قطر و"الإخوان" المصريون... حقائق وتشويش
شرّقت وغرّبت كثيرا صحف وفضائيات ومواقع إخبارية عربية كثيرة في موضوع مغادرة ستة "إخوانيين" وإسلاميين مصريين الدوحة. المختصر المفيد أن الدوحة في وسعها أن تذكّر أنها إذ تستضيف مصريين من المنتسبين لجماعة "الإخوان المسلمين"، فذلك ليس لأنهم "إخوان مسلمون"، بل لأنهم أرادوا مأوى ومقاماً، بعد شعورهم بضيق في بلدهم، وأن أحداً منهم لم يثبت عليه ارتكاب جريمة معلومة، حتى تصير الدوحة له مخبأً من عقاب. وثاني أمور عدة يغفل عنها أولئك أن مسؤولين سابقين في نظام صدام حسين ومحسوبين عليه اختاروا الإقامة في قطر، وكان لهم ذلك، كما أن مثقفين عرباً عديدين، من سورية والجزائر والسودان وفلسطين مثلا، وجدوا مقاما لهم في الدوحة، وهم ليسوا من أهل الهوى الإخواني أو الإسلامي السياسي، فمنهم ليبراليون ويساريون وقوميون. كما أن رئيساً عربياً سابقاً، تمت تنحيته عن السلطة في بلاده، هو معاوية ولد الطايع، يقيم في قطر. وليس في الأرشيف ما يذكّر بتمنن من السلطات القطرية، في أي وقت، على أي من هؤلاء وغيرهم. إذ لا شيء يمنع موالياً للسلطات في بلاده أو معارضاً لها من أن يختار قطر بلداً لإقامته وبحثه عن حياة كريمة فيها، مادام ملتزماً بالقوانين المحلية، ولم ينشط في الأثناء في عمل ذي صفة جرمية، أو تحريضية على ارتكاب آثام أو جرائم أو اعتداءات.
ولم تدّع قطر يوماً أنها أول من سلك هذا المنهج بين شقيقاتها من الدول العربية. فمصر إبان كانت في موقع الزعامة والموقع القيادي العروبي الأول، في الزمن الناصري خصوصاً، لم تبخل بطيب الإقامة والحماية لمستجير طلب عونها، ويسّرت لملاحقين من أنظمة الحكم في بلادهم مستقراً طيباً في القاهرة، أو لمن زال عنهم سلطان كان بين أيديهم.
أما "الإخوان المسلمون"، خصوم الناصرية وأنظمة أخرى عربية لاحقة، فقد وجدوا في السعودية، أولاً وأساساً، أحسن مقام ورعاية، من دون استثمار سياسي أو دعائي، وأفادت المملكة من الجانب الدعوي لدى شيوخ "الإخوان" ومتعلميهم، وفي البال أن كتباً لمؤسسين لجماعة "الإخوان"، سيد قطب مثلاً، كانت مقررة في المناهج التعليمية.
وإذ ليس من حق أحد، أي كان، أن يتدخل في خيارات المملكة، فإن من المستهجن أن تنقطع منابر إعلامية عربية عديدة، مدعومة من مؤسسات سياسية حاكمة، إلى تعيير قطر لاستضافتها شيوخا "إخوانيين" أو دعاة إسلاميين، لهم مواقفهم الخاصة من النظام الحاكم المستجد في بلدهم، وأن تُمارس ضغوط ثقيلة، إعلامية وسياسية، على قطر، من أجل إبعادهم من أراضيها، فيما في وسعهم أن يقيموا في غير بلد في أوروبا، ويزاولوا من هناك أنشطة، قد لا تأذن لهم الدوحة بها.
لم تصدر أي من الوزارات والأجهزة القطرية المعنية أي توضيح أو تعقيب بشأن الخبر الذي شاع، السبت الماضي، عن طلب الدوحة من ستة من "الإخوان المسلمين" ودعاة مغادرة قطر، غير أن وسائل إعلامية، منها "العربي الجديد"، نقلت عن مصادرها القطرية قولها إن مغادرة هؤلاء إنما تتم برغبتهم. وفي موازاة ذلك، أبلغ أحد المعنيين الستة "العربي الجديد" أن طلباً قطرياً وجِّه إليهم في هذا الخصوص، بكل احترام وتقدير، فيما ذكر آخر لمنبر آخر أنه ليس هناك أي إبعاد لهم من قطر، وأن خطوة المغادرة إنما تتم بقرار من القيادة "الإخوانية" لأن تعيد الجماعة أوراقها، ونفى أي ترحيل له ولزملائه.
لقد طلبت السلطات القطرية حقاً من هؤلاء المغادرة، وهم تفهموا طلبها هذا. ليس ثمة أحجية في الموضوع، ولا تناقض بين وجهتي التصريحات هذه، فالرغبة مشتركة، بين الحكومة القطرية و"الإخوان المسلمين" بأن يغادر الستة الدوحة، بما يتلاءم مع اتفاق قطر وشركائها من دول مجلس التعاون.
وقد علمت "العربي الجديد" أن المبادرة في هذا الخصوص كانت مقترحاً من شخصيات قطرية، تعمل في الدعوة، ومقربة من "الإخوان المسلمين"، ليكون الأمر عاملاً مساعداً في دفع المصالحة الخليجية باتجاه تجاوز كل الخلافات العالقة، لا سيما إذا ما قوبلت هذه الخطوة بأخرى مطلوبة من الرياض وأبوظبي، خصوصاً، تجاه الدوحة.
وإذ إن اثنين من المصريين "الإخوانيين" الستة غير مقيمين أصلا في الدوحة، وإنما يزورونها بشكل متقطع، وإذ إن الإقامات لم تسحب من الباقين، وإن أسرهم لن يلحق بها أي إجراء يغير أوضاعها في قطر، فإن المسألة لا تتجاوز كونها معبراً باتجاه إحداث اندفاعة مطلوبة، وتثميراً للرغبة السعودية بتجاوز هذا الحال الخليجي المأزوم، كما تبدت في جولة الوفد السعودي الرفيع المستوى، والذي زار الدوحة وأبوظبي والمنامة، الشهر الماضي، برئاسة وزير الخارجية، سعود الفيصل.
وما الدليل على ذلك سوى عبارات الشكر والامتنان التي توجه بها "الإخوان" الستة ورموز بارزة في الجماعة تجاه دولة قطر، "لموقفها الرائد في مناصرة الشعوب المستضعفة"، بحسب جمال عبد الستار، أحد الستة المغادرين. وقد صرح مسؤول العلاقات الخارجية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد سودان، إن الجماعة "تقدر وقوف قطر إلى جانب ثورات الربيع العربي، وموقفها الداعم للثوار الحقيقيين"، وأفاد أن مصريين عديدين رافضين للانقلاب العسكري في مصر ما زالوا يقيمون في قطر، ولم يطلب منهم المغادرة.
وإذ راحت تحليلات إلى تخمين أن خيارات الدوحة السياسية في الشأن المصري سيطرأ عليها تغيير، فإن الملحوظ أن الدوحة لم تغير اجتهادها السياسي النقدي تجاه الانقلاب، وهو الموقف الذي تشارك فيه غالبية دول العالم، وإن تفردت بوضوحه عربيا، كما أنها لم تعلن موقفاً عدائياً تجاه السلطة الحاكمة في مصر، وأن مناسبات غير قليلة، جرى فيها تواصل بروتوكولي بين قيادتي البلدين، وأن الحرص الذي تؤكد عليه الدوحة دائما هو على سلامة مصر واستقرارها، بحسب تصريحات المسؤولين القطريين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق