الأربعاء، 7 أغسطس 2013

حديث التقسيم.. بين قادم وقديم

حديث التقسيم.. بين قادم وقديم
حديث التقسيم..  بين قادم وقديم
 د. عبدالعزيز كامل 

حديث التقسيم ليس كله حقائق ومسلمات، لكنه ليس كله أوهاماً 

ومبالغات، فإضعاف أمة الإسلام مطلب تجتمع عليه وتتداعى إليه 

أمم كثيرة كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وتاريخنا يشهد أن أمتنا 

تستمد خيريّتها وقوتها من أخذها بأربعة أمور: قيامها بالمنهج 

الحق، واجتماعها عليه، ودعوتها إليه، ودفاعها عنه، وهذا هو 

مقتضى التكليف الإلهي لأهل الإسلام عندما خاطبهم الله تعالى 
بقوله:
 {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، 

وقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ 

عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]،

 وقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج: 78].
والمتأمّل في سيرة خصوم هذه الأمة على مر التاريخ، يجد 

إصراراً على ضرب هذه العوامل الأربعة، مجتمعة أو متفرقة، 

بحيث يبدأ أعداء الله بالصد عن منهج الدين الحق، فإذا لم يفلحوا 

في ذلك عملوا على تفريق القلوب لتتفرق الصفوف وتضعف الأمة 

عن الدعوة لدينها وحماية كيانها ومكوناتها.

وتظل هذه هي السياسة القديمة الحديثة؛ تجني للمفرِّقين ثماراً 

ثمينة، وتجني على المتفرقين بآثارها الجسيمة التي تتوارثها 

الأجيال، حيث يقسِّم أعداؤها أراضيها ويتقاسمون ثرواتها 

ومقدراتها.
عوامل الفرقة والاختلاف من التعصب والتحزب الجاهلي للذات 

والعرق والأرض والجنس والنسب؛ تبقى كامنة في النفوس 

البشرية {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 118 إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} 

[هود: 118-119]، ولذلك؛ فإن تلك العوامل تحتاج فقط إلى من 

يستفزها ويثيرها عند من لا يحترزون منها وينأون عنها، ولذلك 

أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاحتراز والابتعاد 

عندما أراد اليهود أن يثيروا في المسلمين العصبيات الجاهلية 

لتفريق وحدتهم، فاستجاب بعضهم لتلك الاستثارة، فقال لهم النبي 

صلى الله عليه وسلم غاضباً: (دعوها فإنها منتنة)[1]، أي تلك 

الدعاوى الداعية إلى التعصب لغير الحق والتحزب عليه.
أحفاد اليهود وحلفاؤهم وأشباههم في كل زمان ومكان اعتمدوا تلك 

السياسة العتيقة التي حدت بخيار أهل الأرض في عصر النبوة لأن 

يتنادى بعضهم بـ: (يا للأنصار)، ويتنادى آخرون بـ: (يا 

للمهاجرين)! لكنهم لما نُهوا انتهوا..
عندما تساهل المسلمون في ترك دعاوى الجاهلية، استغلها 

أعداؤهم؛ ففرقوا صفوفهم بعد أن تفرقت قلوبهم، وقسموا أوطانهم 

بعد أن تنازلوا عن وحدتهم؛ ولهذا نرى كبرى مخططات التقسيم 

تعتمد على أسس الحميّة الجاهلية التي حذر منها القرآن، والتي 

تجعل الحب والبغض والبراء والولاء لغير الله.
في كثير من الأحيان – أو في أكثرها - لا يصنع الأعداء الخلافات 

بيننا، وإنما يستغلون الواقع منها ويكبّرونه ثم يوظفونه في خلافات 

أعمق وصراعات أشد قد تُفضي إلى التصادم بعد التناوش، وربما 

التقاتل بعد التهاوش.
منذ أن قُسّمت الأوطان التي كانت ضمن كيان واحد جامع تحت 

قيادة دولة الخلافة العثمانية على أسس استعمارية؛ وأعداء الأمة لا 

يكفون عن ابتكار الأفكار لمزيد من التقسيم والتفتيت، 

ومشروعاتهم في ذلك تتعدد وتتطور؛ تتباطأ أحياناً لكنها لا 

تتوقف، وتفشل كثيراً لكنها لا تيأس، إذ الفائدة مزدوجة لدى هؤلاء 

الذين قال الله تعالى عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا 

الْـمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 105]؛ 

فالتقسيم له فائدتان ثمينتان لهم، إحداهما تعود عليهم بالقوة 

والتوسع، والثانية تعود علينا بالضعف والانحسار.
وإذا كانت إنجلترا وفرنسا قد تقاسمتا أراضي المشرق العربي التي 

كانت تابعة لتركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، على 

أسس ومصالح آنية لهما؛ فإن اتفاقهما للتقسيم - عام 1916م - 

والذي عُرف بـ (اتفاقية سايكس بيكو)؛ قد صيغ بصيغة عشوائية 

صبغتُها خلافية تبقي على الحدود المرسومة مملوءة بأسباب النزاع 

وبؤر التوتر ريثما تجيء مراحل أخرى يُعاد فيها النظر في 

التقسيمات استغلالاً للتناقضات الناشئة عن اختلافات (الدين 

والعرق والمذهب)، تلك الثلاثية التي ظلت تبقي على حدود الدول 

المقسّمة حقول ألغام قابلة للانفجار أو الانشطار كلما اقترب منها 

عابث أو مغامر!
كانت حقبة التقسيم الأولى صناعة أوروبية، حيث تقاسم النصارى 

بجميع طوائفهم السيطرة على بلاد المسلمين، قبل سقوط الخلافة 

العثمانية وبعدها، بعد أن ضمنوا لليهود نصيباً من الإرث 

المغتصب؛ فتحت السيطرة الإنجليزية وقعت العراق وفلسطين 

ومصر والسودان، وتحت سيطرة فرنسا بلاد الشام والمغرب 

العربي، وتحت إيطاليا ليبيا وبلدان القرن الإفريقي، وحتى هولندا 

وإسبانيا والبرتغال كانت لكل منها سيطرة على مناطق عديدة من 

بلاد الإسلام.

 وطوال فترات الاحتلال النصراني عمل المستعمرون على تغذية 

أسباب الفرقة بحيث يمكن أن تُستغل فيما بعد في مشروعات تقاسم 

أخرى للأراضي أو الثروات أو النفوذ، وإذا لم يوجد شيء من تلك 

المصالح، فيكفيهم تحقيق أكبر مصلحة بالتفريق بين الصفوف 

لإبقاء خصمهم الإسلامي التاريخي في حالة انشغال دائم بمشاكله 

وصراعاته الداخلية حتى لو سَلِم من الهجمات الخارجية.
سأذكر أبرز مشروعات التقسيم المعلنة حاضراً وقبل عقود لأدلّل 

بها على أن التقسيم دائماً يأتي في سياق التنسيق والتقاسم بين أعداء 

الأمة؛ للإبقاء عليها محرومة من عوامل قوتها وخيريّتها الأربعة 

المذكورة آنفاً.
لكن قبل استعراض أبرز مشروعات التقسيم بتفاعلاتها وتداعياتها، 

لا بد من التذكير بضرورة ملاحظة قواسم مشتركة وحقائق ظاهرة 

تتضح من خلال استقراء طبيعة تلك المشروعات، وذلك على ما يلي:
أولاً: أن تلك المشروعات، الآتي ذكرها، لم تكن مجرد مؤامرات 

نظرية، بل هي مخططات عملية تتحول إلى مقررات للتنفيذ في 

الظروف المواتية.
ثانياً: أن الأطراف المستهدفة بالعداوة والضرر بصورة أشد في 

تلك المشروعات، هم أهل الإسلام عامة، وأهل السنة منهم خاصة، 

والعرب منهم على وجه أخص، حيث تُترك لهم الأماكن الأكثر 

فقراً والأكثر عزلة.

ثالثاً: أن هناك أطرافاً ثلاثة في الوقت الراهن تتولى إدارة 

مشروعات التقسيم بعد أن خرجت من أيدي دول الاستعمار القديم 

بزعامة إنجلترا وفرنسا، وهذه الأطراف هي: أمريكا، 

و«إسرائيل»، وإيران.

رابعاً: أن لكل طرف من تلك الأطراف الثلاثة مشروعه التوسعي 

الإمبراطوري الخاص الذي يسعى من خلاله إلى التمدد على 

حساب أراضي المسلمين السّنة وثرواتهم.
خامساً: أن هذه الأطراف الثلاثة يمكن أن تختلف في كل شيء ما 

عدا العداء للمسلمين السنة بخلفية اعتقادية، وللعرب منهم بخلفية 

عنصرية.

سادساً: أن تلك الأطراف الثلاثة لها عملاء من داخل الأمة من 

محترفي الفتن من الأقليات، ومن رؤوس المنافقين المتسمّين 

بأسماء المسلمين، الذين ينشطون في مشروعات التقسيم بحماسة لا 

تقل عن حماسة المخططين الأصليين، ولمصالح متعددة ليس منها 

مصلحة المسلمين.

سابعاً: أن هناك توافقاً لافتاً في كثير من تفاصيل هذه المشروعات 

رغم تعدد صُنَّاعها واختلاف أزمنتها، حيث تُجمع كلها على 

ضرورة تركيز الهيمنة أو تقاسمها في المناطق الأربع التي تمثل 

قلب العالم الإسلامي، وهي أقطار الشام ومصر والعراق وبلدان 

الجزيرة العربية، ثم الأقطار التي تمثل عمقاً استراتيجياً لها.

ثامناً: أن للصهيونية العالمية - بقسميها اليهودي والنصراني - 

دوراً مركزياً في زرع بذور المشروعات التقسيمية وفي جني 

ثمارها، فما من مشروع تقسيم إلا ولها ضلع فيه؛ تنظيراً للخطط 

أو تحصيلاً للمصالح.:

كُشف النقاب عام 1982م عن مخطـط تقسيم يستهدف أكثر الدول 

العربـية وكان الكلام فيه بالغ الوضوح والخطر، وقد تحقق كثير 

منه في العراق والسودان، والخطر ماثل بوقوع تقسيمات أخرى 

مماثلة في كل من: مصر، وسورية، واليمن، وليبيا؛ إذا جرى

 التعامل معها بنفس التعامل السابق. ففي تقـرير المنـظمة 

الصـهيـونية العالمية الذي نشرته مجلة (كيفونيم) «اتجاهات» 

الصهيونية الصادرة في 14 فبراير 1982م، والذي نقلته في حينه 

صحيفة (الأهـرام الاقتـصادي) المصرية؛ جاءت عبارات 

صريحة تحكي ما يحدث للعراق الآن، وما يُدبَّر لسورية من ذلك 

الأوان.. يقول التقرير:
«.. والعراق الغنيّ بنفطه، والفريسة للصراعات الداخلية؛ هو في 

مرمى التشتيت الصهيوني، وانهياره سيكون بالنسبة لنا أهم من 

انهيار سورية؛ لأن العراق يمثل أقوى تهديد للدولة العبرية في 

المدى المنظور».

أما سورية فقد جاء في ذلك التقرير بخصوصها: «إن سورية لا 

تختلف اختلافاً جوهرياً عن لبنان الطائفي، باستثناء النظام 

العسكري القوي الذي يحكمها، لكن الحرب الداخلية الحقيقية بين 

الأغلبية السنية والأقليـة الحاكمـة مـن الشيعة النصيريين الذين 

يشكلون 12٪ فقط من عدد السكان؛ تدل على مدى خطورة المشكلة 

الداخلية. إن تفكيك سورية والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات 

طابع قومي وديني مستقل؛ هو هدف الدولة الصهيونية الأسمى في 

الجبهة الشرقية على المدى القصير، وسوف تتفتت سورية تبعاً 

لتركيبها العرقي والطائفي إلى دويلات عدة».

 ويتحدث التقرير بوضوح فضحته الأيام عما كان يدبَّر للسودان، 

ولمصر من ورائها.
وقبل ظهور تلك الخطة المفصلة التي نشرتها مجلة (كيفونيم) عام 

1982م؛ كان قد ظهر كتاب عام 1957م بعنوان (خنجر 

إسرائيل) للكاتب (ر. ك. كرانيجيو)، وقد تضمن ذلك الكتاب وثيقة 

عُرفت باسم (وثيقة كرانيجيا)، على اسم ذلك الصحفي الهندي، 

وكان الرئيس المصري الأسبق (جمال عبد الناصر) قد أعطاه 

إياها لنشرها بعد أن تسرَّبت أو سُربت من هيئة أركان الجيش 

الصهيوني، وهذه الوثيقة تتضمن مخططات مستقبلية حول تقسيم 

البلدان العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات (سايكس بيكو)، فجاء 

فيها الحديث عن تقسيم سورية إلى: دولة درزية في الجنوب، 

وأخرى نصيرية في اللاذقية، وسنية في دمشق وما حولها، وإنشاء 

دولة شيعية في جنوب لبنان، وأخرى مارونية، وثالثة سنية في 

الوسط والشمال، وأيضاً اقتطاع دولة كردية في العراق، وأخرى 

شيعية في جنوبه، بينما يبقى السنة معزولين محرومين في منطقة 

الوسط؛ في بغداد وما حولها.

أمريكا والتقسيم:
يرى الأمريكيون – مثل الإسرائيليين – أن إنجلترا وفرنسا وقعتا 

في خطأين عندما قسَّمتا من خلال اتفاقية (سايكس بيكو) إرث 

الدولة العثمانية؛ أحد هذين الخطأين أن ذلك التقسيم جرى على 

ترتيب عشوائي دفعت إليه المصالح الآنية دون استفادة من 

التناقضات والاختلافات الدينية والمذهبية، ولذلك فإن كل ما يصدر 

عن أمريكا وإسرائيل من حديث عن تقسيمات جديدة، فإنه يأتي 

بحجة تصحيح هذا الخطأ!

 أما الخطأ الثاني الذي وقعتا فيه فهو قلة عدد الأقطار التي نتجت 

عن التقسيم، فالصواب لديهم هو أن تكون أضعاف ما هو موجود 

بكثير.
أمريكا حتى سنوات قليلة خلت كان لها مشروع إمبراطوري كبير 

يعتمد على الهيمنة الكاملة على مواطن المخزون الاستراتيجي 

العالمي للنفط في كل من العراق وإيران وبحر قزوين وبلدان 

الخليج العربي، وهو المشروع المسمى (مشروع القرن الأمريكي) 

الذي تبناه المحافظون اليهود الجدد الذين كانوا في سدة الحكم في 

عهد بوش الابن، غير أن ذلك المشروع فشل تحت وقع التصدي 

الجسور للغزو الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، والذي 

كان مقرراً أن يضاف إليهما في الغزو خمس دول.

في حمأة الانهماك الأمريكي بمشاريع الغزو لتأسيس إمبراطورية 

القرن الأمريكي، كثر الحديث عن مشروعات تقسيم أمريكية في 

ظل ما عُرف بـ (الشرق الأوسط الكبير)، وكان أشهرها المشروع 

الصادر عن (برنارد لويس)، ذلك اليهودي ذو الأصل البريطاني 

والجنسية الأمريكية، وقد كانت أمريكا في غزوها للعراق 

وأفغانستان تتجه إلى تنفيذ رؤية برنارد لويس التي وضعها في 

عقد الأربعينيات، ليجددها في أوائل عقد الثمانينيات، وليجري 

العمل بها وتفعيلها في العشرية الأولى من الثمانينيات.
يقوم مشروع برنارد لويس على تقسيم البلاد الإسلامية والعربية 

على الأسس الثلاثة المعتمدة في التصوّرين الأمريكي 

والإسرائيلي، وهي الاختلاف الديني والطائفي والعرقي.

 وطالب برنارد بتحويل الكيانات الإسلامية والعربية إلى أبراج من 

ورق تظل هشة حتى يستمر الكيان اليهودي قوياً.

وجاء في مشروعه حديث مبكر عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، 

كما هو مذكور في المخطط الإسرائيلي السابق، وسورية إلى أربعة 

أقسام، منها قسم للعلويين، وقسمان للسنة، وقسم للدروز؛

ومصر إلى أربعة أقسام: قسم في سيناء وشرق الدلتا يكون تابعاً 

للنفوذ الصهيوني ضمن (إسرائيل الكبرى)، وقسم للأقباط في 

شمال مصر تكون عاصمته الإسكندرية، وقسم للنوبيين في 

الجنوب تكون عاصمته أسوان، وقسم للمسلمين عاصمته القاهرة؛ 

والسودان في خريطة برنارد لويس ينبغي أن يكون في أربعة 

أقسام: قسم في الجنوب للنصارى والوثنيين، وقسم في أقصى 

الشمال للنوبة يكون مكملاً لدويلة النوبة في جنوب مصر، وقسم 

للمسلمين غير العرب في دارفور، وقسم للمسلمين العرب في 

الوسط؛ وأما اليمن فيرى تقسيمه إلى شمال وجنوب؛ وأما بلدان 

الخليج فإن برنارد لويس يرى ضرورة تقسيمها إلى دولة للشيعة 

العرب على الساحل الغربي للخليج العربي تُضم إلى جنوب 

العراق بعد انفصاله، وجزء من شمال الجزيرة العربية يضم إلى 

الأردن الذي يطالب برنارد لويس بتحويله إلى وطن بديل 

للفلسطينيين، وهو المشروع الذي طالما خطط شارون لتنفيذه، 

ويرى ذلك اليهودي أن مكة والمدينة لا بد من تدويل إدارتهما، 

وهو الطلب نفسه الذي يلح عليه رافضة العرب والعجم منذ 

سنوات؛ أما وسط الجزيرة فيبقى – كما يطالب لويس - للسنة 

العرب مجرَّداً من الثروة والقوة!
وفي عام 2006 نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد 

يونيو من ذلك العام، مقالاً لـ «رالف بيترز»، ضابط المخابرات 

الأمريكي المتقاعد، اقترح فيه إعادة تقسيم بلاد العرب والمسلمين 

على أسس عرقية، ووضع لذلك خريطة سماها «خريطة الدم»، 

واقترح على أمريكا أن تقوم بتنفيذها كما قامت إنجلترا وفرنسا 

بتنفيذ خريطة (سايكس بيكو).
 وفي خطته يكرر بيترز كثيراً من تفاصيل المخططات السابقة عن 

مقترحات بإلغاء دول قائمة وإنشاء دول جديدة.
رؤية رالف بيترز لم تكن عميقة ولا واقعية، لكنها تكشف – كما 

قال الدكتور عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) على موقعه 

الإلكتروني – عما يدور في رؤوس صناع القرار الأمريكيين تجاه 

العالم الإسلامي، فكاتب المقال ضابط قريب من صناع القرار 

ويعمل في مجال المخابرات، ونُشرت مقالته في مجلة تعكس 

وجهة نظر القوات المسلحة الأمريكية، وقد اتضح فيما بعد أن 

رالف بيترز لم يكن يتحدث من فراغ، فبمجرد اندلاع حرب لبنان 

عام 2006 سارعت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية 

السابقة، إلى التبشير بأن الشرق الأوسط الجديد يعاد رسمه الآن! 

حيث ظنت أن الحرب ستتوسع لتشمل بلدان المنطقة، ما يسمح 

بتدشين تقسيمات جديدة.

إيران والتقسيم:

عندما قامت الثورة الإيرانية، ووقع الصراع بين العراق وإيران 

في حرب دموية استمرت ثماني سنوات بتسعير غربي خبيث؛ 

علت بعض الأصوات بضرورة استعادة الأراضي العربية التي 

استولت عليها إيران، مثل: شط العرب، وعربستان، وجزر 

الإمارات العربية، فرد الخميني وقتها قائلاً: إذا كنتم تريدون هذه 

المناطق لأنها عربية تاريخياً، فإن الإمبراطورية الفارسية تاريخياً 

تمتد من خراسان (إيران وأفغانستان) حتى اليمن!
وبعد ما مر من عقود على صدور ذلك الكلام لم يتوقف التآمر 

الثوري الإيراني في المنطقة الممتدة من خراسان حتى اليمن التي 

أصبح النفوذ الشيعي والفارسي في شمالها يمثل خطراً إضافياً على 

ما تمثله إيران من خطر على سائر الجزيرة العربية.
قد لا يكون لإيران مخططات معلنة معروفة في التقسيمات كتلك 

المخططات الإسرائيلية والأمريكية؛ نظراً لاعتماد الشيعة التقية 

حتى في السياسة؛ لكن الأمر الأكيد أن إيران تستفيد من كل 

المشروعات التقسيمية الأخرى؛ إما بالشراكة المباشرة، أو 

بالاستفادة من النتائج عن بُعد، فكل ضعف يصيب أهل السنة 

يصب في مصلحة إيران العدوة التاريخية لهم منذ أن أدخل 

الصفويون التشيّع على بلاد فارس؛ فالعراق الذي أعلنت النوايا 

اليهودية تقسيمه منذ أكثر من أربعة عقود لم يظفر الشيعة بثلثه 

الغني فقط، بل وقع العراق كله تحت نفوذهم مع شراكات هزيلة 

وأخرى علمانية عميلة من المنسوبين للسنة. ولبنان الذي كان 

مخططاً له أن يقسم إلى ثماني (كانتونات) طائفية؛ أحرز الشيعة 

الموالون لإيران فيه ما يشبه الهيمنة على مجموع أراضيه فيما يُعد 

انقلاباً سياسياً.

 وإذا كان حديث التقسيم في اليمن يتحدث عن شطره مرة أخرى 

إلى جنوب وشمال منفصلين؛ فإن تآمر الشيعة يشمل الجنوب 

والشمال معاً، فهم يمدون الحبال إلى الجنوب الحانق، مع حملهم 

الكامل لمشروع أقصى الشمال الحاقد، حيث التصعيد المتواصل 

والمخطط له في صعدة من الحوثيين. كما أن مساعي التمرد في 

مملكة البحرين تجاوزت الطموح إلى الجموح، فإيران لا تريد 

بحراً واحداً من البحرين، بل تريدهما معاً في جمهورية شيعية 

ثورية تكون هي الأولى في الجزيرة العربية السنية ريثما تلحق بها 

«جمهوريات» شيعية أخرى!
وسورية التي يتوارد الحديث عن تقسيمها بعد سقوط النظام البعثي 

النصيري بحيث يكون للعلويين قسم في شمالها تكون عاصمته 

اللاذقية – بحسب مخططات قديمة -؛ تحاول إيران الآن عدم 

تضييع الفرصة لتأمين منفذ لها على البحر المتوسط هناك من 

خلال دويلة صنيعة وضيعة من النصيريين يصنعها الرافضة لتظل 

شوكة في خاصرة شام الإسلام والسنة.
إيران تراهن على كل مشروعات التقسيم التي تضع (الطائفية) 

على قائمة مسبباتها، وهي مع سعيها إلى فصل أجزاء متعددة من 

مواطن أهل السنة التي فيها أكثرية شيعية؛ لا تتأخر عن إيجاد 

موطئ قدم لها حتى في البلاد ذات الأغلبية السنية، فمحاولات 

الاختراق تجري على قدم وساق في كل من مصر وفلسطين 

والسودان وعدد من بلدان إفريقيا وآسيا.
انتهت مساحة المقال المسموحة، ولم ينتهِ حديث التقسيم على 

خطره الجسيم، فما سبق كان موجزَ أنبائه، أما تفصيلها أو بعض 

تفاصيلها فلا بد من عودة إليه في لقاءات أخرى بإذن الله.


[1] أخرجه البخاري برقم (3518).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق