الأحد، 14 سبتمبر 2014

الأسئلة الصعبة بين المقاومة و "الكيان"

الأسئلة الصعبة بين المقاومة و "الكيان" 
 أحمد فهمي

بعيداً عن احتفاليات النصر التي دشّنها مؤيدو المقاومة فرحاً وفخراً.. وبعيداً عن «دموع التماسيح» التي يذرفها بعض وسائل الإعلام العربية على ضحايا القصف والخسف في غزة، في إصرار عجيب على توصيف ما حدث طيلة الأسابيع الماضية على أنه هزيمة وليس انتصاراً.

بعيداً عن هذا وذاك؛ نحتاج إلى وقفة تأمّلية بحثاً عن مسارات المستقبل في ظل ظرف سياسي معقّد تكتنفه عوامل صعبة الحصر ومتغيّرات متجددة ومتقلبة.
أسئلة المقاومة
ماذا عن نقاط الضعف لدى فصائل المقاومة - وفي مقدمتها حركة حماس -؟ وماذا عن التحديات التي تواجهها في المرحلة القادمة؟

تتعلق نقاط الضعف بالحالة الداخلية للمقاومة، وربما يكون البحث عن ملامح ضعف داخل حركة حماس أمراً صعباً بالنظر إلى ما ظهرت به الحركة خلال الأيام الماضية من حيث القدرات التنظيمية العالية، والمستوى التدريبي الاحترافي، والقدرة على إدارة الصراع سياسياً وعسكرياً بصورة متزامنة، فضلاً عن التزايد الواضح في عدد العناصر المتدربة في صفوفها، والحرص على زيادة أفقية لحاملي الخبرات العسكرية المتطورة حتى لا تخسر الحركة بمقتل أبنائها، إضافة إلى التماسك الداخلي الواضح وحُسن التنسيق بين الداخل والخارج دون أن نلمح نغمة نشاز واحدة.

لكن من المعروف أن أي حركة مقاومة عسكرية تحتاج إلى تحقيق إنجازات تدعم موقفها داخلياً بالنظر إلى كمّ التضحيات المادية والبشرية التي يتم تقديمها، وحتى مرحلة ما قبل مفاوضات التهدئة نجحت الحركة في تحقيق نتائج مفاجئة وغير متوقعة، لكن هذه النتائج كانت تعتمد بالدرجة الأولى على 4 عناصر: المفاجأة، الصواريخ بعيدة المدى، الأنفاق، والكمائن.

الجيش الإسرائيلي هو جيش احترافي من الدرجة الأولى، وهذا يعني امتلاكه قدرات تخطيطية عالية، وكذا القدرة على تجاوز الأخطاء وامتصاص نقاط الضعف تكيفاً مع تطورات المعركة، والسؤال هنا عن الرؤية الاستراتيجية للإسرائيليين في مواجهة الصواريخ والأنفاق والكمائن.

بمعنى آخر: من المسلّم به أن الكيان الصهيوني سيستخدم مزيجاً مختلفاً من: القصف، والحصار، والمواجهة البرية؛ يختلف عما سبق؛ من أجل تقليص قدرة المقاومة على تحقيق إنجازات تسوغ التضحيات المقدمة..
فهل يستطيع الصهاينة ذلك بالفعل؟ أم أن المقاومة قادرة على التطور أيضاً فتقوم بتعديل «مزيجها العسكري» تكيفاً مع تطورات الحرب؟

إذن السؤال هنا لا بد من أن يطال ما تبقى من أنفاق ومن صواريخ بعيدة المدى.

الانسحاب الإسرائيلي البري - أو إعادة الانتشار - يهدف إلى تقليص النتائج الإيجابية الرئيسة للمقاومة، وهي قتل الجنود الصهاينة، فلو استمرت الحرب بهذه الطريقة الاستنزافية - عن بُعد -، سيكون التحدي هو: قدرة الداخل الفلسطيني - زمنياً - على تحمّل القصف العنيف، في مقابل قدرة الداخل الإسرائيلي - زمنياً أيضاً - على تحمّل الصواريخ، أضف إلى ذلك أنه مع الوقت قد تتمكّن الاستخبارات الإسرائيلية من خلخلة الجدار الصلب للمقاومة والحصول على معلومات أكثر عن مخازن الصواريخ وخرائط الأنفاق.

نستطيع أن نصيغ سؤالاً نهائياً لهذه الإشكالية كما يلي: إلى أي مدى يمكن للمقاومة أن تحتفظ بقدرتها على تحقيق المعدل نفسه من النتائج الإيجابية؟
العدو الصهيوني يدرك جيداً هذه النقطة ويستغلها في مناوراته السياسية التفاوضية، فهو يسعى إلى إفقاد الصواريخ تأثيرها السياسي، ويراهن على عنصر الوقت.
أما عن التحديات، فيمكن أن نحددها في دوائر تتحرك من الداخل إلى الخارج.
الدائرة الأولى: الحاضنة الشعبية

تعتمد حماس بالدرجة الأولى - كحركة مقاومة - على بيئة شعبية حاضنة ومؤيدة وداعمة، على الأقل في غالبيتها، وعادة ما تلجأ الجيوش التي تواجه حركات مقاومة عسكرية إلى تدمير هذه العلاقة بين المقاومة وحاضنتها، عن طريق تعظيم الخسائر الشعبية مادياً وبشرياً، إذن المعادلة هي: تقليل نتائج المقاومة (عسكرياً وسياسياً) + تعظيم خسائر الحاضنة الشعبية.

ويضاف إلى ما سبق:
السعي لتقليص قدرات فصائل المقاومة على ممارسة العمل الخيري عن طريق تعميق الحصار الاقتصادي ليقضي على تلك الذراع الخيرية للمقاومة، ومن ثم يبدأ الناس التساؤل عن الثمن الذي تم دفعه، ثم عن الثمن الذي يتحتم دفعه مستقبلاً لو تكررت المعادلة.
الدائرة الثانية: الوسط الفلسطيني
لا شك في أن المقاومة تلقى دعماً من غالبية فلسطينيي الضفة الغربية، لكن التساؤل هنا عن قدرة الضفة على تقديم الدعم للقطاع، أو على تخفيف الضغوط عليه، إذ من الواضح أن مستوى الدعم حتى الآن ليس على المستوى المطلوب لأسباب كثيرة.
الدائرة الثالثة: العلاقة مع السلطة الفلسطينية

بعيداً عن الواجهة السياسية، فإن السلطة تتحرك تلقائياً بحسب ما يملى عليها من الخارج، وتقريباً ليس لها قدرة حقيقية على الممانعة حتى لو أرادت، أضف إلى ذلك أن الهدف المعلن – على الأقل قبل الحرب - للسلطة هو تصفية القدرة العسكرية للمقاومة، والسؤال هنا عن التصور السياسي للعلاقة بين حماس والسلطة في ظل حكومة وحدة وطنية لا تزال محتملة: كيف سيدار قطاع غزة في ظل وجود سلطة مدعومة غربياً، وفي ظل وجود سلاح المقاومة بيد الفصائل؟..
ولو كانت مهمة تلك الحكومة إدارة الأوضاع ريثما تنعقد انتخابات جديدة، فماذا سيحدث لو تكرر فوز حماس؟ هل سيعيد التاريخ نفسه؟

الخطر الأكبر الذي يهدد أي مقاومة، هو تحقيق مستوى منخفض من الاستقرار للشعب الحاضن، بحيث يكون لدى الناس ما يخسرونه لو عاودت المقاومة حراكها العسكري، وبحيث يكون استمرار ذلك المستوى من الاستقرار هو الهدف الأعظم للأجيال الحالية المنهكة.
الدائرة الرابعة: الوسط الإقليمي المناويء

ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي تفتقد فيها المقاومة الفلسطينية الدعم العربي بهذه الدرجة.. نعم لم يكن العرب داعمين للمقاومة بصورة مباشرة، لكن لم يكن العداء لها علنياً كما في الحرب الأخيرة. وهذه الحالة المتطورة تؤثر سلباً في قدرة المقاومة على المناورة السياسية، وبمعنى أدق: في قدرتها على تحويل مكاسبها العسكرية إلى مكاسب سياسية.
أسئلة الكيان الصهيوني

كتب جون لويد من وكالة «رويترز» مقالاً بعنوان: «حرب غزة يمكن أن تكون لمحة عما سيأتي»..
أهم عبارة جاءت في المقال هي قوله: «أعداء إسرائيل – كما كانوا دائماً - يمكن أن يخسروا ويخسروا، بينما إسرائيل لا يمكنها أن تخسر إلا مرة واحدة»..
هذه العبارة تلخص الوضع الاستراتيجي للكيان الصهيوني، فهو لا يتمتع برفاهية «الخسارة المتكررة»، فلو خسر الصهاينة حرباً مع خصومهم ستكون تلك النهاية لأحلامهم.
تحليل ردود الأفعال الداخلية للكيان، إضافة إلى مستوى الأداء العسكري في الحرب؛ يكشف عن تراجع كبير في قدرات الصمود الداخلية، وكذا في صلابة الجنود عسكرياً، وهناك ما يوحي بوجود تفكك وخلخلة أيديولوجية؛ فالأجيال الأولى من الصهاينة كانت أكثر صلابة وتمسكاً ونضالية؛ فالتأثير الحقيقي للصواريخ من الناحية التفجيرية، وكذا قدرات المقاومة النيرانية على الاحتكاك المباشر، مقارنة بما يملكه اليهود؛ ليسا بالدرجة التي تحدث كل هذا الاضطراب، لكنه أولاً: التوفيق من الله سبحانه وتعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، ثم تلك «الخلخلة» الداخلية التي يعانيها الصهاينة.
التحدي الأخطر الذي يواجه الإسرائيليين هو: قدرة حماس على التطور والتكيف بمعدلات غير مسبوقة تجعل من الصعب تماماً توقع نتائج أي معركة مستقبلية مع الحركة.
ما يهم الإسرائيليين الآن وما يقلقهم ليس مجريات الحرب الدائرة حالياً، بل: معدلات التطور في القدرات وفي الصراع، إذ توجد فجوة كبيرة – تتزايد باستمرار - بين تطور قدرات حماس الصاروخية وبين التطور العسكري التقني فيما يتعلق بالحماية الصاروخية.

خلال خمس سنوات على الأكثر من الآن لو استمر الحال على ما سبق ستكون حماس قد امتلكت صواريخ لها دقة تصويب عالية، وقدرات تفجير هائلة، ولنا أن نتخيل 20 أو 30 صاروخاً تطلق من غزة يومياً ينجح نصفها على الأقل في تجاوز القبة الحديدية، ليصيب أهدافاً استراتيجية - بدقة عالية وبقوة تفجير كبيرة -، مثل: الكنيست، المطار، مفاعل ديمونة، المصانع العسكرية، ومحطات الكهرباء والمياه... إلخ.

لن يتحمل الكيان هذه الخسائر أو هذا الخطر، فمنذ حرب 1948م لم يهدَّد الداخل الصهيوني كما يحدث الآن، كما أنهم - في المقابل - لن يستطيعوا تعظيم رد فعلهم وزيادة معدلات التدمير كثيراً عما يفعلونه حالياً في قطاع غزة، حتى لو قرروا احتلاله نهائياً فإن الخسائر حتى ينجحوا في ذلك ستكون مدمرة تماماً.

النتائج الاستراتيجية للحرب الأخيرة على غزة تكشف بوضوح عن مستوى ضعف الكيان، وعن عجزه عن الصمود في أي حرب حقيقية، وعن أنه يعتمد بالدرجة الأساسية على أسلوب «الصدمة» بأن يوقع لدى خصمه أكبر مستوى من الخسائر المادية والبشرية في بيئته الشعبية، بخلاف ذلك، هي مسألة وقت، وعدد متوسط من الصواريخ يحول دولة الكيان إلى منطقة مهجورة..
فهل يستوعب العرب تلك التطورات؟.. لا أعتقد.
ولتبقى المقاومة هي أمل الأمة، والله غالب على أمره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق