الخميس، 18 سبتمبر 2014

اللـــــــــــه فـــــــــــاعل

اللـــــــــــه فـــــــــــاعل

بقلم د . محمد عباس



كان ذلك الصديق، وهو أستاذ بجامعة الأزهر على الطرف الآخر من الهاتف يصرخ:
- أين راح شرفنا و كيف اختفت نخوتنا وحرصنا على الجهاد.. إننا نريد أن نجاهد فى سبيل الله بشرط السلامة.. بشرط ألا نقتل ولا حتى نجرح .. وبشرط ألا يخصم للموظف منا يوم من راتبه..وذلك لا يمكن أن يكون جهادا فى سبيل الله بل خيانة لله..
استبد بى الغضب فهتفت فى ذلك الأستاذ بجامعة الأزهر: أين كنتم ؟.. أين الناس؟؟ أين الأمة؟؟ لماذا لحقهم التشويه لماذا انتشر فيهم الوباء؟؟ لماذا انهزموا؟؟ لماذا لم ينج منهم أحد؟؟.
عندها راح الرجل يبكى ..
وجاءنى سؤاله عائما فوق طوفان دموعه:
- هل يعنى ذلك أنه لا أمل ..
وقلت له أن مفردات الواقع تشى  بيأس مطبق أسود لا يرى ثمة بصيص ضوء..  فإننى لا أدعى -كما يدعى السفهاء - ولا أزعم  – كما يزعم الأغبياء - أن جموع الأمة بخير، بل أعترف أنها -جميعها - بشرّ، الحكام والمحكومين، النخبة والعامة، المجنسين والـبدون، الصفوة والحثالة والقضاء والجيش والشرطة والاقتصاد والصناعة والزراعة، والأزهر والحرم والأقصى، ليس ثمة عندنا ما لم يلحق به البوار..
نخرب بيوتنا بأيدينا …
لا منهج يقودنا ..
ولا نبراس يضئ الطريق لنا..
ولو نظرنا إلى كل الفئات لوجدنا أن أكثر ما أساء ولوث بالعار كل فئة لم يكن الأعداء ولا الاخوة أو الأصدقاء، بل أبناء الفئة نفسها..
فمن أساء إلى هيبة الحكم هم الحكام أنفسهم ..
ومن أساء إلى الدين رجال الدين..
 ومن أساء إلى الأزهر شيخ الأزهر ..
ومن أساء الجيش هم قياداته..
 ومن أساء إلى الشرطة هم ضباطها ..
ومن أساء إلى القضاء قضاة ..
ومن أساء إلى رجال النيابة رجال نيابة ومن أساء إلى المثقفين مثقفون، و إلى الصحفيين صحفيون، وإلى الكتاب كتاب، وإلى أحزاب الأغلبية أحزاب الأغلبية و إلى أحزاب المعارضة أحزاب معارضة وإلى الأمة سكوتها عن كل هذا..
لقد افتقدنا المنهج..
 لقد كانت طريقة إدارتنا لكل شئوننا تفتقد إلى منهج، لذلك كان الفشل هائلا والكوارث فادحة..
وجاءنى – عبر الهاتف – صوت الرجل الباكى: ما العمل؟..
قلت له أننى لا أملك تفاصيل حل  بل أملك منهجا ..
لست أملك وصفة سحرية نتجرعها فى المساء فإذا بالصباح يأتى وقد انقشعت الغيوم ورحلت الهموم وانتهت الكوارث وتحولت الهزائم إلى انتصارات..
 لا أملك ذلك الحل، لكن ما لا أملكه أنا قد يملكه 65 مليون مصرى و أغلب الظن يملكه 300 مليون عربى ويقينا يملكه 1500 مليون مسلم..
الحل فى تبنى منهج الحضارة الإسلامية فى مواجهة قضايانا ..
المنهج الشامل الكامل الذى هو أوسع من أى جماعة أو حزب لأنه يستوعب الجميع ..
المنهج الذى نسيناه، والذى يتير عليه العلمانيون الغبار ويقذفون بالأوحال..
المنهج الذى يعيد إلينا الثقة بديننا.. والذى يجعل هذا الدين حتما لا مناص منه.. ليس لأن الإسلام هو الحل لمشاكل دنيانا.. بل لو لم يحل الإسلام لنا أى مشكلة من مشاكل دنيانا – وهذا افتراض غير صحيح – فليس أمامنا سواه .. وليس لنا اختيار.. المنهج الذى يجعلنا نشعر بأننا الأعلون..
إن جهد الأمة الآن يجب أن يكرس لا لإصلاح شامل جذرى يستحيل حدوثه، بل لتحقيق توازن مبنى على قانون إلهى ربما يشبه قانون الكتلة الحرجة فى الفيزياء، وهو قانون لا يتحكم فيه الكمبيوتر ولا يجرى حساباته العقل بل القلب، قانون لا يخطئ، ويقضى بأننا لو استطعنا أن نربى أمام كل ألف خائن مخلص واحد لانتصرنا..
قلت له استخلص العبر من التاريخ منذ صفين والجمل وكربلاء حتى جماعة كوبنهاجن، عن شرفاء تدنوا، و أطهار تدنسوا، و أبطال خانوا، وأتقياء فسقوا و أسوياء انحرفوا، ومجاهدين بلغ بهم الانحراف بعد أن رفعوا لواء الثأر لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم أن ادعوا النبوة- لماذا يفسد الكل ويتعفن؟­ لماذا.. 
الإجابة واضحة وجلية : افتقاد المنهج ..
قلت له تسألنى عن الحل؟.. الحل أراه بقلبى بعد أن كلت عينى.. ببصيرتى بعد أن زاغ بصرى.. الحل أمل فى الله ويقين به ورجاء أن تسبق رحمته بنا عدله فينا .. وأننا مساقون سوقا إلى منهجه و إن أبينا ..
وبهذا المنهج أقول لك أيها القارئ أننا برغم كل هذا الانهيار سننهض لننتصر ..
 بهذا المنهج أقرر أننا – أنا و أنت – نحن الأقل لكننا الأعز، وأننا نحن الضعفاء، المحاصرين، المعتقلين، المعذبين، الشهداء، نحن الذين ننتصر فى النهاية دائما رغم كل عناء، و أن التاريخ يلقى بالآخرين فى مزابله، و أن الله يفصل بيننا يوم القيامة..
إن المستقبل غير كل تصوراتنا له، و الإعجاز الإلهى فى الخليقة يأبى إلا أن يكون معجزا ..
إن منهج الحضارة الغربية يعتمد على المادى المجرب المحسوس، فهو أشبه بجسد بلا روح، أما جوهر الحضارة الإسلامية فإنه يعتمد على كل ذلك مضيفا إليه قوة ودعما لا نهائيا هو قوة الروح، وهنا إذن يكمن جوهر نملكه لا يمكن أن يتمتع أعداؤنا بمثله، جوهر الإيمان بأن وعد الله حق، جوهر الإيمان، لا بالله فقط، بل بنواميس الله التى خلقها والتى تحتم دائما و أبدا انتصار الحق واندحار الشر مهما بعد المدى،  ومن هذا المنظور وبهذا المنهج يجب علينا أن نقرأ التاريخ وأن نتأمل عبرته، إن خيانة الحكام والنخبة ليست بحادث طارئ، فعبر التاريخ كله كان حكامنا يخونون قضية أمتهم، تاريخ الحكام هو تاريخ الخيانة والبطش والجبروت والتزوير والكذب، إننا نقع فى خطأ تفسير المستشرقين بما يكتنفه من نوايا السوء، حين نطالع تاريخ الحكام مفترضين أنه تاريخ الحقيقة، وليس إلا سلسلة من الأكاذيب لإخفاء الحقيقة، كان الحكام يخونون، لكن الناس كانوا فى نفس الوقت يصوغون حضارة شاملة ورائعة فى كافة فروع العلم والدين و الأدب والمعرفة والحرب، تلك الحضارة هى التى بقيت لنا وللعالم، أما الحكام فقد ذهبوا فى مزابل التاريخ .
انظروا فى تاريخ البشرية منذ آدم، وتعلموا أنه يتوجب علينا ألا نرفض الشر، لأن الله هو الذى خلقه ليبلونا به، ليمتحننا، علينا إذن أن ندرك الحقيقة المعجزة فى بساطتها، فى بهائها، فى سطوعها الذى يعمى الأبصار عن رؤيتها، أن الله فاعل فى هذا الكون، لا تتجاهلوا أهم عنصر فى أى صراع فى هذه الدنيا، أن الله فاعل. . المادى المجرب المحسوس موجود وعلينا أن نتلمس به الأسباب لكن الله فاعل . .
حسابات الحاسبات الضخمة موجودة ويجب أن تحترم ولكن الله فاعل.
الله فاعل فى هذا الكون، زاغت عقولنا حين تصورنا أن ارتباط الأسباب بالمسببات حقيقة مطلقة بينما هى ليست إلا مشيئة، تتوقف على الفور حين تشاء المشيئة، إن المؤمن ليس مطالبا بالقوة كلها بل بما يستطيع منها، و أنه حين يتجرد ويخلص، فثمة قانون أشبه بقانون الفيزياء الذى يتحكم بالكتلة الحرجة التى يتحقق بعدها الانفجار النووى، لقد طبق القانون الذى يقضى بأنه حينما يكتمل قدر معين من التجرد والإخلاص، يأتى نصر الله الموعود ليقلب كل موازين القوى.
انظروا إلى بدر، انظروا إلى غزوة الخندق، انظروا إلى الحروب الصليبية، انظروا إلى الحرب العالمية فى حطين حين خرج صلاح الدين من مصر بجيش قوامه اثنا عشر ألفا ليواجه مئات الآلاف من جيوش الصليبيين، ولينتصر، بالقانون الإلهى الذى لا ندرك كنهه، انظروا إلى ما حدث أيامها عندما جند ملك الألمان جيشا جرارا من ثلاثمائة ألف مقاتل لينجد به الصليبيين وليقضى على المشكلة من جذورها باحتلال مكة والمدينة، وبدأ الجيش الجرار زحفه، تخيلوا لو أن هذا الجيش وصل إلى ساحة الحرب ماذا كان يمكن أن تكون النتيجة؟..
كيف كان يمكن أن يكون تأثيره على الجغرافيا والتاريخ ؟ هل تعرفون ماذا حدث لهذا الجيش؟
حدث أن الله فاعل، أن الله غالب على أمره، لقد نشبت الصراعات بين الجيش واستحر القتل، ثم غرق الإمبراطور وهو يستحم فى ترعة صغيرة فخلفه ابنه، ثم فشت الأوبئة فمات الابن أيضا، فهل تعلمون كم وصل من الجيش الجرار إلى ساحة الحرب فى فلسطين؟
 ألف ­­ ألف فقط ­­ منهكين متعبين مهزومين، الله فاعل، الله فاعل، انظروا إلى صراع الخير والشر منذ آدم، لو اتبعنا قواعد التفكير العلمى بمنطق أهل الأرض ، بالمادى المجرب المحسوس وبأدق و أضخم الحاسبات، لانتهى الخير بالهزيمة الماحقة بعد بضع عشرات أو مئات من السنين من بداية البشرية، لكن الله فاعل، ألق البذرة فى الأرض كيفما شئت لكنها ستنبت فى اتجاه الشمس، اقلبها، سيستدير الساق نحو الشمس، الله فاعل.. انظروا إلى تلك النسبة المعجزة فى الإنسان والحيوان والنبات بين الذكور والإناث وملاءمة ذلك لكل جنس منها، وانظروا إلى زيادة نسبة المواليد الذكور بعد الحروب الكبرى حين يهلك كثير من الرجال، الله فاعل، وثمة قوة لا ندريها ولا ندرك كنهها لكننا نؤمن بها هى التى تحدد النهايات والمصائر، الله فاعل، لكن خطيئتنا الكبرى أننا - خاصة بمفهوم الحضارة الغربية - نعطى العقل أكثر مما يستحق، وليس العقل إلا بعضا من الإنسان قدراته محدودة ومحكومة بوسائل الجسد فى تحصيل المعارف، لقد خلقنا الله ثم أعطانا من العقل ما نحتاج فعلا إليه، ما ندرك به النسبى لا المطلق، الناقص لا الكامل، والعقل يشبه حقيبة جراح تحوى من الآلات ما يمكنه من إجراء عمليات محددة، لا يمكنه أداء سواها، وعدم استعماله فيما خلق من أجله حماقة واستعماله فيما لم يخلق من أجله جنون، تماما كما أن الله قد خلق لنا قدمين نسير عليهما، فإن من يتوقف عن استعمالهما أحمق ستدفع حماقته بقدميه إلى الضمور، أما من يحاول استعمالهما للسير بهما على السحاب فهو مجنون ثم أنه لا محالة هالك، الله فاعل، والعقل البشرى محدود، فإذا كنا نؤمن بكل ذلك فلماذا نستبدل المنهج الأرضى بالمنهج الإلهى؟.. وكيف بعد ذلك ننتظر الفلاح والنجاح؟.. الله فاعل، انظروا إلى صراع الخير والشر من الأزل إلى الأبد، لقد كان المدافعون عن الخير دائما هم الأقلون، هم المستضعفون فى الأرض، كان عددهم فى كل بقعة من بقاع الأرض لا يتجاوز العشرات إزاء الآلاف، أو الآلاف إزاء الملايين، لكنهم هم الذين انتصروا دائما، لو أخضعتم التاريخ لمقاييس العقل الأرضى لما بقى فى الأرض خير، واحد فى الألف هم الذين رفعوا الراية دائما عبر التاريخ وسلموها من جيل إلى جيل، واحد فى الألف أظهر الله دائما إلى أيديهم وقلوبهم نوره، واحد فى الألف هم الذين أصروا دائما على ألا يستسلموا، ولقد كان الحكام دائما فى الجانب الآخر، عدا استثناءات نادرة سجلها التاريخ واحتفى بها أيما احتفاء، واحد فى الألف، هم الذين أدركوا أنهم جند الله فى الأرض و أنهم هم الوارثون، ليست خيانة الحكام والنخبة اكتشافا جديدا، ومع ذلك، هم الذين يذهبون ملعونين – فى أغلب الأحوال – حتى نهاية الزمان ونحن الذين نبقى، نحن المستضعفين، ولست أدعى أننا كنا على الحق دائما، لكننا حاولنا طول الوقت فكنا الخطائين التوابين، نحن الذين بقينا، نحن الذين ذبحنا وقتلنا وعذبنا وحرّقنا وصلبنا وسجنا وهزمنا وتُـقُـوُّلِـت علينا الأقاويل وزيف ضدنا التاريخ، هم ذهبوا ونحن بقينا، لأنهم أطفأوا نور الله فيهم فلم يبق فيهم إلا الوجود الحيوانى الذى لا يترك خلفه بعد الموت إلا نتن الجيف، نحن، نحن المستضعفين منّ الله علينا فأدركنا أننا حملة راية نور تنتقل من جيل إلى جيل، أدركنا أننا نحملها كأمانة تعهدنا بها قبل أن نولد بملايين السنين لنوصلها إلى بعد أن نموت بملايين السنين، كى نقف أمام الله يوم الحساب يباهى بنا نبينا عليه الصلاة والسلام الأمم، نقف منتصرين خالدين لا نموت، ليس يضيرنا إذن أن يسقط منا فرد أو مليون فرد، فنحن نحارب من أجل قضية خلق ووجود وكون لا يحده زمن ولا وطن ولا جيل ولا فرد، قضيتنا مستمرة استمرار الوجود، ولأننا واثقون أن رايتنا هى التى تصل، فلا محل عندنا لليأس ولا انتظار للنصر، لأننا منتصرون ونحن محاصرون، منتصرون ونحن نقصف بالصواريخ أو نعدم بالرصاص، منتصرون معلقين على المشانق، منتصرون مصلوبين، منتصرون لحظة اتخاذ الموقف لا لحظة النتيجة الأرضية، منتصرون حين انتصرنا فى الجهاد الأكبر على نفوسنا فتوقفت ذواتنا عن التضخم، توقف كل واحد منا عن اعتبار نفسه مركز الكون و أن موته هو نهاية الدنيا، توقفنا عن انتظار جنى ثمار جهادنا فى حياتنا، نحن نحارب اليوم كى ننتصر بعد ألف عام، تماما كما حارب الحسين كى ينفى الشرعية عمن اغتصب الحكم رغما عن المسلمين، ولو أنه استسلم لحل لكل غاصب غصيبته، قولوا لى من انتصر، يزيد أم الحسين، انظروا، لتدركوا أن جهادنا نحن هو الذى يبقى فى قلوب الناس و أن كلامهم زبد يذهب فى الأرض جفاء. نحن خسرنا الدنيا فلا نطيق أن نفقد من الآخرة شيئا وهم فقدوا الآخرة فلا يطيقون أن يخسروا من الدنيا شيئا، وما خسرنا الدنيا لقلة حيلة لكننا أدركنا أنها لهو ومتاع الغرور، أنها جيفة، ولولا هوانها إلى الله ما رزق فيها كافر بشربة ماء، لذلك استعصت قلوبنا عليها، لا لزهدنا، بل لطمعنا فيما هو خير و أبقى.
فإذا كانت الدنيا جيفة فما موقع التاريخ الكذوب من الجيفة وما قدر حكام خانوا فيها. 
انظروا إلى سر الإعجاز الإلهى فى خلقه .. إن الواحد فى الألف هو الذى يحدد مسار التاريخ، وهو برغم الأغلبية الكاسحة يتطور باستمرار إلى أمام، إنهم دائما يعرقلون التطور، يؤخرونه، لكن مشيئة الله هى التى تنفذ على أيدينا فى النهاية، هذا الواحد فى الألف لم يخبرنا به حساب ولا تجربة ولا جهاز كمبيوتر بل أنبأنا به الله حين أخبرنا أنه يأمر آدم يوم القيامة أن يأتيه بحصاد جهنم فيأتيه من كل ألف بتسعمائة وتسعة وتسعين، الواحد فى الألف إذن هى الكتلة الحرجة التى يحدث بعدها الانتصار، فهل نعجز كأمة أن نربى من كل ألف واحدا و أن يثبت هذا الواحد وهو على يقين من نصر الله..
 إننا  الآن فى الزمن الذى أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، الزمن الذى يخرج فيه الناس من دين الله أفواجا، زمن العولمة، فهل تعجزين يا أمة الإسلام أن تعطى من كل ألف واحدا فقط ؟ أجل، فليثبت منا من كل ألف واحد، وسيكون لنا النصر …
أرأيت أيها القارئ كيف يمكن أن يغير المنهج من نظرتنا للأمر، لسنا مطالبين إذن بالمستحيل، ولا مطالبين بما قد يؤدى إلى مجازر الشعوب والحروب الأهلية، مطالبون فقط بما نقدر ونستطيع، فليكن فى الحاشية والجيش والشرطة والقضاة والنيابة والمجتمع كله صالح واحد بين ألف طالح، وسينتصر الواحد الصالح لكن هذا الصالح عليه ألا يخشى إلا الله، أن يعبد الله حقا ويعرفه حقا ويجاهد فى سبيله حقا.. إن الآخرين يعرفون عن قوانا الكامنة أكثر بكثير مما نعرف، لكن الجهل والخيانة يحاصرانا، وعلى سبيل المثال فما أكثر ما كتب عن كتاب صدام الحضارات و إعادة صنع النظام العالمى، ما أكثر ما كتب عنه، لقد قدمه البعض للقارئ كما لو كان كتابا لا يأتيه باطل، ومع ذلك لم يذكر أحد أن رأي المؤلف : " صمويل هنتنجتون " فينا أفضل من رأينا فى أنفسنا، يقول الكاتب : " طالما أن الإسلام يظل - وسيظل - كما هو الإسلام، والغرب يظل -وهذا غير مؤكد - كما هو الغرب، فإن الصراع الكبير بين الحضارتين الكبيرتين و أساليب كل منهما فى الحياة سوف يستمر "..
 أجل .. مهما كانت كثافة الظلام فى الحاضر، ومهما كانت حسابات العقل متشائمة، فإنه لا ينبغى أن نيأس من المستقبل فثمة وجه آخر للأمر علينا ألا نغفله، ذلك أن التطور البشرى كله مبنى على اكتشاف خطأ ما ظنناه حقائق راسخة لا يتطرق الشك إليها، إن حساباتهم الآن أننا نحتضر .. حسابات صبيان زويمر وتلاميذ دنلوب وجنود كرومر وجماعة كوبنهاجن أيضا تقول ذلك..
فهل نستيئس؟!..
لا .. لا يحق لنا نحن مهما صادفنا من إحباط أو نكران أو فشل أن نيأس، فنحن لا نجاهد من أجل قضية شخصية ولا من أجل مجد أرضى، قضيتنا هى إعلاء كلمة الله، وهى قضية محسومة، نحن على الحق، من يسقط منا فاز، ومن يستمر يفوز والقضية فى كل الأحوال مستمرة.
حتى الأخطاء والهزائم، يوظفها الله لنا كى تكون جنودا لنا، وانظروا فى عصرنا الحديث إلى تصرفات بعض دولنا، لقد كان تصرفها ضد مصلحة الأمة كى تثور فى الضمائر الآن تساؤلات عن شرعية وجودها، هذه التساؤلات المثارة اليوم سوف تنفجر غدا، وسوف تغير الجغرافيا والتاريخ، انظروا مثلا إلى الأزهر عندما نسى دوره ليدعم السلطان، عندما راح يقارن كامب ديفيد بالحديبية، لقد انصرفت الأمة عنه، عزلته كى توقف تأثيره الضار على وجدانها، و حل محل الأزهر خطباء مساجد نصف ما يقولونه من أحاديث هى أحاديث موضوعة، وبرغم ذلك فبجهل الجهلاء لا بعلم العلماء احتفظت الأمة بتوجهها الصحيح، تماما كما يحافظ الصدأ على تماسك هيكل معدنى ضخم لو أزلت منه الصدأ لانهار، فانظروا فيوض الكرم حين ينصرنا بضعفنا ويحفظ عقلنا بجهلنا، انظروا أيضا إلى البوسنة، لقد كانت محاولة استئصال شأفة الإسلام هى نفسها الطريق إلى انبثاق أول دولة إسلامية فى أوروبا الحديثة. 
اقرؤوا كتاب : الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان ، اقرؤوه لتدركوا أن الله سوف يسبب لكم الأسباب .. انظروا و أيقنوا إذن بالنصر، واعلموا أن مأساة البشرية ليست فى الموت بل فى الخلد، وما الموت سوى عرض عابر، لقد كنا أحياء قبل أن نولد، وسنحيا بعد أن نموت ثم نبعث ثم لا نموت أبدا، وإننا عندما نبدأ الطريق ندرك أن اخوة و أبناء لنا سوف يكملون ما بدأنا، ما لراية ترفع مشيئة الله أن تسقط فأبدا لا تستيئسوا، بعون الله سوف ننجح، سنوقف التعذيب وسنمنع التزوير وسنقضى على الفساد وسنوحد الأمة وسنحارب إسرائيل كافة كما أمرنا الله  - لا لكى نعيدها إلى حدود 67 بل حتى نزيلها من الوجود- ..
 لو أن إنسانا شريفا وعدك وعدا فإن وعد الحر دين عليه ولو أن جلالة ملك أو فخامة رئيس أو سمو أمير أو معالى شيخ وعد وعدا فإن وعده أمر.. أما إذا وعدنا الله نفسه فإن وعده قضاء لا رد له ومجرد الشك فى حدوثه معصية نبرأ إليه منها
 لقد فشلت الدول، وفشلت الأحزاب وفشلت التجمعات لكننا نحن كأفراد سننجح ..
 نحن شتلات الزمن الآتى، نحن الذين سنحافظ بإذن الله على اليقين فى قلوبنا كى نمنحه لمن يأتى بعدنا ، نحن جيش الله، وعلى كل فرد منا أن يدرك أنه يحارب وحده و أنه جيش وحده و أن وعد الله حق ونصره قريب ..
 علينا أن نحافظ على أنفسنا، على مبادئنا وقيمنا و أفكارنا كى لا يصيبنا البوار والعفن الذى أصاب الذين من حولنا ..
 علينا أن نناضل ونكافح و أن نستعد للاستشهاد فى كل لحظة، فما أقل عددنا وما أكثر أعداءنا ..
 علينا أن نفعل كل ذلك بحب وبثقة ويقين  فنحن جنود، أوصانا قائدنا بمهمة، وعلينا القيام بها، حتى لو متنا فى الطريق، فالقائد يعلم، وقد كان قادرا على أن ينفذ مهمته بقدرته دون تكليف لنا، لكن التكليف امتحان لنا، ليس من حقنا نحن الجنود أن نسأل القائد لماذا يفعل ما يفعل، فكوننا لا نقرأ إلا صفحة من كتاب الوجود ثم نذهب يحتم علينا بعدم اكتمال المعرفة ألا نسأل أو نعجب أو نعترض، ثم أنه سبحانه ما ضنّ علينا بوعد النصر، إن الإيمان الأكمل كان يقتضى منا أن ننفذ ما كلفنا به حتى دون وعد، لكنه سبحانه رحم الضعفاء فينا، نحن لا نصل إلى الغايات بل نتبع الوسائل، وفى وسائلنا ينبغى أن نكون دائما كما أمرنا، ولا عذر لنا، تحت أى ظرف من الظروف، فى أن نتخلى عن نبلنا وشرفنا، ولا أن ننسى أبدا أننا خير أمة أخرجت للناس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق