الجمعة، 1 مارس 2013

حركة أبريل الهندية


حركة أبريل الهندية



في الخامس من شهر أبريل عام 2011 أعلن أناهازار الناشط الهندي والعسكري السابق إضرابا عن الطعام ومعه بعض أنصاره احتجاجا على استشراء الفساد في البلاد.
أحدث إعلانه هزة كبيرة في طول البلاد وعرضها، لأنه لقي تأييدا واسعا في مختلف قطاعات المجتمع، التي تعاني الأمرين من الفساد الذي أصبحت رائحته تزكم الأنوف، وترددت أصداؤه في كل بيت تقريبا، باعتبار أن أي مواطن عادي لم يعد بمقدوره أن يقضي مصلحة إلا من خلال الرشوة أو الواسطة.

 ذلك غير مظاهر الفساد الأخرى التي كثر اللغط حول تورط كبار المسئولين فيها.
وإزاء التأييد الواسع الذي لقيته دعوته فإن الحكومة الهندية التي أصيبت بالذعر اضطرت إلى الموافقة على سلسلة من المطالب المتعلقة بسن تشريعات لمكافحة الفساد.
وقد أسهم في الضغط على الحكومة ليس فقط تجاوب المجتمع السريع مع دعوته، وانما أن الرجل أعاد إلى الأذهان صورة الآباء المؤسسين لشبه القارة الهندية، خصوصا أنه بدا متشبها في هيئته وحتى نظارته مع المهاتما غاندي، ثم إن وسائل الإعلام القوية ساندته بمختلف منابرها، التي تمثلت في أكثر من مائة قناة تليفزيونية، إضافة إلى صحف لا تعد ولا تحصى تصدر بمختلف اللغات في كل الولايات.
كان من نتيجة هذه الحملة أن وزير الاتصالات اعتقل وسجن على خلفية بيعه بشكل غير شرعي تراخيص كلفت الدولة 40 مليار دولار.
وفي سياقها، أعلن جنرال عسكرى أنه عرضت عليه رشوة قدرها 2.7 مليون دولار لشراء شاحنات غير مطابقة للمواصفات المطلوبة.
وتنافست نشرات الأخبار في فضح ممارسات المسئولين الذين حصلوا على شقق كانت مخصصة لأسر المحاربين القدامى. والذين شاركوا في توزيع رخص التعدين بطريقة غير مشروعة، وغيرهم ممن تورطوا في شراء الأصوات البرلمانية أو في إبرام عقود البناء الملتوية لأصل دورة ألعاب الكومنولث لعام 2010. ولم تكن هذه كلها مفاجآت، لأن مؤشرات الفساد كانت ظاهرة للعيان، حتى إن هناك تقديرات معتبرة تشير إلى أن الفساد كلف الدولة الهندية منذ الاستقلال عام 1947 أكثر من 460 مليار دولار.
حملة مكافحة الفساد كانت وما زالت إحدى شهادات قوة المجتمع المدنى الذي ثار مؤخرا عندما وقعت ظاهرة الاغتصاب والقتل المروعة التي تعرضت لها طالبة جامعية في إحدى الحافلات بنيودلهي خلال شهر ديسمبر الماضي، وترتب على ذلك أن تقدمت 80 ألف امرأة هندية ببلاغات قررن فيها تعرضهن لاعتداءات مماثلة.

 الأمر الذي مارس ضغطا قويا على الحكومة والبرلمان، وهو ما انتهى بإصدار تشريعات مشددة تم التلكؤ في وضعها طوال أربعة عقود.
قوة المجتمع المدني في الهند أثارت انتباه توماس فريدمان محرر صحيفة نيويورك تايمز فأجرى في إحدى مقالاته (نشرت في 13/2) مقارنة من هذه الزاوية بين الهند والصين ومصر، قال فيها إن في الهند مجتمعا مدنيا قويا وحكومة مركزية ضعيفة.
أما في الصين، فالحكومة المركزية قوية والمجتمع ضعيف، أما في مصر فالأمر أفدح، لأن الحكومة ضعيفة والمجتمع ضعيف. وإذا كان ضعف الحكومة من الأمور المتفق عليها في مصر، إلا أن ضعف المجتمع المدني يستحق منا وقفة.
صحيح أننا لا نستطيع أن نتجاهل آثار المرحلة السابقة على الثورة التي غيبت الديمقراطية وأماتت السياسة وتم خلالها تشويه المجتمع وتجريفه.

 إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل أيضا اندفاع كثيرين صوب تشكيل المنظمات والائتلافات الشبابية والأهلية بعد الثورة.
 ولكثرتها فإن تلك المنظمات أصبحت تفوق الحصر (التقديرات تتحدث عن رقم يتراوح بين 200 و300 منظمة).
والملاحظة الأساسية على تلك المنظمات هي أنها انخرطت بالكامل في العمل السياسى، وأدارت ظهرها لقضايا المجتمع الحياتية.

 وبسبب من ذلك فإنها أصبحت طرفا في الاستقطاب الراهن، الأمر الذي جعلها خصما من حيوية المجتمع وليست إضافة إليه. آية ذلك أننا إذا تجاوزنا عن المنظمات والمجتمعات النشطة في مجالات الحج والعمرة وتلك المعنية برعاية الأيتام والمرضى ودفن الموتى، فسوف نجد أن ثمة مجالات وملفات مجتمعية مهمة تعاني من التجاهل وانصراف المنظمات الأهلية عنها، منها على سبيل المثال ملفات التحرش والفساد والعشوائيات والبطالة وأطفال الشوارع والبلطجة والمزلقانات...الخ.
 ولا تفسير لذلك سوى ان منظمات المجتمع المدني عندنا -ربما لحداثة عهدها- قدمت المظاهرات والهتافات التي تتردد أصداؤها في الفضاء، على العمل الجاد والهادئ لمعالجة أوجاع الناس.
 رغم أن الأول يذهب هباء في آخر النهار، والثاني هو ما ينفع الناس ووحده الذي يمكث في الأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق