وجه مصر العجوز.. ووجه القمر الأسطوري!
شريف عبدالغني
بينما وجه المحروسة شاب وعاب وشاخ شيخوخة وجه ماما المثالية فيفي عبده وماما الثورية إلهام شاهين.
مصر في حاجة لعملية شد وجه، لتعود كما رموزها وكنوزها نبيلة عبيد ونادية الجندي ويسرا!!
ما علينا. بعد مراجعة مع النفس أكتب هذا المقال في محاولة للتغلب على الضيق والقرف الذي يحاصرني منذ عودتي من الإجازة التي كانت حلماً في عالم آخر.. دنيا نقية. وأناس متحضرون. وشوارع نظيفة. وقمر لا يغيب، لكن كالعادة أينما نكون في مصر يدركنا القبح والفُجر والسوقية وقلة الذوق والفهلوة والفكاكة التي دخلنا عصرها مدفعوين بقوة الدبابة والبلطجة.
في قصة «المرتبة المقعرة» للدكتور يوسف إدريس، البطل شخص يحب الحياة، لكنه يكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسداً وقميئاً ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم. نام لبعض الوقت ثم استيقظ سائلا: «هل تغير العالم؟»، فنظرت زوجته حولها وأجابت: «لم يتغير العالم».
ربما يكون تمتم ببعض الكلمات التي تعبر عن ضجره من أن العالم لم يتغير بالسرعة الكافية ثم مارس هوايته التي يجيدها وهي النوم والانتظار ثم استيقظ وسألها نفس السؤال: «هل تغير العالم؟». فنظرت من النافذة وقالت: «لم يتغير العالم بعد». وهكذا ظل ينام ويستيقظ ويسأل فتنظر زوجته حولها وترد عليه بنفس الكلمات.
بمرور الزمن بدأت مرتبة السرير التي ينام عليها تهبط وتأخذ شكل جسده المقعر. وبعد أن نام شهوراً وسنوات، دون أن يتغير العالم، تحولت المرتبة إلى «كفن» يعيش فيه انتظاراً لمجهول لن يحدث، ثم مات فأراح واستراح. وهنا نظرت زوجته إليه وهو ينعم بموته في كفنه.. وقالت: «الآن تغير العالم». وربما كانت تقصد الآن تخلص العالم من أحد أولئك الكسالى الذين ينتظرون التغيير، ويأملونه ولا يتحركون أو يبذلون جهداً من أجله.
هذه القصة تذكرني بواقعة حقيقية. مصري ذهب إلى الخليج وعاش هناك سنوات طويلة. عاد وقد فوجئ بكم السلوكيات التي طرأت على الشارع وحجم الفساد الإداري وكمية الذمم الخربة التي قابلته. قرر أن يبتعد بأسرته وأولاده قدر المستطاع عن هذا الجو. بنى لهم مسكناً في إحدى المدن الجديدة وقصر تعاملهم مع الموظفين في أضيق الحدود. كما اشترى لهم «شاليه» في الساحل الشمالي الراقي حتى يصطافوا فيه بعيداً عن زحام الشواطئ الأخرى.
أثناء وجودهم هناك خلال إجازة الصيف أصيب أحد أبنائه بالزائدة الدودية، كان طبيعياً أن ينقله إلى أرقى المستشفيات، وهناك كانت النهاية. أعطوه جرعة «بنج» زائدة ليذهب شاب في عمر الزهور إلى جوار ربه، بسبب الإهمال.
مغزى قصة يوسف إدريس، وواقعة هذا الرجل واضحة. الهروب من العالم لن يغيره، التغيير الحقيقي بأيدينا نحن، مهما كان الفساد ومهما بلغت درجة القبح ومهما انتشرت الذمم الخربة والنفوس السوداء فإنها لن تنتهي لو بقينا ننتظر معجزة سماوية تقضي عليها.
أقول قولي هذا وأنا أدرك أن التأقلم مع الحياة في مصر يتطلب أن تكون مقاتلا لا مواطناً. أن تكون محمد مرسي لا محمد البرادعي. ثورة 25 يناير قامت ضد الفساد والقبح وتجار البشر الذين أثروا على حساب الشعب، لكنها لم تنجح في تحقيق أهدافها –قبل الانقلاب عليها- لسبب بسيط: أنها لم تحكم، ولم يتركوا الفرصة للرئيس المنتخب الذي أفرزته أن يحكم!
رغم كل القبح في مصر فلا يأس من إصلاح الأحوال. على جميع المصريين الحقيقيين وليس «المواطنين الشرفاء» من شعب البيادة والمرتزقة، أن يعمل قدر جهده وطاقته واستطاعته التغيير للأفضل، المهمة قد تكون مستحيلة. فالمبدأ في كل مؤسسات وقطاعات الدولة أن من يجلس على كرسي الإدارة لا يقرب منه إلا المخبرين والنمامين والأقل منه كفاءة، ومن لا يعرفون سوى ثقافة الخضوع والخنوع والانحناء والنفاق.
الناقد الفني طارق الشناوي عبّر ذات مرة عن هذه الحالة بالنجم القدير عادل أدهم، كانت موهبته المتدفقة وحضوره الطاغي وسرقته الكادر بمجرد أن ينطق وحتى قبلها، عاملا سلبياً في حياته، رغم أن المفترض أن تكون هذه المقومات عاملا إيجابياً ومساعداً على تقدمه للأمام ووصوله إلى المكانة التي يستحقها. يروي الشناوي أن عدداً كبيراً من أبطال الأفلام كانوا يرفضون مشاركة عادل أدهم في أعمالهم، خشية من حضوره، وأنهم كانوا يصرون على مشاركة فنانين يتمتعون بـ «الانصراف» حسب تعبيره، حتى ينتظر الجمهور طلة البطل البهية. وفي المقابل كانت تصر كبار الفنانات على مشاركة من هن أقل جمالا وأكثر ضعفاً حتى لا يخطفن أنظار الجمهور.
المؤكد أن كل موهوب في مصر يعاني بشكل أو بآخر، وأنه يدفع ثمن ميزات قد لا يملكها غيره، لكني أحذره من اليأس والاستسلام. شارك في تغيير الكون من حولك. لا تكتفِ بدور المتفرج على مسرح الحياة. انزل بنفسك واقتحم المسرح واعمل ما عليك.
ما علينا. بعد مراجعة مع النفس أكتب هذا المقال في محاولة للتغلب على الضيق والقرف الذي يحاصرني منذ عودتي من الإجازة التي كانت حلماً في عالم آخر.. دنيا نقية. وأناس متحضرون. وشوارع نظيفة. وقمر لا يغيب، لكن كالعادة أينما نكون في مصر يدركنا القبح والفُجر والسوقية وقلة الذوق والفهلوة والفكاكة التي دخلنا عصرها مدفعوين بقوة الدبابة والبلطجة.
في قصة «المرتبة المقعرة» للدكتور يوسف إدريس، البطل شخص يحب الحياة، لكنه يكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسداً وقميئاً ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم. نام لبعض الوقت ثم استيقظ سائلا: «هل تغير العالم؟»، فنظرت زوجته حولها وأجابت: «لم يتغير العالم».
ربما يكون تمتم ببعض الكلمات التي تعبر عن ضجره من أن العالم لم يتغير بالسرعة الكافية ثم مارس هوايته التي يجيدها وهي النوم والانتظار ثم استيقظ وسألها نفس السؤال: «هل تغير العالم؟». فنظرت من النافذة وقالت: «لم يتغير العالم بعد». وهكذا ظل ينام ويستيقظ ويسأل فتنظر زوجته حولها وترد عليه بنفس الكلمات.
بمرور الزمن بدأت مرتبة السرير التي ينام عليها تهبط وتأخذ شكل جسده المقعر. وبعد أن نام شهوراً وسنوات، دون أن يتغير العالم، تحولت المرتبة إلى «كفن» يعيش فيه انتظاراً لمجهول لن يحدث، ثم مات فأراح واستراح. وهنا نظرت زوجته إليه وهو ينعم بموته في كفنه.. وقالت: «الآن تغير العالم». وربما كانت تقصد الآن تخلص العالم من أحد أولئك الكسالى الذين ينتظرون التغيير، ويأملونه ولا يتحركون أو يبذلون جهداً من أجله.
هذه القصة تذكرني بواقعة حقيقية. مصري ذهب إلى الخليج وعاش هناك سنوات طويلة. عاد وقد فوجئ بكم السلوكيات التي طرأت على الشارع وحجم الفساد الإداري وكمية الذمم الخربة التي قابلته. قرر أن يبتعد بأسرته وأولاده قدر المستطاع عن هذا الجو. بنى لهم مسكناً في إحدى المدن الجديدة وقصر تعاملهم مع الموظفين في أضيق الحدود. كما اشترى لهم «شاليه» في الساحل الشمالي الراقي حتى يصطافوا فيه بعيداً عن زحام الشواطئ الأخرى.
أثناء وجودهم هناك خلال إجازة الصيف أصيب أحد أبنائه بالزائدة الدودية، كان طبيعياً أن ينقله إلى أرقى المستشفيات، وهناك كانت النهاية. أعطوه جرعة «بنج» زائدة ليذهب شاب في عمر الزهور إلى جوار ربه، بسبب الإهمال.
مغزى قصة يوسف إدريس، وواقعة هذا الرجل واضحة. الهروب من العالم لن يغيره، التغيير الحقيقي بأيدينا نحن، مهما كان الفساد ومهما بلغت درجة القبح ومهما انتشرت الذمم الخربة والنفوس السوداء فإنها لن تنتهي لو بقينا ننتظر معجزة سماوية تقضي عليها.
أقول قولي هذا وأنا أدرك أن التأقلم مع الحياة في مصر يتطلب أن تكون مقاتلا لا مواطناً. أن تكون محمد مرسي لا محمد البرادعي. ثورة 25 يناير قامت ضد الفساد والقبح وتجار البشر الذين أثروا على حساب الشعب، لكنها لم تنجح في تحقيق أهدافها –قبل الانقلاب عليها- لسبب بسيط: أنها لم تحكم، ولم يتركوا الفرصة للرئيس المنتخب الذي أفرزته أن يحكم!
رغم كل القبح في مصر فلا يأس من إصلاح الأحوال. على جميع المصريين الحقيقيين وليس «المواطنين الشرفاء» من شعب البيادة والمرتزقة، أن يعمل قدر جهده وطاقته واستطاعته التغيير للأفضل، المهمة قد تكون مستحيلة. فالمبدأ في كل مؤسسات وقطاعات الدولة أن من يجلس على كرسي الإدارة لا يقرب منه إلا المخبرين والنمامين والأقل منه كفاءة، ومن لا يعرفون سوى ثقافة الخضوع والخنوع والانحناء والنفاق.
الناقد الفني طارق الشناوي عبّر ذات مرة عن هذه الحالة بالنجم القدير عادل أدهم، كانت موهبته المتدفقة وحضوره الطاغي وسرقته الكادر بمجرد أن ينطق وحتى قبلها، عاملا سلبياً في حياته، رغم أن المفترض أن تكون هذه المقومات عاملا إيجابياً ومساعداً على تقدمه للأمام ووصوله إلى المكانة التي يستحقها. يروي الشناوي أن عدداً كبيراً من أبطال الأفلام كانوا يرفضون مشاركة عادل أدهم في أعمالهم، خشية من حضوره، وأنهم كانوا يصرون على مشاركة فنانين يتمتعون بـ «الانصراف» حسب تعبيره، حتى ينتظر الجمهور طلة البطل البهية. وفي المقابل كانت تصر كبار الفنانات على مشاركة من هن أقل جمالا وأكثر ضعفاً حتى لا يخطفن أنظار الجمهور.
المؤكد أن كل موهوب في مصر يعاني بشكل أو بآخر، وأنه يدفع ثمن ميزات قد لا يملكها غيره، لكني أحذره من اليأس والاستسلام. شارك في تغيير الكون من حولك. لا تكتفِ بدور المتفرج على مسرح الحياة. انزل بنفسك واقتحم المسرح واعمل ما عليك.
انس مقولة محمد الماغوط: «لا تكن متفوقاً في عالم منحط.. ستكون مثل بقعة عسل وسط عالم من الذباب.. ستفنى ويبقى الذباب».
لو اقتنعت بهذه المقولة فلن تجتهد لتظهر ما حباك الله به من إمكانات. ستظل أسير «المرتبة المقعرة» التي ستتحول إلى «كفن» لك. وبعد موتك ستقول زوجتك: «الآن تغير العالم»!!
العالم ما زال فيه من الجمال ما يجعل الإنسان يعيد تفكيره، ويركز على الجوانب الإيجابية. ما زال في العالم شمس مشرقة.. ونجوم متلألئة.. وقمر يشع نوره وبهاءه وسحره على الدنيا!
• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany
لو اقتنعت بهذه المقولة فلن تجتهد لتظهر ما حباك الله به من إمكانات. ستظل أسير «المرتبة المقعرة» التي ستتحول إلى «كفن» لك. وبعد موتك ستقول زوجتك: «الآن تغير العالم»!!
العالم ما زال فيه من الجمال ما يجعل الإنسان يعيد تفكيره، ويركز على الجوانب الإيجابية. ما زال في العالم شمس مشرقة.. ونجوم متلألئة.. وقمر يشع نوره وبهاءه وسحره على الدنيا!
• shrief.abdelghany@gmail.com
@shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق