السبت، 16 نوفمبر 2013

تخابر علني


تخابر علني


فهمي هويدي

أنفقت وقتا غير قليل لتحديد مصطلح «التخابر» المتداول في مصر هذه الأيام. لجأت إلى المعاجم العربية فوجدت الكلمة بريئة ومحايدة. إذ هي من مشتقات الإخبار، بمعني التداول والتباحث. بحيث إن الاثنين إذا تخابرا فيكونا قد تكلما وتباحثا. 
ورجعت إلى أهل القانون فقالوا إن العبرة ليست بمبدأ التخابر. الذي لا يجرمه القانون ولكنه بمقصوده ومآلاته.
وفي الباب الأول من الكتاب الثاني لقانون العقوبات، المواد 77 وما بعدها، تفصيل في العقوبات المقررة في حالة التخابر مع دولة أجنبية تبعا لقصد الشخص أو نتيجة فعله، وهي تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، عافاك الله من الاثنين.
كنت قد قرأت في الصحف المصرية أن الدكتور محمد مرسي متهم بالتخابر مع حركة حماس في أثناء عمله كرئيس للجمهورية، حيث من الثابت أنه استقبل في مقر الرئاسة السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة قطاع غزة.
وفي وقت لاحق قرأت أن وزير الدفاع الأمريكي أجرى 17 اتصالا هاتفيا مع الفريق عبد الفتاح السيسي قبل عزل الدكتور مرسي في 3 يوليو الماضي، وأخيرا نشرت الواشنطن بوست تصريحات لرئيس المخابرات العامة المصرية اللواء محمد التهامي قال فيها إنه على اتصال دائم برئيس المخابرات المركزية الأمريكية وأن بين الطرفين تفاهمات قوية وأوجها للتعاون لا نظير لها في أي مكان في العالم.
لم يكن لدي شك في أن ذلك المستوى من التخابر يدخل في نطاق المهام الوظيفية لكل منهم.
ولكن الحسابات السياسية جعلت من تخابر الدكتور مرسي تهمة، وتخابر الآخرين من مقتضيات تحقيق المصلحة الوطنية العامة.
لم أقصد من البحث الذي أجريته التحقيق فيما صدر عن الشخصيات التي أشرت إليها، لكن قصدي كان مختلفا تماما، وخاصا جدا.
 ذلك أنني دعيت إلى مؤتمر كبير يعقد في الأردن اليوم (الأحد 17/11) لمناقشة مستقبل حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، سوف يحضره باحثون من 14 دولة عربية إضافة إلى 150 مدعوا من السياسيين والأكاديميين وبعض المشاركين يمثلون حركات الإسلام السياسي في العالم العربي.
وللعلم فإن هذا الموضوع شاغل للعديد من المراكز البحثية في العالم العربي وخارجه، لأن مركز الدراسات العربية في بيروت دعا إلى حلقة في نهاية الشهر الحالي لمناقشة الموضوع ذاته. بتركيز خاص على الحالة المصرية.
وهناك تحضيرات لعقد مؤتمرات مماثلة في بعض الدول الأوروبية والمراكز البحثية الأمريكية.
دوري مقصور في مؤتمر عمان على رئاسة إحدى جلسات المؤتمر، التي يفترض أن تعقد ظهر الاثنين، وستناقش (الفرص وآفاق المستقبل).
وحسب الجدول المرسل فإن ثلاثة باحثين سيقدمون أوراقهم فيها. واحد عراقي والثاني مصري والثالث أردني.
لم يكن في الأمر ما يستحق الذكر، لولا أنني طالعت خبرا نشرته «المصري اليوم» في 13/11 الحالي على صفحتها الأولى تحت عنوان: أمين عام الإخوان الهارب في مؤتمر إسلامي دولي بالأردن. وفيه أوردت تفاصيل المؤتمر، وعرضت لجدول أعماله الموجود على شبكة التواصل الاجتماعي. لم أكن أعرف أن الأمين العام للإخوان الموجود خارج مصر سوف يحضر المؤتمر وسيلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية. لكنني توجست من الأمر لا لشيء سوى خبرتي مع الإعلام المصري الذي تخصصت بعض منابره في الدس والتحريض واستباحة الكرامات.
لم أنس ما سمعته بأذني قبل أيام من أحد مقدمي البرامج في قناة من «إيَّاهم»، وصفني بالخيانة ـ بالاسم ـ لأنني حضرت حفل الاستقبال الذي أقامته السفارة التركية بالقاهرة بمناسبة عيدها القومي. 
لذا وسوس إليّ شيطان الشك قائلا إنه إذا كان قضاء نصف ساعة في حديقة السفارة التركية بحضور 1500 مدعو اعتبر خيانة. فإن المشاركة في مؤتمر بعمان يستمر يومين لمناقشة وضع الإسلام السياسي (الشيطان الأكبر في مصر) سوف توفر فرصة لشبيحة الإعلام ومحترفي تقديم البلاغات عندنا لاعتباره خيانة عظمى، خصوصا أن ممثلا للإخوان سيشارك في المؤتمر.
الأمر الذي يضاعف من الجريمة ويعد إحدى قرائن إثبات الخيانة.
رغم أني أشارك في المؤتمرات المتعلقة بالإسلام السياسي منذ أربعين عاما إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تخطر لي مثل هذه الهواجس، التي هي من أصداء الأجواء الراهنة في مصر، لدي ردود كثيرة على وساوس شيطان الشك. منها أن المؤتمر بحثي وليس سياسيا وأنه علني ومفتوح للكافة.
وهو ما شجعني على السفر إلى عمان، مطمئنا في ذلك إلى قاعدة ذهبية التزم بها طول الوقت يلخصها المثل القائل: امشى عِدِل (بكسر العين والدال) يحتار عزالك فيك ـ ولا بأس من أن تعتبر ما ذكرت اعترافا من جانبي أو مرافعة في تهمة التخابر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق