الجمعة، 9 أغسطس 2013

تحقيق- تدخل الجيش المصري في السياسة يعيد أصداء التاريخ

تدخل الجيش المصري في السياسة يعيد أصداء التاريخ
عملية تدخل الجيش لحسم الصراع بين الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ومعارضيه يطرح عدة تساؤلات حول النوايا الحقيقية للمؤسسة العسكرية التي حكمت البلاد لنحو ستين عاما متواصلة.
صور سياسيين وكتاب وفنانين تروي فصلا من تاريخ مصر

كان نوبار كيروبيان على أعتاب الشباب حين أطاح الجيش المصري بالملك فاروق عام 1952 وأخرجه من البلاد واضطره للعيش في المنفى حتى مات في إيطاليا.
ومازال كيروبيان يعمل في استوديو التصوير الذي فتحه والده قبل 80 عاما ويتذكر أحداث عام 1952 كأنها كانت بالأمس بينما أخذ يقلب صورا بالأبيض والأسود لشوارع نظيفة هادئة بالقاهرة وضفاف خاوية لنهر النيل. وعلّق بنبرة لم تشبها أي سخرية "قالوا إنها ثورة بيضاء."

كان والده واحدا من آلاف الأرمن الذين فروا من تركيا إلى مصر أمام موجة من أعمال القتل خلال الحرب العالمية الأولى وعمل مصورا في فندق "شبرد" الذي كان يرتاده أبناء الطبقة العليا من المجتمع.

كانت مصر في تلك الأثناء تحت الاحتلال العسكري البريطاني رغم أنها أصبحت نظريا ملكية دستورية مستقلة أيام الملك فاروق الذي وصفه كيروبيان (76 عاما) بأنه كان "زير نساء".

وما حققته مصر خلال تلك الفترة من ديمقراطية ناشئة بها برلمان وأحزاب سياسية ذهب أدراج الرياح في 1952 على أيدي الضباط الأحرار بمن فيهم جمال عبد الناصر الذي أمسك بزمام الأمور فيما بعد وظل رئيسا حتى وفاته في عام 1970 وطرد المستشارين العسكريين البريطانيين.

يجل المصريون ما حدث ويصفونه بأنه ثورة أنجبت مصر الحديثة. بدأت الأحداث في القاهرة بأعمال شغب مناهضة لبريطانيا أسفرت عن حريق مئات المباني ومعالم النخبة والنفوذ الغربي.

"الميدان الثالث" ضد العسكر والفلول والإخوان

وسط حالة الاستقطاب التي تشهدها الساحة السياسية المصرية اليوم بين مؤيّدين لإسقاط نظام الإخوان ومعارضين له، طفا على السطح طرف ثالث، يرفض في نفس الوقت حكم جامعة الإخوان المسلمين وأيضا خارطة الطريق التي وضعها الجيش وعزل بموجبها الرئيس محمد مرسي من منصبه. أطلق هذا الطرف الثالث على حركته اسم "الميدان الثالث" ورفع شعار "ضد العسكر والفلول والإخوان".
احترقت ملاه ليلية كان يتردد عليها فاروق ودار الأوبرا وفندق "شبرد" وسينما "ريفولي" حيث تذكر كيروبيان عازفا ظهر على المسرح أثناء فترة الاستراحة في عرض فيلم بالسينما وعزف أنغاما عذبة. وفي إنذار مكتوب بعد شهور من الاضطرابات السياسية قال الضباط الأحرار لفاروق إن الجيش يمثل "سلطة الشعب" وطالبه بالتنحي.

وقال كيروبيان "سمح ناصر للملك بأخذ كل ثروته… يقال إنه كانت هناك صناديق كثيرة مليئة بالمجوهرات. ووجهت له التحية أثناء مغادرته ميناء الاسكندرية."

بلاد غير مؤهلة للديمقراطية

حكم العسكريون مصر بعد هذا لستة عقود إلى أن أطيح بالرئيس حسني مبارك بعد مظاهرات حاشدة في عام 2011. وانتخب محمد مرسي رئيسا في عام 2012 في أول انتخابات حرة بعد فترة انتقالية تولى فيها الجيش أيضا إدارة شؤون بلاد "ليست مؤهلة بعد للديمقراطية".

بعد مرور عام تحفظ الجيش المصري على مرسي بعد أن عزله القائد العام للقوات المسلحة الذي قال هو الآخر إنه تصرف نزولا على إرادة الشعب الذي خرج إلى الشوارع بالملايين احتجاجا على ما اعتبره فشلا في إدارة شؤون البلاد وانفرادا بالسلطة وميلا للإسلاميين.

ويتصدر الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد القوات المسلحة ووزير الدفاع مشهدا يؤكد الجيش والليبراليون المصريون أنه انتفاضة شعبية تدخل فيها الجيش للحيلولة دون حرب أهلية. ووعد السيسي بالعودة للحكم المدني والديمقراطية. والتاريخ يقف بالمرصاد.

تذكر كيروبيان أحداث 1952 وقال "عندما انتهت الثورة قال اللواء محمد نجيب (الذي تولى الرئاسة بعد تلك الأحداث) لجمال عبد الناصر فلنعد إلى ثكناتنا ونترك الشعب للديمقراطية لكن ناصر رفض وقال إن المصريين غير مؤهلين بعد للديمقراطية وألغى كل الأحزاب."

وتتردد أصداء هذا السيناريو في مصر اليوم. قال محمد البرادعي نائب الرئيس المصري المؤقت للشؤون الدولية لصحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي إن المصريين "لا يعلمون آليات الديمقراطية… لا يعلمون مكونات الديمقراطية.

الأمر يستغرق وقتا." ووصف البرادعي الجدل الدائر حول ما إذا كان عزل مرسي يمثل انقلابا بأنه "مقصور على فئة قليلة." وقال "عندما يكون هناك 20 مليون شخص يطالبون السيد مرسي بالرحيل ويضطر الجيش للتدخل لمنع حرب أهلية هل يجعل ذلك من الأمر انقلابا؟ بالطبع لا… الأمر ليس كالتدخل العسكري النمطي عندكم.

بل إن واقع الأمر هو أن الجيش كان يقدم الدعم لانتفاضة شعبية." وأيدت الولايات المتحدة هذه التصريحات عندما قال وزير خارجيتها جون كيري إن الجيش المصري "كان يستعيد الديمقراطية" عندما عزل مرسي. وأضاف "لم يستول الجيش على السلطة وفق أفضل تقديراتنا – حتى الآن."


قوي لكنه خطير

وعد الجيش الذي يتمتع بتأييد شعبي ويسيطر على جانب ليس بالهين من الاقتصاد بإجراء انتخابات في غضون ستة أشهر لكن معظم المحللين يتفقون على أن هذا وعد يتسم بالتفاؤل.
نوبار كيروبيان.. شاهد على ثورتين

ويتفقون أيضا على أن السيسي سيفوز بانتخابات الرئاسة بسهولة إذا ما قرر الترشح اليوم.
لكن يجب على السيسي الذي ينفي عن نفسه أي طموح من هذا النوع التعامل أولا مع جماعة الإخوان المسلمين والآلاف من أنصارها الذين يرفضون ترك الشوارع قبل عودة مرسي للرئاسة.

القاهرة لم تحترق هذه المرة لكن الأزمة خلفت بالفعل 300 قتيل على الأقل منذ عزل مرسي في الثالث من يوليو – تموز.
وكيفية حل الأزمة قد تحدث تداعيات واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالنسبة إلى الإسلاميين الذين تنسموا عبير السلطة لأول مرة في عام 2011 عبر الانتخابات التي أعقبت موجة الانتفاضات بالمنطقة.

كتب جان ماري جوينو الدبلوماسي الفرنسي السابق في الأمم المتحدة في صحيفة نيوروك تايمز يقول "الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى دكتاتورية لكن الانقلابات العسكرية قلما تكون أساسا للديمقراطية."

تاريخ من التشدد

في استوديو التصوير الذي يفتح كيروبيان أبوابه كل صباح علا التراب كاميرا ألمانية ضخمة قديمة كان يستخدمها والده. وتنم صناديق النيغاتيف المكدسة بجانب الجدران وصور السياسيين والكتاب ونجوم السينما القديمة الباهتة على انتعاش نشاط التصوير الفوتوغرافي الذي هيمن عليه المهاجرون الأرمن في أربعينات وخميسينات القرن العشرين. لكن عصر الأجهزة الرقمية قضى على عمل كيروبيان.

يقول إنه لم يلتقط صورة في الاستوديو منذ خمس أو ست سنوات وإنه يعيش على بيع الصور القديمة التي التقطها والده والرجل الذي علمه التصوير وكان من أصل يهودي ويعرف باسم دبليو هانزلمان.

أخرج كيروبيان من الدرج صورة التقطها هانزلمان في حفل استقبال بمناسبة وضع مسودة دستور مصر عام 1923 والذي أنشأ البرلمان والأحزاب رغم أنها كانت تخضع لأهواء الملك المدعوم من بريطانيا.

وألغى عبد الناصر الدستور عندما تولى الحكم. وتم وضع دستور جديد في عهد مرسي لكن السيسي عطل العمل به ومن المزمع تعديله أو وضع دستور جديد مما أغضب الاسلاميين.

ونبذ الإسلاميون العنف لكن مصر لها تاريخ طويل من التشدد والاغتيالات السياسية.

ويعتصم مؤيدو مرسي بالقرب من النصب التذكاري للجندي المجهول حيث اغتال إسلاميون متشددون الرئيس أنور السادات في عام 1981.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق