تحولات المواقف المثيرة في المنطقة
ياسر الزعاترة
حين تقرأ في صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله تقريرا بعنوان “قصة لقاء بيروت السرّي: عودة الحرارة الى خـــطّ دمشق ـ واشنطن”، فهذا يعني أن الحزب من ورائها لم يعد يرى في العلاقة مع واشنطن عيبا ولا حراما.
وحين تحتفي أوساط “المقاومة والممانعة” بصفقة الكيماوي التي عقدها بشار، وتنازل من خلالها عن سلاح الردع الذي اشتراه من قوت السوريين، وتعتبر ذلك إنجازا، فهذا يعني أن حكاية المقاومة والممانعة قد باتت وراء ظهورنا.
وحين تحتفي هي ذاتها بالعلاقة الجديدة “الحميمة” بين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس التي تفاوض الصهاينة، ويعلم الجميع سقف توقعات التفاوض، فيما يهاجم بشار الأسد حماس بضراوة، ويهاجمها شبيحته بنفس الحماس رغم أنها لا تزال على حالها من حيث الإعداد للمعركة مع العدو، فهذا مؤشر آخر على تبدل المواقف في المعسكر المذكور.
على أن الأهم من ذلك كله هو غزل إيران “سيدة المقاومة والممانعة” مع الأمريكان، ليس بإزالة الشعارات المناهضة لـ”لشيطان الأكبر” من شوارع طهران فحسب، بل بالمفاوضات التي تستبطن من الناحية العملية صفقة تنهي العقوبات مقابل النووي في بعده العسكري، مع الإبقاء على بشار الأسد في السلطة.
وحين ينسى بشار نفسه في سائر مقابلاته الأخيرة مع وسائل الإعلام الأجنبية والتركية والعربية الكيان الصهيوني والصراع معه، ويركز على ما يسميه الإرهاب القاعدي، ويطرح نفسه كرأس حربة في مواجهة ذلك “الإرهاب”، فهذا يعني أن المقاومة والممانعة قد أخذت مسارا آخر، فكيف حين يحتفي أيضا بالانقلاب في مصر، تماما كما يحتفي به الصهاينة ويدافعون عنه في كل محفل دولي،
على أن الأهم من ذلك كله هو غزل إيران “سيدة المقاومة والممانعة” مع الأمريكان، ليس بإزالة الشعارات المناهضة لـ”لشيطان الأكبر” من شوارع طهران فحسب، بل بالمفاوضات التي تستبطن من الناحية العملية صفقة تنهي العقوبات مقابل النووي في بعده العسكري، مع الإبقاء على بشار الأسد في السلطة.
وحين ينسى بشار نفسه في سائر مقابلاته الأخيرة مع وسائل الإعلام الأجنبية والتركية والعربية الكيان الصهيوني والصراع معه، ويركز على ما يسميه الإرهاب القاعدي، ويطرح نفسه كرأس حربة في مواجهة ذلك “الإرهاب”، فهذا يعني أن المقاومة والممانعة قد أخذت مسارا آخر، فكيف حين يحتفي أيضا بالانقلاب في مصر، تماما كما يحتفي به الصهاينة ويدافعون عنه في كل محفل دولي،
في حين يهاجم بضراوة أردوغان الذي يتعرض لحملة بالغة الشراسة من قبل الدوائر السياسية والأمنية والإعلامية الصهيونية؟!
بدوره كان حسن نصر الله في لبنان يتجاهل صفقة الكيماوي كأنها لم تكن، ويتجاهل بنفس القدر التقارب الإيراني الأمريكي، ويركز على ما يسمى الإرهاب الموجود في سوريا، والذي يستقطب -بحسب رأيه- “عشرات الآلاف من المقاتلين من الشيشان والقوقاز والعالمين العربي والإسلامي”، ما يعني أن أولويته هو الآخر قد تغيرت، لاسيما أن الصراع مع العدو الصهيوني لم يعد أولوية بعد اتفاق إنهاء حرب تموز، وتركيز مهمة السلاح في الداخل اللبناني، بما في ذلك مطاردة القوى “الإرهابية” التي تستهدف الشيعة في لبنان (تجاهل أيضا ضرب الطيران الصهيوني لمخازن الصواريخ المضادة للطيران في اللاذقية مؤخرا!!).
وفي حين احتفل نصر الله بفشل الخيار العسكري في سوريا، وعنونت صحيفة الأخبار التابعة للحزب لخطابه الأخير بعبارة “نصر الله: هذا زمننا”، وطالب فرقاء الساحة اللبنانية بالاعتراف بالأمر الواقع، فإن الأمر لا يبدو على هذا النحو، لأن نظاما لا يسيطر على 60 في المئة من التراب السوري لا يمكن أن يكون منتصرا، في حين يعلم الجميع أن نزيف إيران من وراء حملة الإبقاء عليه قد باتت فوق القدرة، ولا بد تبعا لذلك من تسوية، لكنها تسوية ستكون شبه مستحيلة إذا لم تتضمن ما يشي بانتصار معقول للثورة، فالنظام هو المأزوم، ومن يمولونه، وليس الثوار الذين وطّنوا أنفسهم على معركة طويلة.
في سياق تبدلات المواقف، يتبدى الموقف التركي الذي استدار على نحو واضح، أولا بتمريره لصفقة المخطوفين اللبنانيين التسعة مقابل الطيارين التركيين، ثم زيارة موسكو المقبلة لأردوغان، والعلاقة الجديدة مع نظام المالكي، مع خط جديد لم ينقطع أصلا مع طهران، وكل ذلك في سياق من الرد على ما يمكن القول إنه تآمر قوى الثورة المضادة عربيا عليه، والتي أنتجت مخاوف داخلية، بعضها ذو بعد طائفي فيما خصّ العلويين، وآخر ذو بعد عرقي، فيما خصّ مصير الاتفاق مع حزب العمال الكرستاني.
وفي حين سيبدو أن الرابح الأكبر من كل ما يجري هو الكيان الصهيوني الذي تخلص من كيماوي سوريا، وهو في طريقه للتخلص من نووي إيران، وكل ذلك معطوفا على غباب المخاوف من أية إمكانية لتعطيل تسوية متوقعة مع عباس، فإن هذا المشهد لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال، ولا بد من إعادة النظر فيه، لاسيما أن دول الثورة المضادة لم تفقد زخمها بعد النجاح الأولي في مصر، حيث تمد بصرها صوب تونس وليبيا وقطاع غزة في حملة شرسة تستهدف الإسلام السياسي (السنّي)، من دون أن تبدي تسامحا مع حزب الله بسبب الوضع اللبناني، مع مخاوفها التقليدية من صفقة إيرانية أمريكية.
مشهد بالغ التعقيد والتركيب، في ظل غياب لمصر، أو لنقل اصطفاف لها في معسكر الثورة المضادة وخياراته بحكم الاضطرار، وهو ما دفع تركيا لإعادة حساباتها، وربما دفع دولا عربية أخرى، في حين تبقى سوريا هي عقدة العقد، وحيث لا يمكن أن يقبل أحد ببقاء النظام على حاله نهر الدم الذي جرى.
لا أحد بوسعه أن يجزم بخاتمة هذا الحراك الغريب، ولا بالمدى الذي سيستغرقه حتى يتبين خيطه الأبيض من الأسود، لكن تفاهما تركيا إيرانيا على سوريا قد يكون محطة من محطاته، مع حضور سؤال حول ماهية ذلك التفاهم، ومن ثم القدرة على وضعه موضع التنفيذ في ظل حضور مؤثرات أخرى كثيرة (دولية، وعربية، وأحيانا داخلية من جهة النظام والثوار).
خلاصة القول هي أننا إزاء حراك وتحولات في المواقف والاصطفافات ما زالت إلى الآن تصب في صالح الكيان الصهيوني، ولا أحد يدري بما سينجلي عليه المشهد، وهل يمكن لانتفاضة في الضفة أن تنفجر فتغير المشهد، أم ستكون هناك تطورات أخرى تغير المسار، لننتظر ونرى.
بدوره كان حسن نصر الله في لبنان يتجاهل صفقة الكيماوي كأنها لم تكن، ويتجاهل بنفس القدر التقارب الإيراني الأمريكي، ويركز على ما يسمى الإرهاب الموجود في سوريا، والذي يستقطب -بحسب رأيه- “عشرات الآلاف من المقاتلين من الشيشان والقوقاز والعالمين العربي والإسلامي”، ما يعني أن أولويته هو الآخر قد تغيرت، لاسيما أن الصراع مع العدو الصهيوني لم يعد أولوية بعد اتفاق إنهاء حرب تموز، وتركيز مهمة السلاح في الداخل اللبناني، بما في ذلك مطاردة القوى “الإرهابية” التي تستهدف الشيعة في لبنان (تجاهل أيضا ضرب الطيران الصهيوني لمخازن الصواريخ المضادة للطيران في اللاذقية مؤخرا!!).
وفي حين احتفل نصر الله بفشل الخيار العسكري في سوريا، وعنونت صحيفة الأخبار التابعة للحزب لخطابه الأخير بعبارة “نصر الله: هذا زمننا”، وطالب فرقاء الساحة اللبنانية بالاعتراف بالأمر الواقع، فإن الأمر لا يبدو على هذا النحو، لأن نظاما لا يسيطر على 60 في المئة من التراب السوري لا يمكن أن يكون منتصرا، في حين يعلم الجميع أن نزيف إيران من وراء حملة الإبقاء عليه قد باتت فوق القدرة، ولا بد تبعا لذلك من تسوية، لكنها تسوية ستكون شبه مستحيلة إذا لم تتضمن ما يشي بانتصار معقول للثورة، فالنظام هو المأزوم، ومن يمولونه، وليس الثوار الذين وطّنوا أنفسهم على معركة طويلة.
في سياق تبدلات المواقف، يتبدى الموقف التركي الذي استدار على نحو واضح، أولا بتمريره لصفقة المخطوفين اللبنانيين التسعة مقابل الطيارين التركيين، ثم زيارة موسكو المقبلة لأردوغان، والعلاقة الجديدة مع نظام المالكي، مع خط جديد لم ينقطع أصلا مع طهران، وكل ذلك في سياق من الرد على ما يمكن القول إنه تآمر قوى الثورة المضادة عربيا عليه، والتي أنتجت مخاوف داخلية، بعضها ذو بعد طائفي فيما خصّ العلويين، وآخر ذو بعد عرقي، فيما خصّ مصير الاتفاق مع حزب العمال الكرستاني.
وفي حين سيبدو أن الرابح الأكبر من كل ما يجري هو الكيان الصهيوني الذي تخلص من كيماوي سوريا، وهو في طريقه للتخلص من نووي إيران، وكل ذلك معطوفا على غباب المخاوف من أية إمكانية لتعطيل تسوية متوقعة مع عباس، فإن هذا المشهد لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال، ولا بد من إعادة النظر فيه، لاسيما أن دول الثورة المضادة لم تفقد زخمها بعد النجاح الأولي في مصر، حيث تمد بصرها صوب تونس وليبيا وقطاع غزة في حملة شرسة تستهدف الإسلام السياسي (السنّي)، من دون أن تبدي تسامحا مع حزب الله بسبب الوضع اللبناني، مع مخاوفها التقليدية من صفقة إيرانية أمريكية.
مشهد بالغ التعقيد والتركيب، في ظل غياب لمصر، أو لنقل اصطفاف لها في معسكر الثورة المضادة وخياراته بحكم الاضطرار، وهو ما دفع تركيا لإعادة حساباتها، وربما دفع دولا عربية أخرى، في حين تبقى سوريا هي عقدة العقد، وحيث لا يمكن أن يقبل أحد ببقاء النظام على حاله نهر الدم الذي جرى.
لا أحد بوسعه أن يجزم بخاتمة هذا الحراك الغريب، ولا بالمدى الذي سيستغرقه حتى يتبين خيطه الأبيض من الأسود، لكن تفاهما تركيا إيرانيا على سوريا قد يكون محطة من محطاته، مع حضور سؤال حول ماهية ذلك التفاهم، ومن ثم القدرة على وضعه موضع التنفيذ في ظل حضور مؤثرات أخرى كثيرة (دولية، وعربية، وأحيانا داخلية من جهة النظام والثوار).
خلاصة القول هي أننا إزاء حراك وتحولات في المواقف والاصطفافات ما زالت إلى الآن تصب في صالح الكيان الصهيوني، ولا أحد يدري بما سينجلي عليه المشهد، وهل يمكن لانتفاضة في الضفة أن تنفجر فتغير المشهد، أم ستكون هناك تطورات أخرى تغير المسار، لننتظر ونرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق