السياسة والطموح السياسي بعيدا في الفناءات الخلفية». فرأينا دول الخليج وقد قامت في ليبيا «بدور اساسي فيما انتهى اليه النظام الليبي، وانفقت المال وارسلت القوات العسكرية والطيران لتشارك قوات التحالف الدولي، وفي اليمن اطلقت مبادرة سياسية كانت هي الاساس في التغيير السياسي الذي انهى مرحلة الرئيس علي عبدالله صالح، وهي الآن تجد ضالتها في سورية، ويجد المال الخليجي فرصته في مساعدة ثوار سورية بسخاء، وربما ليس هناك الآن قضية سياسية تحتل اهمية على اجندة المواطن والفضائيات وادوات الاعلام الخليجية اهم من اخبار الثورة في سورية التي تقدم فرصة اخرى للجهاد الخليجي».
فاجأت الاحداث الوضع الخليجي ليجد نفسه في حرب مع الخطر الايراني في الساحة السورية من جانب، تضيف الباحثة، وهي حرب واموال متدفقة وجهاديون وفضاء اعلامي ستكون لها مردوداتها على ساحة الخليج، ومن جانب آخر اضطرب الموقف الخليجي ازاء مواقف الحليف الامريكي من ثورات الربيع العربي، «مما ولد شعورا بالقلق والحاجة الى بناء استراتيجيات امنية تعتمد على الذات، وتحدث البعض عن بناء «ناتو خليجي» خاص بدول مجلس التعاون». والآن، هل ستتعرض دول مجلس التعاون، بعد كل العون الذي قدمته رسميا وشعبيا، الى شيء مماثل لما جرى في «دول الربيع العربي»، ام ان «قطار الثورات سوف يتوقف عند المحطة الخليجية»؟ فالدول الخليجية لها خصوصيتها من ريع مالي ورفاه اجتماعي وعلاقات خاصة وثيقة بالغرب، ولكن المسؤولين المصريين والليبيين والسوريين كانوا يقولون باستمرار ان بلادهم ليست تونس، وان ما جرى هناك لا مجال له هنا. المهتمون بسياسات دول مجلس التعاون، تقول الباحثة، انقسموا بين ثلاث وجهات نظر. احداها ترى ان دول المجلس استثناء من الحالة العربية، وان هذه الدول شبه محصنة ازاء الثورات، وبخاصة و«ان مواطني دول المجلس لديهم القليل من الاسباب الاقتصادية التي قد تدفعهم الى المطالبة بالتغيير، والمواطنون يعلنون الولاء لرئيس الدولة ان كان شيخا او اميرا او ملكا، وفي المقاب لهو يسهر على رخاء الشعب». ثم ان النظم الخليجية قديمة الوجود والشرعية منذ نحو ثلاثة قرون، وشعوب المنطقة اقرب في طبيعتها وتركيبتها النفسية، «لابن الصحراء والتركيبة الاجتماعية الهرمية في تاريخ العرب الصحراوي الذي يؤمن بعمود الخيمة، شيخ القبيلة او الحاكم». فيما راح البعض الآخر يؤكد فوق هذا، «ان ما تحمله الثورات العربية هو «حمل كاذب» ضار لمنطقة الخليج لو اخذت به، لان شعوب دول مجلس التعاون مسالمة، وهي تشكل قبائل وعائلات متحالفة مع الحكم منذ بداية تأسيس الدولة الحديثة في المنطقة، وتحكمها عادات وتقاليد راسخة في طاعة ولي الامر، وان مواطنيها مهما عارضوا انظمة حكمهم، فان معارضتهم لن تتعدى المطالبة بالاصلاح لعدم استعدادهم للدخول في مغامرات جرّت على الآخرين الويلات». وتتمسك وجهة النظر الثانية بأهمية الوقت والزمن وتطور الاحداث فما ينطبق على الدول العربية التي شهدت ثورات، يقول هؤلاء «ينطبق بالمثل على دول مجلس التعاون الخليجي وان ما تشهد هذه الدول صورة من صور الثورات، لكن الاختلاف هو في عدم توافر الشروط المساعدة في الوقت الحالي.. ومن ثم يبدو الفارق الخليجي عن باقي المجموع العربي (فارق توقيت) وليس (فارق خصوصية)». وتؤكد وجهة النظر الثالثة، في تحليل د.ابتسام الكتبي، على الفوارق بين دول المجلس بسبب اختلاف الظروف الديموغرافية والطائفية والاقتصادية والجغرافية والسياسية فيما بينها، ومن بين هذه الدول انظمة مهدت الارضية للاصلاح وهذه اقدر على التفاعل مع التطورات، واخرى «لم تبدأ بعد والتي ستكون مهمتها اكثر صعوبة». وتلتقي وجهة النظر هذه مع الاولى من ان «ثورات» الخليج ستكون حتما اصلاحية وبعيدة عن الثورية التي شهدتها «دول الربيع العربي» ومن هنا، يدعو هؤلاء كما تقول الباحثة «لاستباق الاحداث واتخاذ خطوات على طريق الاصلاح، واشراك الشعوب الخليجية في قضايا تنمية بلادها». وترجع د.الكتبي «الخيار الاصلاحي» وتقول: «يصعب تصور قيام (ثورة) على مستوى الدول برمتها في الخليج، وانما الاقرب للتصور هو ان تتفجر بؤر احتجاجية في اماكن محددة». مثل هذه البؤر، تقول لن تستقطب كل الطوائف والقبائل والشرائح، وقد تزداد مجتمعات المنطقة انقساما وتفتتا وضياعا، وربما يكون ادراك هذه الحقيقة هو ما يدفع اغلب المواطنين الخليجيين والنخبة المثقفة الى عدم الانجرار وراء الثورات، فالبديل سيناريو كارثي، ولعل هذا ما يجعل خيار الاصلاح هو الاخيار الاكبر امانا لدول مجلس التعاون. ولكن هذه المخاوف، في تنبؤات الباحثة، لن تلغي الحركات المطلبية والتوجهات الاصلاحية، ذلك ان قوى التغيير المحلية تدرك مخاطر الجمود ومخاطر الانقسام على حد سواء، وعلى الرغم من ان دول المجلس ستسعى لتأمين اوضاعها بـ«استثمار الاوضاع السلبية بدول الربيع العربي»، ربما بتسليط الاضواء على جوانب فشلها، ومع ذلك تقول الباحثة «فليس ثمة من ضمان انها سوف تتمكن من تجنب القلاقل والاضطرابات السياسية، او ان تبقى احوالها ونظمها على شكلها الراهن». وتشير د.الكتبي الى استمرار المخاطر السياسية، مثيلة لما جرى بعد 11 سبتمبر 2001، مع فارق انها «قد تجد هذه المرة تأييدا اجتماعيا، ومن نخب سياسية وشبابية لديها الاستعداد الآن لان تندفع الى المجهول بسبب الاحباط وعدم تلبية المطالب السياسية، ومن ثم لا يكفي ان تعمل دول المجلس على تفويت توابع الموجة الزلزالية الراهنة في دول الثورات العربية دون رؤية الزلزال المحتمل في الخليج والاستعداد له». ان الاحتجاجات والاضطرابات والثورات في الخبرة الانسانية والعربية قد تشتعل من مستصغر الشرر، وهي احيانا كالحروب تبدأ بحدث أو اصطدام.. وتدوم لاعوام، ولكن اوضاع دول مجلس التعاون تساعد على نحو واسع وشبه مضمون في التصدي لأي تطورات من هذا القبيل، بسبب توفر الاموال وصغر حجم المجتمعات وانتشار التعليم وسيظل مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي كما تتوقع الباحثة خلال السنين المقبلة «مرهون بأدائها الداخلي والخارجي على حد سواء»، وتركز على الاداء الداخلي، المتمثل في اتجاه دول المجلس نحو الملكية الدستورية، وتطلق في نهاية ورقتها نداء بأن «تفتح انظمة الحكم اذهانها لاستيعابه، والتفكير في افضل الصيغ المناسبة لتطبيقه وتحديد الصيغ الاكثر ملاءمة للحالة الخليجية». وتتساءل الباحثة حول امور عدة: «مدى قابلية الملكية الدستورية للتطبيق في الخليج؟ والصيغة القابلة للتطبيق، وهل دول الخليج مهيأة لها وشروطها متوافرة؟ وما محاذيرها وما البدائل.. والمدى الزمني اللازم لتحقيقها؟». ان مناقشة فكرة «الملكية الدستورية» في دول مجلس التعاون كمخرج لمشاكل التطور السياسي واستيعاب ضغوط «الربيع العربي» بحاجة الى مقال وربما مقالات، وربما قدمت الباحثة القديرة في ندوة قادمة ورقة تفصيلية حول هذا الاقتراح ومشاكل تطبيقه. وكانت الدعوة الى التغيير وبنفس الحماس خلاصة الورقة والمحاضرة التي شارك بها الباحث العماني د.أنور بن محمد الرواس، ويؤكد د.الرواس في ورقته انه ليس «مع التغيير العشوائي الذي يحدث بلا اعداد ودراسة كافية». ويهدئ د.الرواس من مخاوف حكومات المنطقة، فهو يدعو الى ديموقراطية نابعة اساسا من التراب الوطني الداخلي، «لا ان تكون مقلدة للديموقراطيات الغربية، نظرا لاختلاف المفاهيم. من هذا المنطلق، يجب الا يخشى احد منا، فقدان شخصيته او هويته جراء الاقتباس والتعلم من الغير، واذا كنا نحاور الاعداء فالاولى ان نتحاور فيما بيننا». ويرى د. الرواس ان الشأن السياسي الخليجي يواجه تحديات كبيرة. فالسلطات الثلاث في بعض دول الخليج بيد السلطة التنفيذية، والعرف السياسي يتبنى مفهوم الدولة الريعية. ولا يمكن بعد الان القبول بفكرة السلطة الاحادية، فقد تغيرت الظروف ووقعت تحولات كبيرة، و «هناك جيل يتحدث بلغة مختلفة، ولديه القدرة على تخطي مفاهيم تقليدية». لابد من اجراء تغييرات اقتصادية واسعة وتنويع الموارد وتبنى الشفافية واعلان موازنات الدولة وخططها الخمسية والاعلان عن الدخل القومي وطريقة توزيعه في جميع مرافق الدولة، «فبعض الدول الخليجية تعلن عن حجم التصدير – تصدير النفط – لكن تغفل او تتجاهل الاعلان عن حجم الدخل وطريقة توزيعه.. كما ان سياسة المحاسبة والرقابة على المال العام، اصبحت من الضروريات الملحة». ولابد من تطوير الوضع الاجتماعي والاهتمام بالعدالة الاجتماعية واحترام حقوق المواطنة، «وخلق بيئة صحية يمارس من خلالها المواطنون حقوقهم وواجباتهم الدستورية، وتحدث د. الرواس بحماس واضح عن التحولات الثورية الجارية فقال: «مصطلح مايسمى بالربيع العربي حرك ساكناً في نفوس الشعوب العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، فما حصل من تطورات احيا في النفوس العربية الرفض القاطع للظلم الاجتماعي، فلا مناص من القبول بفكرة التجديد السياسي، ولا يمكن تصوير ما حدث في بلدان الربيع العربي كونه مشروعاً مآله الفشل، فالشعوب لا تثور الا على الظلم وعدم المساواة، وبالتالي فان عصراً جديداً عانق العليا» واضاف د. الرواس محذراً انصار الاوضاع التي تجاوزتها التحولات قائلاً: «مايسمى بالربيع العربي اصبح واقعاً لا مناص منه، ولا يمكن تجاهل افرازاته، واي هروب الى الوراء هو بمنزلة حكم الاعدام على الدول والشعوب». وقال ان البعض يرى التوافق بين الحاكم والمحكوم قوياً في المنطقة الخليجية، «هذا الفريق تناسى ان نسبة الشباب في التركيبة السكانية في ازدياد، وواقعهم مختلف عن الاجيال السابقة». اثار المحاضران الكثير من القضايا المطروحة في الاعلام الخليجي.. المسكوت عنها. احد المعقبين اكد بان لا ثورات في الخليج ودوله بل حركات إصلاحية. كما ان «الشرعية الجمهورية» في بلدان الثورات والانقلابات.. فشلت. د. محمد العسومي، من البحرين، قال ان بلدان الخليج لم تعد معتمدة على النفط بنفس الدرجة، كما كان عليه الحال عام 1973 مثلا، وهناك تطور هائل في اقتصادياتها البديلة، كما هو الحال في امارة دبي مثلاً. الاسلامي محمد الدلال قال ان انظمة الخليج اختارت مقاومة التغيير. واضاف ان شباب اليوم مختلفون عن الجيل السابق. الاكاديمي السعودي د. حمزة المزيني تطرق الى مشاكل بناء الوعي الوطني في المملكة العربية السعودية، وقال ان كلمة «وطن» كانت غير مقبولة في التداول العام، بسبب ضغوط «الصحوة الدينية»، وطغيان المفاهيم التي تنشرها تياراتها. وقد كانت هذه القضية التي يشير اليها د. المزيني من اهم المسائل السياسية في المملكة، وقد اشرنا في مقالات سابقة الى ان من اسباب فشل او تعثر انضاج الوعي الوطني في البلدان العربية والاسلامية تضارب ثلاثة اتجاهات في وعي مواطنيها هي الوعي الوطني والوعي القومي والوعي الديني، بحيث نجد اضطرابا في الهوية ومشاعر الولاء بين الحس الوطني والقومي والاسلامي وترتيب هذه الاولويات وقد تتداخل فيها احياناً المشاعر القبلية او الدينية غير الاسلامية والطائفية والعرقية فتزداد تعقيداً. ومن القضايا التي لابد ان تؤخذ في الحسبان اثر التغيير السياسي وبخاصة الشامل ، على كيان بعض الدول الخليجية، وقد يؤدي ذلك الى ذوبان بعضها على صعيد الواقع، وربما ابتلاعها سياسياً وجغرافيا من الجيران. وهناك مشكلة سكانية كبرى متشعبة، تتجلى في «مشكلة البدون»، والعمالة الآسيوية التي تقيم بعضها في المنطقة منذ اجيال، وقد تجد هذه الدول نفسها مضطرة امام ضغط المنظمات والمطالب الدولية بان تبحث امر منحهم الجنسية او الاقامة الدائمة كما تفعل الدول الاوروبية والولايات المتحدة مثلاً. وربما تبلور في المستقبل اتفاق خليجي حول شروط منح الجنسية كالاتفاق على مدة الاقامة، او التخصص المهني المطلوب الى جانب الانسجام الثقافي مثلاً. ومن المؤكد ان الزمن ليس في صالح استقبال مئات الالوف من الآسيويين برواتب دنيا وقوانين عمل غامضة وحقوق سياسية ونقابية لا وجود لها. ومن ملاحظاتي كذلك على تفاعل دول مجلس التعاون مع حركات التغيير غياب دراسة تفصيلية عن تأثير هذه التحولات في العالم العربي في الماضي والحاضر. ومن المسلم به ان تغيرات الموجة الاولى ما بين 1952 – 1967 كانت كارثية، وقد استفادت البلدان الخليجية من ثروتها النفطية اكثر من العراق والجزائر وليبيا مثلا، وتحسن مستوى شعوبها المعيشي بما لا يقارن بأحوال الدول الجمهورية. كما ان الحكومات الخليجية لم تمارس قمعا بحق المعارضة مشابها لما جرى في البلدان الثورية. وفي احيان كثيرة كانت «الشرعية الجمهورية» بحرا من النهب والفساد والاغتصاب والعدوان، ولم يسقط بعضها الا بثورات دامية أو تدخل دولي. ولو قارنا من جانب آخر، بين النظام الهاشمي في العراق ونظام صدام حسين، أو نظام الملك ادريس السنوسي ونظام العقيد معمر القذافي، أو النظامين السوري والمصري على نفس المنوال، لوجدنا الكثير من مؤشرات الميزان في غير صالح الانظمة الجمهورية، في معظم الاحيان. غير ان الدول الخليجية والدول العربية البترولية وقعت في حياتها الانتاجية والاقتصادية في مصيدة النفط الخام، وذلك بتصدير النفط وتراكم الثروات. ولم تستطع أي دولة خليجية أو غيرها ان تبني اقتصادا حديثا مستقلا عن ريع النفط، الذي لم تحسن التصرف به. والآن، هل تنجح «الملكية الدستورية».. في مجتمعات ريعية وحكومات ابوية وثقافة انتاجية تتجنب «المهن الدنيا» و«الوظائف الشاقة» والخضوع للحزم الاداري؟. دعا د.انور الرواس في نهاية محاضرته الى الاهتمام بإيران والتفاهم معها لوزنها الاقليمي وتأثيراتها، وطالب بحل مشكلة البدون في الكويت، ونفى ما ذهب اليه د.العسومي من ان دول الخليج قد اوجدت اقتصادا بديلا موازيا للنفط، اذ لايزال اعتماد بلدان الخليج ما بين %70 الى %90 على النفط. وعن الوضع في سلطنة عمان ذكر ان السلطان قابوس قد تعامل بجدية مع مشاكل الناس كالبطالة وفساد التعليم المتمثل بالنجاح الآلي مثلا. ولكن حتى عمان، كما بين د.الرواس، تعاني من مشكلة التركيبة السكانية، وهناك مليون وافد في البلاد. واكد في ختام تعقيبه ان دول مجلس التعاون بحاجة الى دراسة الاوضاع، واذا كانت الديموقراطية تنتزع في كل مكان، فأنا اميل الى دور التشريع القانوني. وعن التجربة الكويتية قال انها كانت نموذجا للديموقراطية ولم تعد كذلك، وعلى الجميع الحرص كي لا تنتقل المفاهيم الطائفية خلال انتخاباتها.. الى بقية دول مجلس التعاون!. خليل علي حيدر | |||||
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق