شركة فرنسية ساهمت في تعذيب السوريين
د. عوض السليمان
عندما اكتشف الثوار في حلب وجود صواريخ "ميلان" الفرنسية في حوزة جيش الأسد، تساءلنا كغيرنا عن كيفية وصول تلك الصواريخ إلى شبيحة النظام، مع كل الادعاءات الغربية بحظر السلاح عن الجيش السوري.
إلا أن الموضوع اختفى بسرعة من وسائل الإعلام، بينما أرجعت مصادر متعددة الأمرَ إلى العقود المبرمة مع دمشق قبل انطلاق الثورة.
لن نناقش الأسباب التي دفعت بلداً كفرنسا لبيع أسلحة فتاكة إلى نظام لا عدو له إلا الشعب السوري، ولا نعتقد أن باريس راغبة في أن يشن الأسد حرباً على الكيان الصهيوني وهي تعرف أنه لن يفعل، فلماذا إذاً كانت تبيع تلك الأسلحة وهي التي تدعي أنها رمز الحرية والدفاع عن الشعوب وأنها ترفض الصفقات العسكرية مع الأنظمة القمعية.
لم تكن قصة صواريخ "ميلان" هي الوحيدة التي لفتت انتباهنا، فالصمت الفرنسي على مقتل الإعلامي "ريمي أوشليك" في فبراير من العام 2012، وجرح الصحفية "أديث بوفييه"، أثار شكوكنا ودفعنا لكثير من التوجس.
تحفظ الأسد على جثمان "أوشليك"، وبقيت "أديث" محاصرة في حمص لمدة أسبوعين كاملين في مستشفى ميداني للجيش الحر، ورفض بشار الأسد السماح لها بمغادرة الأراضي السورية، وقدم الجيش الحر عشرة شهداء في سبيل حمايتها وإيصالها إلى لبنان، وكانت النتيجة مع كل ذلك، رداً فرنسياً هزيلاً وبالكاد قدم آلان جوبيه عزاءه لعائلة "ريمي".
الأسد حالة خاصة لفرنسا، فهو يشبه صديقها زين العابدين بن علي، فهو العلماني الذي يزج بالإسلاميين في السجون، وهو المعتدل الذي لا يحارب الكيان الصهيوني، وقد استقبلته باريس بالسجاد الأحمر في العام 2008 كصديق للإليزيه.
الفضيحة الجديدة التي هزت المجتمع المدني الفرنسي، بدأت مع مقال نشرته صحيفة "لوموند" وذكرت به أن شركة "كوسموس" الفرنسية كانت قد أنتجت وسائل إلكترونية تعمل كمجسات قادرة على اعتراض الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية، وقدمت تلك الخدمات لبشار الأسد الذي استخدمها في ملاحقة معارضي الرأي والزج بهم في المعتقلات وتعريضهم لأشد أنواع التعذيب.
صحيفة "لوموند" أكدت أن التعاون بين الشركة ونظام بشار استمر حتى نهاية العام 2012، ولكن السيد "بونواه شابيرت" محامي "كوسموس" قال إن موكله توقف عن التعامل مع نظام الأسد في الشهر العاشر من العام 2011.
عجبت من الإجابة التي قدمها السيد "بونواه"، فهي تعني بالفعل وجود تعاون تجسسي وثيق بين الأسد والمؤسسة المنتجة، حيث استمر هذا التعاون بعد اندلاع الثورة السورية بعدة أشهر. وهي الفترة التي تم اعتقال فيها أكثر من مئة ألف سوري تعرضوا للتعذيب والإهانة والقتل بأبشع الطرق الهمجية.
الصحافة الفرنسية تثير اليوم تساؤلات عن علاقة الشركة المشهورة بالحكومة الفرنسية، إذ يؤكد المختصون أنها قريبة جداً من المخابرات الفرنسية، ويستبعدون أن تقوم الشركة بأي نشاط من هذا القبيل دون علم السلطات في فرنسا.
هذا ما يكشفه الإعلام عن موقف الغرب من الشعب السوري، وسيكشف التاريخ حقائق أخرى قد تتجاوز مسألة التعاون الاستخباراتي بين الدول الغربية والأسد.
والسؤال الأهم: ماذا سيفعل الائتلاف الوطني لقوى الثورى والمعارضة السورية تجاه هذه القضية، إن كان قد سمع بها بالطبع؟ ولا أظنه.
اسم الشركة: QosMos
محامي الشركة: Benoit Chabert
الصحيفة التي أثارت الموضوع: Le Monde
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق