37 عاماً في فراش إسرائيل
وائل قنديل
حكم جمال عبد الناصر مصر بشرعية ثورة يوليو، وحكمها السادات بمزيج من شرعية يوليو، وعبور أكتوبر 1973 معاً، فيما كانت "كامب ديفيد" هي مصدر السلطة بالنسبة لحسني مبارك، حتى وإنْ مارس إعلامه ثرثرة ممتدّة تسبغ عليه أمجاداً عسكرية ليست له تماماً، بشهادة محمد حسنين هيكل المتيَّم بالسلطة في كل العصور.
عبد الفتاح السيسي أيضاً يستمدّ مسوّغات وضعه على قمة السلطة في مصر من "كامب ديفيد"، على الرغم من أنه كان فتى يافعاً لم ينهِ تعليمه العسكري بعد حين انتقلت مصر بالكلية إلى المعسكر الأميركي ـ الإسرائيلي، لتنكمش داخل شرنقة "الوطنية المصرية" بعدما قطعت قفزة السادات إلى حضن الكيان الصهيوني كل وشائج الوصل مع وطنها العربي.
حسني مبارك ووريثه عبد الفتاح السيسي، كلاهما من نسل كامب ديفيد، يستمدّ وجوده في السلطة من بنودها وملاحقها السرية وغير السرية، يعتنقها إلى حدّ الاقتداء، ويعتبرها الماء والهواء كي يستمر على قيد الحكم والاستبداد.
كلاهما يعلم أن واشنطن، "مهبط عقيدة كامب ديفيد"، يمكن أن تتغاضى عن كل قيمها المتعلّقة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، ما دام النظام ـ أي نظام ـ يسلك، سياسياً واقتصادياً، على شريعة الاتفاقية المقدسة.
واليوم، ومع مرور 37 عاماً على تغيير اتجاه قبلة النظام المصري صوب الكيان الصهيوني، يبدو عبد الفتاح السيسي أكثر إخلاصاً وأعمق اعتناقاً وانتماءً لتلمود التطبيع في المنطقة، بل ويقترب في عناق "العدو" أكثر بكثير ممّا حدّدته تلك الاتفاقية.
ينبئنا التاريخ أن السادات قرّر امتطاء قارب التطبيع متّجهاً إلى "إسرائيل" بعدما غرق في أزمات داخلية مستعصية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم تكن قد مضت على الانفجار الشعبي في يناير/كانون الثاني 1977 سوى أشهر معدودة حتى شد أنور السادات الرحال إلى الكيان الصهيوني في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.. وما هي إلا أشهر أخرى حتى كان التوقيع رسمياً، في منتجع "كامب ديفيد" بولاية ميريلاند الأميركية بين السادات ومناحم بيجين برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، على الاتفاقية التي أخرجت مصر من الصراع مع العدو، وأدخلتها في قطيعة مع شقيقاتها من الدول العربية.
وبعد مقتل السادات، وجد حسني مبارك نفسه رئيساً لمصر، فأيقن أن جواز بقائه في الحكم مرهون باستمساكه بكتاب كامب ديفيد المقدس، وأمضى أكثر من ثلاثين عاماً من عمر مصر حاكماً وفقاً لنظرية البقاء في السلطة التي صاغها سكرتيره المبعد، في ما بعد، مصطفى الفقي، والتي تقول: "حكم مصر مصدره الرضا الأميركي والقبول الإسرائيلي".
وبهذا المعيار، يمكن اعتبار ثورة يناير 2011 نوعاً من العمل التحرري من ربقة "كامب ديفيد"، إذ جاءت، لأول مرة في تاريخ مصر، بحاكم منتخب من الشعب، وليس مفروضاً بقوة السلاح، أو بالإرادة الأميركية ـ الإسرائيلية. وعلى ذلك، لم يكن مسموحاً ـ دولياً وإقليمياً ـ ببقاء هذا الرئيس المنتخب في الحكم. وبعد عام فقط من تولّيه السلطة، كان الانقلاب الذي بشّر به هنري كيسنجر ـ مهندس عمارة الصلح المصري مع العدو الإسرائيلي ـ وهو الانقلاب الذي وجد قبولاً أميركياً واحتضاناً صهيونياً، بلغ حد اعتباره عيداً في إسرائيل.
وقد التقط عبد الفتاح السيسي الإشارة واستذكر درس "كامب ديفيد" جيداً وقرّر التفوّق على "أستاذه" في الاقتراب أكثر من "إسرائيل" وإظهار كل علامات السخط والامتعاض، بل وإبداء العداء لكل مَن يقاوم إسرائيل.
وقد التقط عبد الفتاح السيسي الإشارة واستذكر درس "كامب ديفيد" جيداً وقرّر التفوّق على "أستاذه" في الاقتراب أكثر من "إسرائيل" وإظهار كل علامات السخط والامتعاض، بل وإبداء العداء لكل مَن يقاوم إسرائيل.
ولذا، لن يكون مفاجئاً أن يكون خطاب السيسي، في رحلته الأولى ـ كرئيس ـ لمهبط السلطة، طوافاً حول حجارة "كامب ديفيد" المقدسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق