الصحافة مؤامرة
وائل قنديل
أن تحاول أن تقول كلمة جادة في زمن العبث، فتلك مغامرة محفوفة بالمخاطر.أن تدافع عن "الإنسان بما هو إنسان" في عصر استعادة جدران الفصل العنصري، واستحلال دماء الخصوم، فأنت تنطح الصخر وحدك، دون أن تحرك الدماء التي تغطي وجهك شعرة في جسد العالم البليد.
أن تنطق بما تؤمن به من قناعات وتدافع عما تعتقده، في وقت تنتعش فيه المقايضات، ويزدهر فيه الابتزاز السياسي والأمني، فأنت في نظرهم مجنون.
أن تتهور وتشارك في إصدار صحيفة جديدة، تتبنى قيم الحق والخير والجمال والعدالة وتقدس الحرية، في زمن الانقلابات والانهيارات الشاملة في المفاهيم الإنسانية والأخلاقية، فهذا بالضرورة يضعك في قلب العاصفة، ويجعلك في فوهة مدافع الأكاذيب المصنعة، وسبابات النخب المقنعة، مستباحا في حقك كإنسان، وفي سمعتك ودمك وحرية اختيارك. يحاصرك بارونات الابتزاز الصفيق، القريبون والبعيدون، ويهاجمك أصحاب الأقلام العقور، وتجار الزيف المأجور، ومقاولو النضال والمضاربون في بورصة الغضب و الثورة.
منذ أن انطلق مشروع "العربي الجديد" إلكترونياً، وكلما اقترب من الصدور ورقياً، وعساكر الهجانة وخفراء الدرك في الإعلام العربي يتعاملون مع فكرة إصدار صحيفة لا تستحم في بحيرة الجنون، ولا تغترف من آبار العبث والتفاهة، باعتبارها جريمة و"مؤامرة كونية" تستهدف تقويض البلاد وتدمير العباد.
لقد وجدنا أنفسنا في مرمى نيران الاتهامات قبل أن نبدأ، وبعد أن بدأنا إلكترونياً، لم يكلف أحدهم نفسه ويقرأ قبل أن يردد مثل غراب ناعق لائحة الاتهامات مسبقة التجهيز في مطابخ الأجهزة الأمنية.. والأكثر كارثية من كل ذلك أن نفراً من أهل المهنة حرضوا ويحرضون على المصادرة والتكميم.
هو ذاته منطق الإبادة والإقصاء، الذي تعتمده الأنظمة التي يشتغلون في أروقتها أسلوباً للحكم والحياة، منسلخين تماماً عن كل قيمة إنسانية محترمة، أو مبدأ مهني جاد ورصين.
كنا نتمنى، بدلاً من المطالبة بالمحو والإبادة، أن يفكروا قليلاً في أشياء لطالما تشدقوا بها مثل: الرأي بالرأي والحجة بالحجة، والصحيفة بالصحيفة، قبل الالتحاق بفرق الإعلام الأمني.
أعلم، وسجلت ذلك قبل نحو عام، أن فريقاً من المحسوبين على الإعلام يعمل وفق نظرية ساقطة مضمونها أنه في الحرب كل شيء مباح وحلال ومشروع، وعليه فإن إنتاج الأكاذيب واستخدامها والبناء عليها عمل لا غضاضة فيه، ما دام سيسهل عملية إزاحة الخصم وإسقاطه.
وبعد الإلحاح على الكذبة وتثبيتها كحقيقة، جاءت مرحلة استدعاء ردود الأفعال وفتح صنابير التحليلات والتعليقات، ولأن المقدمات فاسدة وكاذبة، من الطبيعي أن تأتي النتائج هزلية ومضحكة وكاشفة عن استعداد شرير لابتلاع الأكاذيب ومضغها، ثم إعادة بصقها في وجوه الجميع باعتبارها ترياق الحكمة وعين العقل.
ما أتعس الكاذب والمكذوب عليه، الذي قبل، وبلا أية رغبة في تحري الصدق، أن يستخدم لترويج بضاعة فاسدة من ساقط الكلام. وفي ظل هذا المناخ القاتم نواصل الرحلة.
أعلم أن الشعلة مطفأة لكني لن أخون عهد بروميثيوس، أدرك أن الصخرة أضخم مما قالته الأسطورة وأن الجبل أكثر وعورة، غير أن سيزيف يستحق أن لا نخذله.
منذ أن انطلق مشروع "العربي الجديد" إلكترونياً، وكلما اقترب من الصدور ورقياً، وعساكر الهجانة وخفراء الدرك في الإعلام العربي يتعاملون مع فكرة إصدار صحيفة لا تستحم في بحيرة الجنون، ولا تغترف من آبار العبث والتفاهة، باعتبارها جريمة و"مؤامرة كونية" تستهدف تقويض البلاد وتدمير العباد.
لقد وجدنا أنفسنا في مرمى نيران الاتهامات قبل أن نبدأ، وبعد أن بدأنا إلكترونياً، لم يكلف أحدهم نفسه ويقرأ قبل أن يردد مثل غراب ناعق لائحة الاتهامات مسبقة التجهيز في مطابخ الأجهزة الأمنية.. والأكثر كارثية من كل ذلك أن نفراً من أهل المهنة حرضوا ويحرضون على المصادرة والتكميم.
هو ذاته منطق الإبادة والإقصاء، الذي تعتمده الأنظمة التي يشتغلون في أروقتها أسلوباً للحكم والحياة، منسلخين تماماً عن كل قيمة إنسانية محترمة، أو مبدأ مهني جاد ورصين.
كنا نتمنى، بدلاً من المطالبة بالمحو والإبادة، أن يفكروا قليلاً في أشياء لطالما تشدقوا بها مثل: الرأي بالرأي والحجة بالحجة، والصحيفة بالصحيفة، قبل الالتحاق بفرق الإعلام الأمني.
أعلم، وسجلت ذلك قبل نحو عام، أن فريقاً من المحسوبين على الإعلام يعمل وفق نظرية ساقطة مضمونها أنه في الحرب كل شيء مباح وحلال ومشروع، وعليه فإن إنتاج الأكاذيب واستخدامها والبناء عليها عمل لا غضاضة فيه، ما دام سيسهل عملية إزاحة الخصم وإسقاطه.
وبعد الإلحاح على الكذبة وتثبيتها كحقيقة، جاءت مرحلة استدعاء ردود الأفعال وفتح صنابير التحليلات والتعليقات، ولأن المقدمات فاسدة وكاذبة، من الطبيعي أن تأتي النتائج هزلية ومضحكة وكاشفة عن استعداد شرير لابتلاع الأكاذيب ومضغها، ثم إعادة بصقها في وجوه الجميع باعتبارها ترياق الحكمة وعين العقل.
ما أتعس الكاذب والمكذوب عليه، الذي قبل، وبلا أية رغبة في تحري الصدق، أن يستخدم لترويج بضاعة فاسدة من ساقط الكلام. وفي ظل هذا المناخ القاتم نواصل الرحلة.
أعلم أن الشعلة مطفأة لكني لن أخون عهد بروميثيوس، أدرك أن الصخرة أضخم مما قالته الأسطورة وأن الجبل أكثر وعورة، غير أن سيزيف يستحق أن لا نخذله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق