مواقف العلماء من الانقلاب
وليد أبو النجا
باحث في الدراسات الإسلامية
جدد التفاعل مع مقال الدكتور (الطبيب) راغب السرجاني، والذي دعا فيها إلى الصبر على الحاكم مهما ظلم، (وإن جلد ظهرك وأخذ مالك)، الجدل حول موقف العلماء والدعاة من السياسة بصفة عامة، والانقلاب العسكري الحادث في مصر، والمظالم الكبرى التي ترتبت عليه بصفة خاصة.
وأحسب أنه من الضروري الاتفاق على نقاط عامة لتقييم المواقف، بغض النظر عن اسم صاحبها أو شهرته. ألا وهي:
1. كل موقف من عالم معتبر، إذا كان نتيجة اجتهاد في معرفة الحق، وتحري الأصلح للعباد والبلاد، شريطة أن يصدر من عالم مستقل، غير متواطئ مع السلطة، أو سائر في ركابها. أما علماء السلطان المتواطئين، الذين يحلون المعارضة عاما ويحرمونها عاما، فلا اعتبار لهم ولا لمواقفهم أصلا، فهم والعدم سواء.
2. إذا كان رأي العالم اجتهاديا، حتى إن كان غير مرحب بالثورات، أو يرى الصبر على الحكام وإن ظلموا، فهذا يعني عدم إنكاره على من لم يرَ رأيه، وأخذ بوجوب مقاومة الظالم، الذي سرق السلطة من الشعب بالخيانة، وقتل العباد، وخرب البلاد، فلا إنكار في المسائل الاجتهادية.
3. أن يكون موقف العالم متوازنا بحيث ينكر على كل فريق ما وقع فيه من أخطاء من وجهة نظره، أو ما يمكن أن يقع فيه، أما أن يكون موقفا منحازا، يدبج النصائح للمظلوم، ويصمت صمت القبور على ممارسات الظالم، الذي يملك السلطة والسلاح والإعلام، بل يغريه بمزيد من جلد الظهر، وأخذ المال، اعتمادا على أحاديث ضعيفة، فهذا لا ينتظر من عالم سوي بصير، وإنما يتوقع من أعور يرى بعين واحدة، أو من خائف يخشى أن يقول للظالم كلمة قد تحسب عليه في قابل الأيام.
4. لا يجوز للعالم السكوت عن بيان الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، بل يجب عليه البيان بأصرح عبارة، فإن حيل بينه وبين الناس، أو عجز، أو خشي على نفسه وأهله، أو ضعف لأي اعتبار، فعليه ألا ينصر الباطل بحال.
5. يُراعى تاريخ العالِم، بأن يكون من أهل التريث والتأني والثبات على المبادئ، الذين لا تصدر مواقفهم عن خفة وعجلة وطيش، لا الذين تطرفوا ذات اليمين، وزايدوا وبالغوا في المزايدة من قبل، واليوم يتطرفون ذات اليسار، ويريدون من جموع الناس أن يتبعوهم في مواقفهم المتقلبة المتحولة من النقيض إلى النقيض.
6. سعي بعض العلماء للوساطة سعي مقدر مشكور، شريطة أن تكون وساطة نزيهة، يعرف صاحبها الظالم من المظلوم، ولا ينحاز للقوة على حساب الحق، ولا يرتمي في أحضان القوي الظالم، ويشنع على الضعيف المظلوم، وغير ذلك ما هو إلا سعي على المعاش، وبحث عن مصالح شخصية بعناوين موهمة، وتأييد للظالم من طرف خفي.
7. إذا ضعف العالم عن الأخذ بالعزيمة، والجهر بالحق، بأن يأمر السلطان الجائر وينهاه، وأن يقول للظالم: يا ظالم. فعليه ألا يفتري على الله الكذب بأن يُلبِس ضعفه ثوبا من الشريعة، بل عليه أن يفرح بأهل العزيمة، ويؤيدهم بما يستطيع، سرا إن لم يكن جهرا، ولو بالدعاء، فحب الصالحين ولو مع العصيان مجلبة للشفاعة، كما قال الإمام الشافعي.
8. أن يكون العالم ممن له اهتمام قديم بالشأن العام، ودراية بفقه الواقع، لا المحصورين في جنبات علم واحد لا يعدونه إلى غيره، ولا ممن شرطوا على أنفسهم - تصريحا أو واقعا - عدم الخوض في السياسة، ثم خاضوها بعد الثورة - وليسوا من أهلها - فضلوا وأضلوا.
9. أن يكون من أهل العلم، بحيث يستمد رأيه صبغة شرعية من العلم الذي يحمله، لا ممن قُبل انتسابه إلى الدعوة تنزلا، ثم قبل انتسابه إلى العلماء تنزلا، فمثل هذا التنزل لا يقبل في المسائل الكبرى التي تمر بها الأمة.
10. لا تلازم بين الشهرة والتمكن العلمي، فكم من مشتهر لا يساوي شيئا بين أهل الفن، وكم من عالم نحرير يموت علمه معه، ولا يجد إلى جموع الناس سبيلا، لا سيما في عصرنا الذي تشتهر فيه الراقصة أكثر من أستاذ الجامعة.
وأخيرا، فباستعراض الأحداث الكبرى التي مرت بالأمة الإسلامية، لم يثبت لها من العلماء على جلالة أقدارهم إلا أفراد في كل عصر، كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وسلطان العلماء العز بن عبد السلام، وغيرهم، وكثير من العلماء المعروفين، في التفسير والحديث والأصول والفقه، لم تكن مواقفهم السياسية على قدر العلم الذي يحملونه.
وما ضمن الله العصمة لأحد بعد رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل العلماء يؤخذ منه ويرد عليه بمقدار موافقته للإسلام أو بعده عنه، والرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق