السبت، 9 نوفمبر 2013

رسائل التاريخ (9)

رسائل التاريخ (9) 
ملك أوغندا يبايع الخديو إسماعيل.. وهرر الأثيوبية تنضم لمصر! 

تقدم الجيش المصرى عام 1872 بهدوء وبدون معارك بعد غندكرو التى أصبح اسمها (الإسماعيلية) داخل جنوب السودان واستأنف السير فى النيل الأبيض, وأنشأ عددا من الحصون منها حصن الإبراهيمية (نسبة لإبراهيم باشا أبى إسماعيل) على بحر الجبل, ثم حصون أخرى على نيل فيكتوريا, وبدأ الدخول فيما يعرف الآن بأوغندا, ووصل إلى مملكة أونيورو المتاخمة لبحيرة ألبرت ودخل عاصمتها (ماسندى) التى أقيمت فيها دار للحكومة المصرية, وتم تنصيب ملك يدعى (ريونجا) والذى أعلن ولاءه لخديوى مصر.
وكانت مملكة أوغندا تشمل مساحة أقل من أوغندا الحالية، ومجاورة لمملكة أونيورو، وأعلن ملك أوغندا (أمتيسى) الولاء لمصر، وكانت بلاده تشمل شمال وغرب بحيرة فيكتوريا، وهكذا انفتح الطريق بين أعالى النيل وزنجبار (تنزانيا الحالية) على شاطئ المحيط الهندى.
وهكذا وصلت حدود مصر إلى خط الاستواء ومنابع النيل من جهة البحيرات العظمى، وأصبحت هناك مديرية مصرية باسم مديرية الاستواء تولى إداراتها "رؤوف بك" أحد ضباط الجيش المصرى. وبدأت الحكومة المصرية فى تنظيم الملاحة فى بحيرة ألبرت باستخدام عددا من البواخر النيلية وآلات الترسانة المصرية من الخرطوم, وتم إنشاء ترسانة لتنظيم الملاحة فى أعالى النيل وفى البحيرة، واستطاع عمال الترسانة أن يفكوا أجزاء بعض البواخر ويركبوها ثانية فى البحيرة، ولما تم تركيب أول باخرة وبحرت فى مياه البحيرة كانت أول مرة ترى بحيرة ألبرت السفن البخارية، وتجمع الأهالى لمشاهدتها وقد أخذتهم الدهشة من هذا الكائن العجيب!
رغم إعلان ملك أوغندا الولاء لمصر، إلا أن أوغندا لم تدخل رسميا فى حدود مصر إلا عام 1874 بعد توقيع معاهدة رسمية، وأبلغت مصر دول العالم أن جميع البلاد الواقعة حول بحيرة فيكتوريا وبحيرة ألبرت أصبحت جزءا من المملكة المصرية، وأودعت هذه المعاهدة محفوظات وزارة الخارجية. وفى عام 1876 طلب ملك أوغندا (أمتيسى) عساكر مصرية للإقامة معه فى بندر حكومته، فأرسلت له الحكومة 150 عسكريا.
بالإضافة لنشر عشرات أخرى فى حصون متناثرة بالبلاد.
وقد اكتشفت بعثة الجيش المصرى بحيرة (إبراهيم) أو هكذا أسموها, وكانت تسمى من قبل بحيرة (كيوجا).
رغم ذلك ظلت أجزاء من جنوب السودان خارج الإدارة المصرية، (منطقة بحر الغزال) التى أعلنت ولائها عام 1869 لحكومة مصر, وهى المنطقة الواقعة جنوب دارفور، وذلك بعد إرسال قوات من الخرطوم تحمل فرمانا بضم هذه المنطقة لمصر.
وكانت دارفور حتى عام 1874 مملكة مستقلة، فرغم فرمانات صادرة عن محمد على بضمها لمصر إلا أنها بقيت مستقلة فعلا عن الدولة المصرية يحكمها السلطان إبراهيم, حتى دخلتها قوات مصرية بقيادة إسماعيل باشا أيوب بالتعاون مع قوات من بحر الغزال. وانتهت الحرب بضم سلطنة دارفور إلى المملكة المصرية وعاصمتها الفاشر.
وأقام إسماعيل باشا أيوب حصنا منيعا فى الفاشر، وبنى دارا للحكومة، ومنزلا للحاكم وثكنة للجنود، ووطد دعائم الأمن والطمأنينة, وأقام فى المدينة سوقا عامرة للتجارة.
وهكذا ترامت الدولة المصرية من حدود السودان الغربية حتى البحر الأحمر, فى اتصال أرض مباشر حتى وصلت جنوبا لمنابع النيل وللمحيط الهندى, مع امتلاك كل شواطئ البحر الأحمر حتى باب المندب، وهذا ما لم يحدث فى التاريخ من قبل بهذا التواصل والتزامن.
وعلى محور البحر الأحمر كانت زيلع وبربرة من بلاد الصومال الشمالية الواقعة على خليج عدن, وكانتا من أملاك تركيا تابعتين للواء الحديدة باليمن، واستصدر إسماعيل فرمانا عثمانيا بضمهما إلى مصر مقابل زيادة فى الجزية السنوية.
وقد جعل الخديوى من هذه البلاد محافظتين عرفتا بمحافظة (زيلع) ومحافظة (بربرة) وأرسل الحاميات المصرية لهما تولى الأولى رؤوف باشا والثانية الأميرال رضوان باشا من قادة القوات المسلحة، وتم إنشاء عدة مبان للحكومة وللجمارك والثكنات العسكرية, وأنشأ مسجد فى بربرة وصهريج لخزان المياه العذبة بها، ومدوا أنابيب الماء فيها.
وأنشأت مكاتب للبريد فى كلا الثغرين، وتكلفت هذه المنشآت 70 ألف جنيه مصرى.
وبضم زيلع وبربرة امتدت سلطة مصر من سواحل البحر الأحمر إلى سواحل خليج عدن الشمالية (وهو ما يشمل جيبوتى وارتريا والصومال حاليا) والمحيط الهندى.
 ثم كانت الخطوة التالية إلى هرر وهى سلطنة إسلامية مستقلة تقع شرقى الحبشة وغربى زيلع وهى تعد من أثيوبيا الحالية.
ولم يكن فتحها نزهة فهى على بعد 232 كم من زيلع, وتولى الحملة نفس الضابط الهمام محمد رؤوف باشا عام 1875 قاصدا هرر عاصمة الإمارة, ودخلها بدون مقاومة تذكر, ورفع العلم المصرى على أبوابها وفوق قصر أميرها, وبذلك ضُمت إلى المملكة المصرية.
 وقام الضباط المصريون برسم خريطة للبلاد, وبنيت دار للحكومة, وأقيم مسجد جديد, وشيدت الثكنات للعسكر والمنازل للموظفين, ولم يُسخر أحد من الأهليين فى إقامة هذه المبانى, بل تولى الجنود المصريون إقامتها. وبلغ عدد المصريين بين مدنيين وعسكريين 8571 مصريا. بما فى ذلك نساء وأطفال عائلات الجند والموظفين. وقد ترك المصريون بصماتهم الحضارية فى البلاد, فبعد استتباب الأمن, انتظمت الإدارة ونشطت الزراعة والتجارة وعلموا الأهالى بعض الزراعات والفواكه المصرية كالعنب والخوخ واللوز والليمون وقصب السكر والبطاطس والخضر, وفى العهد المصرى ارتفع عدد القوافل بين داخل البلاد والساحل من 70 قافلة إلى 400 قافلة سنويا.
ثم قرر إسماعيل استكمال فتح الصومال حتى أقصى الجنوب. فإلى رسالة قادمة.
مجدى أحمد حسين

 رسائل التاريخ (1) 
رسائل التاريخ (8)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق